الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الَّذِي يَعْزِمُ عَلَى الْجَنِّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا فَتُطِيعُهُ، فَلَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ، وَذَكَرهُ أبو الْخَطَّابِ فِي السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ.
ــ
4600 - مسألة: (وأمَّا الذي يَعْزِمُ على الجنِّ، ويَزْعُمُ أنَّه يَجْمَعُها فتُطِيعُه، فلا يَكْفُرُ ولا يُقْتَلُ. وذَكَرَه أبو الخَطَّابِ في السَّحَرَةِ الذين يُقْتَلون)
وكذلك ذَكَرَه القاضي. فأمَّا الذي يَحُلُّ بالسِّحْرِ، فإن كان بشيءٍ من القُرْآنِ، أو شيءٍ من الذِّكْرِ والأقْسامِ والكلامِ المُباحِ، فلا بَأْسَ به، فإن كان بشيءٍ من السِّحْرِ، فقد تَوَقَّفَ أحمدُ عنه، قال الأثرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللهِ يُسْألُ عن رجلٍ يَزْعُمُ أنَّه يَحُلُّ السِّحْرَ، فقال: قد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَخَّصَ فيه بعضُ النَّاسِ. قِيلَ لأبي عبدِ اللهِ: إنَّه يَجْعَلُ في الطِّنْجيرِ (1) ماءً، ويَغِيبُ فيه، ويَعْمَلُ كذا. فنَفَض يَدَه كالمُنْكِرِ، وقال: ما أَدْرِي ما هذا؟ قِيلَ له: أفتَرَى أن يُؤْتَى مثلُ هذا يَحُلُّ السِّحْرَ؟ فقال: ما أدْرِي ما هذا؟ ورُوِيَ عن محمدِ بنِ سِيرِينَ، أنَّه سُئِلَ عن امرأةٍ تُعَذِّبُها السَّحَرَةُ، فقال رجلٌ: أخُطُّ خَطًّا عليها، وأغْرِزُ السِّكِّينَ عندَ مَجْمَعِ الخَطِّ، وأقْرَأُ القُرْآنَ. فقال محمدٌ: ما أعلمُ بقراءةِ القُرْآنِ بَأْسًا على حالٍ، ولا أدْرِي ما الخَطُّ والسِّكِّينُ. ورُوِيَ عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، في الرجُلِ يُؤْخَذُ عن امرأتِه، فيَلْتَمِسُ مَن يُداويه، فقال: إنَّما نَهَى اللَّهُ عمَّا يَضُرُّ، ولم يَنْهَ عَمَّا يَنْفَعُ. وقال أيضًا: إن اسْتَطَعْتَ أن تَنْفَعَ أخاكَ فافْعَلْ. فهذا من قولِهم يَدُلُّ على أنَّ المُعَزِّمَ ونحوَه لم يَدْخُلُوا في حُكْمِ السَّحَرَةِ؛ لأنَّهم لا يُسَمَّوْن به، وهو ممَّا (2) يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ.
(1) الطنجير: بالكسر لفظ فارسي معرب، وهو إناء من نحاس يطبخ فيه. انظر المصباح المنير (ط ن ج ر)، وقصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل 2/ 266.
(2)
بعده في الأصل: «لا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمَّا الكاهِنُ (1) الذي له رَئِيٌّ من الجِنِّ، يَأْتِيه بالأَخْبارِ، والعَرَّافُ الذي يَحْدِسُ ويَتَخَرَّصُ، فقد قال أحمدُ، في روايةِ حَنْبَلٍ، في العَرَّافِ والسَّاحِرِ والكاهِنِ: أرَى أن يُسْتَتابَ من هذه الأفاعِيلِ. قِيلَ له: يُقْتَلُ؟ قال: لا، يُحْبَسُ، لَعَلَّه يَرْجِعُ. قال: والعِرافَةُ طَرَفٌ من السِّحْرِ، والسَّاحِرُ أخْبَثُ؛ لأنَّ السِّحْرَ شُعْبَةٌ من الكُفْرِ. وقال: السَّاحِرُ والكاهِنُ حُكْمُهُما القَتْلُ، أو الحَبْسُ حتى يَتُوبَا؛ لأنَّهما يُلبِّسانِ أمْرَهما، وحديثُ عمرَ: اقْتُلوا كُلَّ ساحرٍ وكاهِنٍ (2). وليس هو من أمرِ الإِسلامِ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ كلَّ واحدٍ فيه رِوايتان؛ إحدَاهما،
(1) في م: «الكافر» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 186.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه يُقْتَلُ إذا لم يَتُبْ. والثانيةُ، لا يقتلُ؛ لأنَّ حكمَه أخفُّ من حكمِ الساحِرِ، وقد اخْتُلِفَ فيه، فهذا (1) بدَرْءِ القَتْلِ عنه (1) أوْلَى. فصل: فأمَّا ساحِرُ أهْلِ الكِتابِ، فلا يُقْتَلُ لصِحْوه، إلَّا أن يَقْتُلَ به، ويكونَ ممَّا يَقْتُلُ غالبًا، فيُقْتَلُ قِصاصًا. وقال أبو حنيفةَ: كقْتَلُ، لعُمُومِ ما تَقَدَّمَ من الأخْبارِ، ولأنَّه جِنايَةٌ أوْجَبَتْ قَتْلَ المسلمِ، فأوْجَبَتْ قَتْلَ الذِّمِّيِّ، كالقَتْلِ قِصاصًا. ولَنا، أنَّ لَبِيدَ بنَ الأعْصَمِ سَحَر النبيَّ صلى الله عليه وسلم،
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلم يَقْتُلْه. ولأنَّ الشِّرْكَ أعْظَمُ من سِحْرِه، فلا يُقْتَلُ به، والأخْبارُ وَرَدَتْ في ساحرِ المسلمين؛ لأنَّه يَكْفُرُ بسِحْرِه، وهذا كافِرٌ أصْلِيٌّ. وقياسُهم ينتقِضُ باعتِقادِ الكُفْرِ، والتَّكَلُّمِ به، وينتقِضُ بالزِّنَى من المُحْصَنِ، فإنَّه لا يُقْتَلُ به الذِّمِّيّ عندَهم، ويُقْتَلُ به المسلِمُ. واللهُ أعلمُ.