الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
4711 - مسألة: وهو مُخَيَّرٌ في التَّكْفِيرِ، إن شاء قَبْلَ الحِنْثِ، وإن شاء بعدَه، سواءٌ كان صَوْمًا أو غيرَه، فيما سِوَى الظِّهارِ
(1)، في قولِ أكثرِ أهلِ العِلْمِ، منهم مالكٌ. وممَّن رُوِيَ عنه تَقْدِيمُ التَّكْفِيرِ على الحِنْثِ؛ عمرُ بنُ الخَطَّابِ، وابنُه، وابنُ عباسٍ، وسَلْمانُ الفارِسِيُّ،
(1) في الأصل: «الظاهر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومَسْلَمَةُ بنُ مَخْلَدٍ، رضي الله عنهم. وبه قال الحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، ورَبِيعةُ، والأوْزاعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، وابنُ المُبارَكِ، وإسْحاقُ، وأبو عُبَيدٍ، وأبو خَيثَمَةَ، وسليمانُ بنُ داودَ. وقال أصحابُ الرَّأْي: لا تُجْزِئُ الكَفَّارَةُ قبلَ الحِنْثِ؛ لأنَّه تَكْفِيرٌ قبلَ وُجودِ سَبَبِه، فأشْبَهَ ما لو كَفَّرَ قبلَ اليَمِينِ، ودليلُ ذلك أنَّ سَبَبَ التَّكْفِيرِ الحِنْثُ، إذ (1) هو هَتْكُ الاسمِ المُعَظَّمِ المُحْتَرَمِ، ولم يُوجَدْ ذلك. وقال الشافِعِيُّ كقَوْلِنا في الإِعْتاقِ والإِطْعامِ والكُسْوَةِ، وكقَوْلِهم في الصِّيامِ، من أجْلِ أنَّه عِبادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فلم يَجُزْ فِعْلُه قبلَ وُجُوبِه لغيرِ مَشقةٍ، كالصَّلاةِ (2). ولَنا، ما رَوَى عبدُ الرحمنِ بنُ سَمُرَةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا حَلَفْتَ عَلَىِ يَمِينٍ، فَرَأيتَ غَيرَهَا خَيرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خيرٌ» . رَواه أبو
(1) في م: «و» .
(2)
في م: «كالصيام»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
داودَ (1). [وفي لفظٍ: «وائْتِ الذي هو خيرٌ». رَواه البُخارِيُّ](2). وقد رَوَى أبو هُرَيرَةَ، وأبو الدَّرْدَاءِ، وعَدِيُّ بنُ حاتمٍ، رضي الله عنهم، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوَ ذلك. رَواه الأثْرَمُ (3). وعن أبي موسى، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«إنِّي، إنْ شَاءَ اللهُ، لَا أحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأرَى غَيرَها خَيرًا مِنْهَا، إلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وأتَيتُ الَّذِي هُوَ خَيرٌ» . أو: «أَتَيتُ الَّذِي هُوَ خَيرٌ، وكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي» . رَواه البخارِيُّ (4). ولأنَّه كَفَّرَ بعدَ وُجودِ السَّبَبِ، فأجْزَأَ، كما لو كَفَّرَ بعدَ الجَرْحِ وقبلَ الزُّهوقِ، والسَّبَبُ هو اليَمِينُ، بدليلِ قولِه تعالى. {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} (5). وقولِه سبحانَه:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيمَانِكُمْ} (6). وقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «وكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي» : «فكَفِّرْ
(1) تقدم تخريجه في 23/ 207.
(2)
سقط من: ص، ق، م.
(3)
حديث أبي هريرة تقدم تخريجه في صفحة 468.
وحديث أبي الدرداء أخرجه البيهقي، في: السنن الكبرى 10/ 52. وعزاه في: مجمع الزوائد إلى الطبراني في الكبير، وقال: رجاله ثقات. مجمع الزوائد 4/ 184.
وحديث عدي بن حاتم أخرجه مسلم، في: باب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 3/ 1272، 1273. والنسائي، في: باب الكفارة قبل الحنث، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 10، 11. وابن ماجه، في: باب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 681. والدارمي، في: باب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، من كتاب النذور والأيمان. سنن الدارمي 2/ 186. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 256، 259.
(4)
تقدم تخريجه في 23/ 207، 208.
(5)
سورة المائدة 89.
(6)
سورة التحريم 2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَنْ يَمِينِكَ». وتَسْمِيَةِ الكَفَّارَةِ كَفَّارَةَ اليَمِينِ، وبهذا يَنْفَصِلُ عمَّا ذَكَرُوه، وعلى هذا، فالحِنْثُ شَرْطٌ وليس بسَبَبٍ، ولأنَّ تَعْجِيلَ حَقِّ اللهِ تعالى في المالِ بعدَ وُجودِ (1) سَبَبِه قبلَ وُجودِ شَرْطِه جائِزٌ، بدليلِ تَعْجيل الزَّكاةِ بعدَ وُجودِ (1) النِّصابِ وقبلَ الحَوْلِ، وكَفَّارَةِ القَتْلِ بعدَ الجَرْحِ وقبلَ الزُّهوقِ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ (2): العَجَبُ من أصحابِ أبي حنيفةَ، أجازُوا تَقْدِيمَ (3) الزَّكاةِ من غيرِ أن يَرْوُوا فيها مثلَ هذه الآثارِ الوارِدَةِ (4) في تَقْدِيمِ الكَفَّارَةِ، وأبَوْا تَقْدِيمَ الكَفَّارَةِ ههُنا مع كَثْرَةِ الرِّوايَةِ الوارِدَةِ فيها، والحُجَّةُ في السُّنَّةِ، ومَن خالفَها مَحْجُوجٌ بها. فأمَّا أصحابُ الشافِعِيِّ فهم مَحْجُوجُونَ بالأحادِيثِ، مع أنَّهم قد احْتَجُّوا بها في البَعْضِ، وخالفُوها في البعضِ، وفَرَّقُوا بينَ (5) ما جَمَعَ بينَه النَّصُّ. ولأنَّ الصِّيامَ نَوْعُ تَكْفِيرٍ، فجازَ قبلَ الحِنْثِ، كالتَّكْفِيرِ بالمالِ، وقياسُ الكَفَّارَةِ على الكَفَّارَةِ أوْلَى من قِياسِها على الصلاةِ المَفْروضَةِ بأصْلِ الوَضْعِ.
(1) في م: «وجوب» .
(2)
في التمهيد 21/ 247.
(3)
في م: «تعجيل» .
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأمّا تَقْدِيمُها على اليَمِينِ، فلا يجوزُ عندَ أحَدٍ من العُلَماءِ، لأنَّه تَقْدِيمٌ للحُكْمِ قبلَ سَبَبِه، فلم يَجُزْ، كتَقْدِيمِ الزَّكاةِ قبلَ مِلْكِ النِّصابِ، وكَفَّارَةِ القَتْلِ قبلَ الجَرْحِ.
فصل: والتَّكْفِيرُ قبلَ الحِنْثِ وبعدَه سَواءٌ في الفَضِيلَةِ. وقال ابنُ أبي موسى: بعدَه أفْضَلُ عندَ أحمدَ. وهو قولُ مالكٍ، والثَّوْرِيِّ، والشافِعِيِّ؛ لِما فيه من الخُروجِ من الخِلافِ، وحُصُولِ اليَقِينِ (1) ببَراءَةِ الذِّمَّةِ. ولَنا، أنَّ الأحادِيثَ الوارِدَةَ فيه، فيها التَّقْدِيمُ مَرَّةً والتَّأْخِيرُ أُخْرَى، وهذا دليلُ التَّسْويَةِ، ولأنَّه تَعْجِيلُ ما (2) يجوزُ تعْجِيلُه قبلَ وُجوبِه، فلم يَكُن التَّأْخِيرُ أفْضَلَ، كتَعْجِيلِ الزَّكاةِ وكفَّارَةِ القَتْلِ، وما ذَكَرُوه مُعارَضٌ بتَعْجيلِ النَّفْعِ للفُقَراءِ، والتَّبَرُّعِ بما لم يَجِبْ عليه، والخِلافُ الخالِفُ [للنُّصوصِ](3) لا يُوجِبُ تَفْضيلَ المُجْمَعِ عليه، كتَرْكِ الجَمْعِ بينَ الصَّلاتَين.
(1) في ق، م:«النفس» .
(2)
في ق، م:«مال» .
(3)
تكملة من المغني 13/ 483.