الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
4716 - مسألة: وليس للسَّيِّدِ مَنْعُ العبدِ
(1) مِنَ التَّكْفِيرِ بالصِّيَامِ، سَواءٌ كان الحِنْثُ والحَلِفُ بإذْنِه أو بغيرِ إذْنِه، وسَواءٌ أضَرَّ به الصِّيامُ أو لم يُضرَّ به. وقال الشافعيُّ: إن حَنِثَ بغيرِ إذْنِه، والصَّوْمُ يُضِرُّ به، فله مَنْعُه، لأنَّ السَّيِّدَ لم يَأْذَنْ له فيما ألْزَمَ نَفْسَه، ممَّا يَتَعَلَّقُ به ضَرَرٌ على السَّيِّدِ، فكان له مَنْعُه (2) وتَحْلِيلُه، كما لو أحْرَمَ بالحجِّ بغيرِ إذْنِه. ولَنا، أنَّه صَوْمٌ واجِبٌ لحَقِّ اللهِ تعالى، فلم يَكُنْ لسَيِّدِه مَنْعُه منه (3)، كصيام رمضانَ وقَضائِه، ويُفارِقُ الحجَّ؛ لأنَّ ضَرَرَه كثيرٌ؛ لطُولِ مُدَّتِه وغَيبَتِه عن سَيِّدِه، وتَفْويتِ خِدْمَتِه، ولهذا مَلَك تَحْلِيلَ زَوْجَتِه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منه، ولم يَمْلِكْ مَنْعَها صَوْمَ الكَفَّارَةِ. فأمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ، فإن كان فيه ضَرَرٌ عليه، فلسَّيِّدِ مَنْعُه منه؛ لأنَّه يُفَوِّتُ حَقَّه [بما ليس](1) بواجِبٍ عليه، وإن كان لا يُضِرُّ به، لم يَكُنْ لسَيِّدِه مَنْعُه منه؛ لأنَّه يَعْبُدُ رَبَّه بما لا مَضَرَّةَ فيه، فأشْبَهَ ذِكْرَ اللهِ تعالى، وصلاةَ النَّافِلَةِ في غيرِ وَقْتِ خِدْمَتِه، وللزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِه (2) منه في كلِّ حالٍ؛ لأنَّه يُفَوِّتُ حَقَّه من الاسْتِمْتاعِ، ويَمْنَعُه منه.
(1) في م: «وليس» .
(2)
في الأصل: «وامرأته» .
وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، فَحُكْمُهُ في الْكَفَّارَةِ حُكْمُ الْأَحْرارِ.
ــ
فصل: (ومَن نِصْفُه حُرٌّ، فحُكْمُه في الكَفَّارَةِ حُكْمُ الأحْرارِ) متى مَلَك بجُزْئِه الحُرِّ مالًا (1) يُكَفِّرُ به، لم يَجُزْ له الصِّيامُ، وله التَّكْفِيرُ بأحَدِ الأُمُورِ الثلاثَةِ. وظاهِرُ كلامِ الشافعيِّ، أنَّ له التَّكْفِيرَ بالإطْعامِ والكُسْوَةِ دونَ الإعْتاقِ؛ لأنَّه لا يَثْبُتُ له الوَلاءُ. منهم من قال: لا يُجْزِئُه إلَّا الصيامُ؛ لأنَّه مَنْقُوصٌ بالرِّقِّ، أشْبَهَ القِنَّ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} (2). وهذا واجِدٌ، ولأنَّه (3) يَمْلِكُ مِلْكًا تامًّا، فأشْبَهَ الحُرَّ الكامِلَ، ولا نُسَلِّمُ أنَّه لا يَثْبُتُ له الوَلاءُ، ثم إنَّ امْتِناعَ بعضِ أحْكامِه، لا يَمْنَعُ صِحَّتَه، كعِتْقِ المُسْلِمِ رَقِيقَه الكافِرَ.
فصل: والكَفَّارَةُ في حَقِّ الحُرِّ والعَبْدِ، والمسلمِ والكافِرِ، سَواءٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالى ذَكَر الكَفَّارَةَ بلَفْظٍ عامٍّ في جميعِ المُخاطَبِين، فدَخَلَ الكُلُّ في عُمومِه، إلَّا أنَّ الكافِرَ لا يَصِحُّ منه التَّكْفِيرُ بالصِّيامِ؛ لأنَّه عِبادَةٌ، وليس
(1) في م: «ما» .
(2)
سورة المائدة 89.
(3)
بعده في الأصل: «لا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو من أهْلِها، ولا بالإِعْتاقِ؛ لأنَّ مِن شَرْطِه الإِيمانَ في الرَّقَبَةِ، ولا يجوزُ لكافِرٍ شِراءُ مسْلِمٍ، إلَّا أنْ يتَّفِقَ إسْلامُه (1) في يَدَيه، أو يَرِثَ مُسْلِمًا فيُعْتِقَه، فيَصِحُّ إعْتأقُه، وإن لم يَتَّفِقْ ذلك فتَكْفِيرُه بالإِطْعام أو الكُسْوَةِ، فإذا كَفَّرَ ثم أسْلَمَ، لم تَلْزَمْه إعادَةُ التَّكْفِيرِ. وإن أسْلَمَ قبلَ التَّكْفِيرِ، كَفَّرَ بما يَجِبُ عليه في تلك الحالِ؛ من إعْتاقٍ، أو إطْعامٍ، أو كُسْوَةٍ، أو صِيامٍ. ويَحْتَمِلُ على قولِ الْخِرَقِيِّ أن لا يُجْزِئَه الصِّيامُ؛ لأنَّه إنَّما يُكَفِّرُ بما وَجَب عليه حينَ الحِنْثِ، ولم يَكُنِ الصِّيامُ ممَّا وَجَب عليه.
فصل: إذا حَلَف رجلٌ باللهِ لا يَفْعَلُ شيئًا، فقال له آخَرُ: يَمِيني في يَمِينِكَ. لم يَلْزَمْه شيءٌ؛ لأنَّ يَمِينَ الأوَّلِ ليست ظَرْفًا ليَمِينِ الثاني. وإن نَوَى أنَّه يَلْزَمُنِي من اليَمِينِ ما يَلْزَمُكَ، لم يَلْزَمْه حُكْمُها. قاله القاضي. وهو مذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ اليَمِينَ باللهِ لا تَنْعَقِدُ بالكِنايَةِ؛ لأنَّ تعْلِيقَ الكَفَّارَةِ بها لحُرْمَةِ اللَّفْظِ باسمِ اللهِ المُحْتَرَمِ، أو صِفَةٍ من صِفاتِه، ولا يُوجَدُ ذلك في الكنايَةِ. فأمَّا إن حَلَف بطَلاقٍ، فقال آخَرُ: يَمِيني في يَمِينِكَ. يَنْوي أنَّه يَلْزَمُنِي من اليَمِينِ ما يَلْزَمُكَ، انْعَقَدَت يَمِينُه. نصَّ عليه أحمدُ، وسُئِلَ عن رجلٍ حَلَف بالطَّلاقِ لا يُكَلِّمُ رجلًا، فقال رجلٌ: وأنا على مثلِ يَمِينك؟ فقال: عليه مثلُ [ما قال](2) الذي حَلَف. لأنَّ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكِنايَةَ تَدْخُلُ في الطَّلاقِ، وكذلك يَمِينُ العَتاقِ. وإن لم يَنْو شيئًا، لم تَنْعَقِدْ يَمِينُه؛ لأنَّ الكِنايَةَ لا تَنْعَقِدُ (1) بغيرِ نِيَّةٍ، وليس قولُه هذا بصَرِيحٍ. وإن كان المَقولُ له لم يَحْلِفْ بعدُ، وإنَّما أرادَ أنَّه [يَلْزَمُه ما](2) يَلْزَمُ الآخرَ يَمِينًا يَحْلِفُ بها، فحَلَفَ المَقُولُ له (3) لم تَنْعَقِدْ يَمِينُ القائِلِ وإن كان في الطَّلاقِ والعَتاقِ؛ لأنَّه لا بدَّ أن يكونَ هناك ما يُكْنَى عنه، وليس ههُنا ما يُكْنَى عنه.
فصل: وإذا قال: حَلَفْتُ. ولم يَكُنْ حَلَف، فقال أحمدُ: هي كَذِبَةٌ، وليس عليه يَمِين. وعنه، عليه الكَفَّارَةُ؛ لأنَّه أقَرَّ على نَفْسِه. والأوَّلُ المذهبُ؛ لأنَّه حُكْمٌ فيما بينَه وبينَ اللهِ، فإنْ كَذَبَ في الخَبَرِ به، لم يَلْزَمْه حُكْمُه، كما لو قال: ما صَلَّيتُ. وقد صَلَّى. ولو قال: عليَّ يَمِينٌ. فهي كالتي قبلَها. وإن نَوَى القَسَمَ، فقال أبو الخَطَّاب: هي يَمِينٌ. وهو قولُ أصحابِ الرَّأْي. وقال الشافعيُّ: ليس بيَمِينٍ؛ لَأنَّه لم يَأْتِ باسمِ اللهِ المُعَظَّمِ، ولا صِفَتِه، فلمِ يَكُنْ يَمِينًا، كما لو قال: حَلَفْتُ. وهذا أصَحُّ، إن شاءَ اللهُ تعالى، فإن هذه ليست صِيغةَ اليَمِينِ والقَسَمِ، وإنَّما هي صِيِغةُ الخَبَرِ، فلا يكونُ بها حالِفًا، وإن قُدِّرَ ثُبوتُ حُكْمِها، لَزِمَه أقَلُّ ما تَناوَلَه الاسْمُ، وهو يَمِينٌ ما، وليست كلُّ يَمِينٍ
(1) في م: «تقبل» .
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُوجِبَةً للكَفَّارَةِ، فلا يَلْزَمُه شيءٌ. ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّه كِنايَةٌ عن اليَمِينِ، وقد نَوَى بها اليَمِينَ، فتكونُ يَمِينًا، كالصَّرِيحِ.
فصل: وثَبَت أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بإبْرارِ المُقْسِمِ أو القَسَمِ. رَواه البخاريُّ (1). وهذا، واللهُ أعْلَمُ، على سَبِيلِ النَّدْبِ، لا. على (2) سبيلِ الإِيجابِ، بدليلِ أنَّ أبا بكرٍ، رضي الله عنه، قال: أقْسَمْتُ عليكَ يا رسولَ اللهِ، لتُخْبِرَنِّي بما أصَبْتُ ممَّا (3) أخْطَأتُ. فقال النبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُقْسِمْ يَا أبَا بَكْرٍ» (4). ولم يُخْبِرْه. ويَحْتَمِلُ أن يَجِبَ إبْرارُه إذا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ، ويكونُ امْتِناعُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن إبْرارِ أبي بكرٍ لِمَا عَلِمَ مِن الضَّرَرِ فيه. وإن أجابَه إلى صورَةِ ما أقْسَمَ عليه دونَ مَعْناه، عندَ تَعَذُّرِ المعْنَى، فحَسَنٌ؛ فإنَّه رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ العباسَ جاءَه برجل لِيُبايِعَه على الهِجْرَةِ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ» . قال العباسُ: أقْسَمْتُ عليكَ يا رسولَ الله لِتُبَايِعَنَّه. فوَضَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَه في يَدِه، فقال:«أبرَرْتُ قَسَمَ عَمِّي، ولَا هِجْرَةَ» (5). فأجابَه إلى صُورَةِ المُبايَعَةِ، دونَ ما قَصَد بيَمِينه.
فصل: وتُسْتَحَبُّ إجابَةُ مَن سألَ (6) باللهِ؛ لِما روَى ابنُ عمرَ،
(1) تقدم تخريجه في 6/ 7.
(2)
زيادة من: ص.
(3)
في الأصل: «وبما» .
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 454.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 454.
(6)
في م: «حلف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأعِيذُوهُ، ومَنْ سَألَكُمْ باللهِ فَأعْطُوهُ، وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللهِ فأَجِيرُوهُ، ومَنْ أتَى إلَيكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أنْ قَدْ (1) كَافَأْتُمُوهُ» . وعن أبي ذَرٍّ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ يحِبُّهُمُ اللهُ، وثَلاثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللهُ؛ أمَّا الّذِين يُحِبُّهُمُ اللهُ؛ فرَجُلٌ سَأل قَوْمًا، فَسَألَهُم باللهِ، ولَمْ يَسْأَلهُمْ بِقَرَابَةٍ بَينَهُ وبَينَهُم، فتَخَلَّفَ رجُلٌ بأعْقَابِهِمْ، فأَعطَاهُ سِرًّا، لَا يَعْلَمُ بعَطِيَّتِهِ إلَّا اللهُ عز وجل والَّذِي أعْطَاهُ، وقَوْمٌ سَاروا لَيلَتَهُمْ حَتَّى إذَا كَانَ النَّوْمُ أحَبَّ إلَيهِمْ مِمَّا (2) يُعْدَلُ بِهِ، فَوَضَعُوا رُءُوسَهُمْ، فَقَامَ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي (3)، ورَجُل كَانَ في سَرِيَّةٍ، فَلَقُوا العَدُوَّ فهُزِمُوا، فأقْبَلَ بِصَدْرِه حَتَّى يُقْتَلَ أوْ يُفْتَحَ لَهُ، والثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمُ اللهُ؛ الشَّيخُ الزَّانِي، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ» . رَواهما النَّسَائِيُّ (4).
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «ما» .
(3)
في م: «كتابي» .
(4)
الأول في: باب من سأل الله عز وجل، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 61.
كما أخرجه أبو داود، في: باب عطية من سأل بالله عز وجل، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 389. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 68، 95، 96، 99، 127.
والثاني في: باب فضل صلاة الليل، من كتاب قيام الليل وتطوع النهار، وفي: باب ثواب من يعطى، من كتاب الزكاة. المجتبى 3/ 169، 5/ 63.
كما أخرجه الترمذي، في: باب حدثنا أبو كريب. . . .، من أبواب صفة الجنة. عارضة الأحوذي 10/ 40. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 153.
وإلى هنا ينتهي الجزء العاشر من نسخة مكتبة فيصل بن محمد آل سعود.