الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ، لَمْ يَحْرُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيدِهِ، وَلَمْ يُبَحْ مَا أَكَلَ مِنْهُ، في إِحْدَى الرِّوَايَتَينَ. وَالْأُخْرَى، يَحِلُّ.
ــ
شَرْطًا، كالانزِجارِ إذا زُجِرَ، وحديثُ أبي ثَعْلَبَةَ مُعارَضٌ بما روَى عَدِيُّ بنُ حاتمٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«فإنْ أكَلَ فلَا تَأْكُلْ، فإنِّي أخافُ أنْ يكونَ إنَّما أمْسَكَ عَلَى نَفْسِه» (1). وهذا أَوْلَى بالتَّقْدِيمِ؛ لأنَّه أصَحُّ، وهو مُتَّفَقٌ عليه. ولأنَّه مُتضَمِّنٌ للزيادَةِ، وهو ذِكْرُ الحُكْمِ مُعَلَّلًا. ثم إنَّ حديثَ أبي ثَعْلَبَةَ مَحْمولٌ على جارِحَةٍ ثَبَت تعليمُها؛ لقولِه:«إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ» . ولا يثْبُتُ التَّعْليمُ حتى يتْرُكَ الأَكْلَ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الانْزِجارَ بالزَّجْرِ إنَّما يُعْتَبرُ قبلَ إرْسالِه على الصَّيدِ، أو رُؤْيَتِه، أمّا بعدَ ذلك، فإنَّه لا يُعْتَبَرُ الانْزِجارُ بحالٍ. قال شيخُنا: ولا أحْسَبُ هذه الخِصال تُعْتَبرُ في غيرِ الكلبِ، فإنَّه الذي يُجِيبُ صاحِبَه إذا دَعاه، ويَنْزَجِرُ إذا زَجَرَه، والفَهْدُ لا يَكادُ يُجِيبُ دَاعِيًا وإن عُدَّ مُتَعَلِّمًا، فيكونُ التعْلِيمُ في حَقِّه بتَرْكِ الأكْلِ خاصَّةً، أو بما يعُدُّه به أهلُ العُرْفِ مُعَلَّمًا.
4665 - مسألة: (فإن أكَلَ بعدَ تَعَلُّمِه، لم يَحْرُمْ ما تَقَدَّمَ مِن صَيدِه، ولم يُبَحْ ما أكَلَ منه في إحدى الرِّوايَتَين. والأُخْرَى، يَحِلُّ)
أصَحُّ
(1) تقدم تخريجه في 11/ 85.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرِّوايتَين أنَّ ما أكَلَ منه لا يُباحُ. ويُرْوَى ذلك عن ابنَ عباسٍ، وأبي هُرَيرَةَ. وبه قال عَطاءٌ، وطاوسٌ، وعُبَيدُ (1) بنُ عُمَيرٍ، والشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ، وسُوَيدُ (2) بنُ غَفَلَةَ، وأبو بُرْدَةَ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وعِكْرِمَةُ، والضَّحّاكُ، وقَتادَةُ، وإسحاقُ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه. والثانيةُ، يُباحُ. رُوِيَ ذلك عن سَعْدِ بنَ أبي وَقّاصٍ، وسَلْمَانَ، وأبي هُرَيرَةَ، وابنِ عمرَ. حكاه عنهم الإِمامُ أحمدُ. وبه قال مالِكٌ. وللشافعيِّ قَوْلان كالمَذْهَبَين. واحْتَجَّ مَن أباحَه بعُمومِ قولِه تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيكُمْ} . وبحديثِ أبي ثَعْلَبَةَ، ولأنَّه صَيدٌ جارِحٌ مُعَلَّمٌ، فأُبِيحَ، كما لو لم يأكلْ، فإنَّ الأكْلَ يحْتَمِلُ أن يكونَ (3) لفَرْطِ جُوعٍ أو غَيظٍ على الصَّيدِ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، في حديثِ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ:«إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ، وذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ، فَكُلْ مِمَّا أمْسَكَ عَلَيكَ» .
(1) في الأصل: «عبيدة» .
(2)
في الأصل: «سعيد» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قلْتُ: وإنْ قَتَلَ. قال: «وَإِنْ قَتَلَ، إلَّا أنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ، فإنْ أكَلَ، فَلَا تَأْكُلْ، فإنِّي أخَافُ أنْ يَكُونَ إنَّمَا أمْسَكَه (1) عَلَى نَفْسِه» . مُتَّفَقٌ عليه. ولأنَّ ما كان شَرْطًا في الصَّيدِ الأوَّلِ، كان شَرْطًا في سائِرِ صُيودِه، كالإِرْسالِ والتَّعْليمِ. فأمّا الآيَةُ فلا تَتَناوَلُ هذا الصَّيدَ؛ لأنَّه قال:{مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيكُمْ} . وهذا إنَّما أمْسَكَ على نفْسِه. وأمّا حديثُ أبي ثَعْلَبَةَ، فقال أحمدُ: يَخْتَلِفُون عن هُشَيمٍ فيه. وحدِيثُنا أصَحُّ؛ لأنَّه مُتَّفَقٌ عليه، وحَدِيثُ (2) عَدِيِّ [بنِ حاتِمٍ](3) أضْبَطُ، ولفظُه أبْيَنُ؛ لأنَّه ذكَرَ الحُكْمَ والعِلَّةَ. قال أحمدُ: حديثُ الشَّعْبِيِّ عن عَدِيٍّ مِن أصَحِّ (4) ما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، الشَّعْبِيُّ يقولُ: كان جارِي ورَبِيطِي، فحدَّثَنِي. والعملُ عليه. ويَحْتَمِلُ أنَّه أكَلَ منه بعدَ أن قَتَلَه وانْصَرَفَ عنه.
(1) في م: «أمسك» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «أصلح» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يَحْرُمُ ما تَقَدَّمَ مِن صَيدِه، في قولِ أكْثَرِ أهلِ العلمِ. وقال أبو حنيفةَ: يَحْرُمُ؛ لأنَّه لو كان مُعَلَّمًا ما أكَلَ. ولَنا، عُمومُ الآيةِ والأخْبارِ، وإنَّما خُصَّ ما أكَلَ منه، ففيما عَداهُ يجبُ العملُ بالعُمومِ، ولأنَّ اجْتماعَ شُروطِ التَّعْليمِ حاصلٌ، فوجَبَ الحكمُ به، ولهذا حكَمْنا بحِلِّ صَيدِه، فإذا وُجِدَ الأكْلُ، احْتَمَلَ أن يكونَ لِنِسْيانٍ، أو فَرْطِ جُوعٍ، فلا يُتْرَكُ ما ثَبَتَ (1) يَقِينًا بالاحْتمالِ.
فصل: ولا يَحْرُمُ ما صادَه الكلبُ بعدَ الصَّيدِ الذي أكَلَ منه. ويَحْتَمِلُ كلامُ الخِرَقِيِّ أنَّه يَخْرُجُ عن أن يكونَ مُعَلَّمًا، فتُعْتَبَرُ له شُروطُ التَّعْليمِ ابْتِداءً. والأوَّلُ أَوْلَى؛ لِما ذكَرْنا في صَيدِه قبلَ الأكْلِ.
فصل: فإن شَرِبَ مِن (1) دَمِه ولم يَأْكُلْ منه، لم يَحْرُمْ. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال عَطاءٌ، والشافعيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْي. وكَرِهَه الشَّعْبِيُّ، والثَّوْرِيُّ؛ لأنَّه في مَعْنَى الأكْلِ. ولَنا، عُمومُ الآيةِ والأخْبارِ، [وإنَّما](2) خَرَج منه ما أكَلَ منه؛ لحديثِ عَدِيٍّ، وهو
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قولُه: «فَإنْ أكَلَ مِنْهُ، فَلَا تَأْكُلْ» . وهذا لم يأْكُلْ، ولأنَّ الدَّمَ لا يَقْصِدُه الصَّائِدُ منه، ولا ينْتَفِعُ به، فلا يَخْرُجُ بشُرْبِه عن أن يكونَ مُمْسِكًا على صائدِه.
فصل: وكُلُّ ما يَقْبَلُ التَّعْليمَ، ويُمْكِنُ الاصْطِيادُ به مِن سباعِ البهائِمِ، كالفَهْدِ وجَوارِحِ الطَّيرِ، فحُكْمُه حُكْمُ الكلبِ في إباحَةِ صَيدِه. قال ابنُ عباسٍ، في قولِه تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} . هي الكِلابُ المُعَلَّمَةُ، وكُلُّ طَيرٍ تعَلَّمَ الصَّيدَ، والفُهُودُ، والصُّقُورُ وأشْباهُها (1). وبمعنى ذلك قال طاوُسٌ، ويحيى بنُ أبي كَثِيرٍ، والحسَنُ، ومالِكٌ، والثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفةَ، ومحمدُ بنُ الحسنِ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ. وحُكِيَ عن ابنِ عمرَ، ومُجاهِدٍ، أنَّه لا يجوزُ الصَّيدُ إلَّا بالكلبِ؛ لقولِ اللهِ تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} . يعني: كَلَّبْتُم (2) مِن الكلابِ. ولَنا، ما رُوِيَ عن عَدِيٍّ، قال: سأَلْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن صَيدِ البَازِي، فقال:«إذا أمْسَكَ عَلَيكَ، فَكُلْ» (3). ولأنَّه جارِحٌ يُصادُ به عادةً، ويَقْبَلُ التَّعليمَ، فأشْبَهَ
(1) أخرجه ابن جرير، في: تفسيره 6/ 90. والبيهقي، في: السنن الكبرى 9/ 235. وضعف إسناده في الإرواء 8/ 182.
(2)
في م: «علمتم» .
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في الصيد، من كتاب الصيد. سنن أبي داود 2/ 98. والترمذي، في: باب ما جاء في صيد البزاة، من أبواب الصيد. عارضة الأحوذي 6/ 255. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 257.
وَالثَّانِي، ذُو الْمِخْلَبِ؛ كَالْبَازِي، وَالصَّقْرِ، وَالْعُقَابِ، وَالشَّاهِينِ، فَتَعْلِيمُهُ بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إِذَا أُرْسِلَ، وَيُجِيبَ إِذَا دُعِيَ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَرْكُ الْأَكْلِ.
ــ
الكلبَ. فأمّا الآيَةُ، فإنَّ الجوارِحَ الكَواسِبُ. قال اللهُ تعالى:{وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ} (1). أي: كَسَبْتُم. وفلانٌ جارِحَةُ أهلِه، أي: كاسِبُهم. {مُكَلِّبِينَ} . مِن التَّكْلِيبِ (2) وهو الإِغْراءُ.
النوعُ (الثاني، ذو المِخْلَبِ؛ كالبازِي، والصَّقْرِ، والعُقابِ، والشّاهينِ، فتَعْلِيمُه بأن يَسْتَرْسِلَ، ويُجِيبَ إذا دُعِيَ، ولا يُعْتَبَرُ تَرْكُ الأكْلِ) فعلى هذا، يُباحُ صَيدُه وإن أكَلَ منه. وبهذا قال ابنُ عباسٍ. وإليه ذهبَ النَّخَعِيُّ، وحَمّادٌ، والثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه. ونصَّ الشافعيُّ على أنَّه كالكلبِ في تَحْريمِ ما أكَلَ منه مِن صَيدِه؛ لأنَّ مُجالِدًا رَوَى عن الشَّعْبِيِّ، عن عَدِيٍّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«فإنْ أكَلَ الكَلْبُ والبَازِيُّ، فلا تَأْكُلْ» (3). ولأنَّه جارِحٌ أكَلَ ممّا صادَه عَقِيبَ قَتْلِه،
(1) سورة الأنعام 60.
(2)
في الأصل: «التكلب» .
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب في الصيد، من كتاب الصيد. سنن أبي داود 2/ 98. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 257.