الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ سَبَقَتِ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيرِ قَصْدٍ إِلَيهَا، كَقَوْلِهِ: لَا وَاللهِ. وَبَلَى وَاللهِ. في عُرْضِ حَدِيثِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيهِ.
ــ
4696 - مسألة: (وَإِنْ سَبَقَتِ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيرِ قَصْدٍ إِلَيهَا، كَقَوْلِهِ: لَا وَاللهِ. وَبَلَى وَاللهِ. في عُرْضِ حَدِيثِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيهِ)
هذا قولُ أكثرِ أهْلِ العِلْمِ؛ لأنَّها من لَغْو اليَمِينِ. نَقَل عبدُ اللهِ، عن أبِيه، أنَّه قال: اللَّغْوُ عندِي أن يَحْلِفَ على اليَمِينِ، يَرَى أنَّها كذلك، والرجلُ يَحْلِفُ فلا يَعْقِدُ قَلْبَه على شيءٍ. وممَّن قال: إنَّ اللَّغْوَ اليَمِينُ التي لا يَعْقِدُ عليها قَلْبَه؛ عمرُ، وعائشةُ، رضي الله عنهما. وبه قال عَطاءٌ، والقاسِمُ، وعِكْرِمَةُ، والشَّعْبِيُّ، والشافعيُّ؛ لِما رُوِيَ عن عَطاءٍ، قال: قالت عائشةُ: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال، يَعْنِي في اللَّغْو في اليَمِينِ:«هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ في بَيتِه: لَا واللهِ. و: بَلَى واللهِ» . أخرَجَه أبو داودَ (1). قال: ورَواه الزُّهْرِيُّ، وعبدُ الملكِ (2) بنُ أبي سُلَيمانَ، ومالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عن عَطاءٍ، عن عائشةَ مَؤقُوفًا. وروَى الزُّهْرِيُّ، أنَّ عُروَةَ
(1) في: باب لغو اليمين، من كتاب الأيمان والنذور. سن أبي داود 2/ 200.
(2)
في م: «عبد الله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حَدَّثَه أنَّ (1) عائشةَ، قالت: أيمانُ (2) اللَّغْو، ما كان في المِرَاءِ، والهَزْلِ، والْمُزَاحَةِ، والحديثِ الَّذي لا يُعْقَدُ عليه القَلْبُ، وأيمانُ الكَفَّارَةِ كلُّ يَمِينٍ حَلَف عليها على وَجْهٍ من الأمْرِ، في غَضَبٍ أو غيرِه، ليَفْعَلَنَّ، أو ليَتْرُكَنَّ، فذاك عَقْدُ الأيمانِ التي فَرَض اللهُ عز وجل فيها الكَفَّارَةَ (3). ولأنَّ اللَّغْوَ في كلامِ العَرَبِ غيرُ المَعْقُودِ عليه، وهذا كذلك. وممَّن قال: لا كَفَّارَةَ في هذا؛ ابنُ عباسٍ، وأبو هُرَيرَةَ، وأبو مالكٍ، وزُرَارَةُ (4) بنُ أوْفَى، والحَسَنُ، والنَّخَعِيُّ، وممالكٌ. وهو قولُ مَن قال: إنَّه مِن لَغْو اليَمِينِ. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا. ووَجْهُ ذلك قولُ اللهِ تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْو فِي أَيمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (5). فجَعَلَ الكفَّارَةَ لليَمِينِ
(1) في م: «عن» .
(2)
في م: «إنما» .
(3)
أخرجه البيهقي، في: باب لغو اليمين، من كتاب الأيمان. السنن الكبرى 10/ 49. وأخرج عبد الرزاق نحوه، في: باب اللغو وما هو؟ من كتاب الأيمان والنذور. المصنف 8/ 474.
(4)
في الأصل: «ورواه» .
(5)
سورة المائدة 89.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التي يُؤْاخَذُ بها، ونَفَى المُؤاخَذَةَ باللَّغْو، فيَلْزَمُ انْتِفاءُ الكفَّارَةِ، ولأنَّ المُؤاخَذَةَ يَحْتَمِلُ أن يكونَ مَعْناها إيجابَ الكَفَّارَةِ، بدليلِ أنَّها تَجِبُ في الأيمانِ التي لا مَأْثَمَ (1) فيها، وإذا كانتِ المُؤاخَذَةُ إيجابَ الكَفَّارَةِ، فقد نَفَاها في اللَّغْو، فلا تَجِبُ، ولأنَّه قولُ مَن سَمَّينا مِن الصحابةِ، ولم نَعْرِفْ لهم مُخالِفًا في عَصْرِهم، فكان إجْماعًا، ولأنَّ قولَ عائشةَ في تفسيرِ اللَّغْو، وبَيانِ الأيمانِ التي فيها الكَفَّارَةُ، خَرَج منها تفسيرًا لكلامِ اللهِ تعالى،
(1) في م: «يأثم» .
فَصْلٌ: الثَّالِثُ، الْحِنْثُ في يَمِينهِ، بَأَنْ يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ يَتْرُكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ، مُخْتَارًا ذَاكِرًا، وَإِنْ فَعَلَهُ
ــ
وتَفْسِيرُ الصَّحابِيِّ مَقبولٌ.
فصل: الشَّرطُ (فَصْلٌ: الثَّالِثُ، الْحِنْثُ في يَمِينهِ، بَأَنْ يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ يَتْرُكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ، مُخْتَارًا ذَاكِرًا، وَإِنْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا أو
مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيهِ. وَعَنْهُ، عَلَى النَّاسِي كَفَّارَة.
ــ
ناسِيًا، فلا كَفَّارَةَ عليه. وعنه، على النَّاسِي كَفَّارَةٌ) إذا حَلَف لا يَفْعَلُ شيئًا، فَفَعَلَه ناسِيًا، فلا كَفَّارَةَ عليه. نَقَلَه عن أحمدَ الجماعَةُ، إذا كان في غيرِ الطَّلاقِ والعَتاقِ. وهذا ظاهِرُ المذهبِ. اخْتارَه الخَلَّالُ وصاحِبُه. فأمَّا الطَّلاقُ والعَتاقُ، فإنَّه يَحْنَثُ فيهما، في ظاهرِ المذهبِ. وعنه، لا يَحْنَثُ في الطَّلاقِ والعتَاقِ أيضًا. وهو قولُ عَطاءٍ، وعَمْرِو بنِ دِينارٍ، وإسْحَاقَ. وهو ظاهِرُ مذهبِ الشافِعِيِّ؛ لقولِه تعالى. {لَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (1). وقال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللهَ تَجاوَز لأُمَّتِي (2) عَنَ الخَطَأْ، والنِّسْيانِ، ومَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ» (3). ولأنَّه غيرُ قاصِدٍ للمُخالفَةِ، فلم يَحْنَثْ، كالنَّائِم والمجْنُونِ. ولأنَّه أحَدُ طَرَفَيِ اليَمِينِ، فاعْتُبِرَ فيه القَصْدُ، كحالةِ الابتِداءِ (4) بها. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أُخرَى، أنَّه يَحْنَثُ، وتَلْزَمُه الكَفَّارَةُ في اليَمِينِ المُكَفَّرَةِ. وهو قولُ سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، ومُجاهِدٍ، والزُّهْرِيِّ،
(1) سورة الأحزاب 5.
(2)
سقط من: م.
(3)
تقدم تخريجه في 1/ 276.
(4)
في م: «الانتهاء» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقَتادَةَ، ورَبِيعَةَ، ومالكٍ، وأصْحابِ الرَّأْي، والقولُ الثاني للشافِعِيِّ، لأنَّه خالفَ ما حَلَف عليه قاصِدًا لفِعْلِه، فلَزِمَه الحِنْثُ، كالذَّاكِرِ، وكما لو كانتِ اليَمِينُ بالطَّلاقِ والعَتاقِ. ولَنا، على (1) أنَّ الكَفَّارَةَ لا تَجِبُ في اليَمِينِ المُكَفَّرَةِ، ما تَقَدَّمَ من الآيةِ والخَبَرِ، ولأنَّها تَجِبُ لمَحْو الإثْمِ، ولا إثْمَ على النَّاسِي. وأمَّا الطَّلاقُ والعَتاقُ، فهو مُعَلَّقٌ بشَرْطٍ، فيَقَعُ بوُجودِ شَرْطِه من غيرِ قَصْدٍ، كما لو قال: أنْتِ طالِقٌ، إنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أو قَدِمَ الحاجُّ.
فصل: فإن فَعَلَه غيرَ عالمٍ بالمَحْلُوفِ عليه، كرجلٍ لا يُكَلِّمُ فُلانًا، فسَلَّمَ عليه يَحْسَبُه أجْنَبِيًّا، أو حَلَف لا يُفارِقُه حتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّه، فأعْطاه، ففارَقَه ظَنًّا منه أنَّه قد بَرَّ (2)، فوَجَدَه مَعِيبًا أو رَدِيئًا، أو حَلَفَ: لا بِعْتُ لزيدٍ ثَوْبًا. فوَكَّلَ زيدٌ مَنْ يَدْفَعُه إلى مَن يَبِيعُه، فدَفَعَه إلى الحالِفِ، فباعَه مِن غيرِ عِلْمِه، فهو كالنَّاسِي، لأنَّه غيرُ قاصِدٍ للمُخالفةِ، أَشْبَهَ النَّاسِيَ.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «برأ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والمُكْرهُ على الفِعْلِ يَنْقَسِمُ قِسمَين؛ أحدُهما، أن يُلْجَأَ إليه، مثلَ مَن حَلَف لا يَدْخُل دارًا، فحُمِلَ فأُدْخِلَها. أو لا يَخْرُجُ منها، فأُخْرِجَ مَحْمُولًا، ولم يُمْكِنْه الامْتِناعُ، فلا يَحْنَثُ في قولِ الأكْثَرِين. وبه قال أصحابُ الرَّأْي. وقال مالكٌ: إن دَخَل مَرْبُوطًا، لم يَحْنَث. وذلك لأنَّه لم يَفْعَلِ الدُّخولَ والخُروجَ، فلم يَحْنَث، كما لو لم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُوجَدْ ذلك. الثاني، أن يُكْرَهَ بالضَّرْبِ والتَّهْدِيدِ بالقَتْلِ ونحوه، فقال أبو الخَطَّابِ: فيه رِوايتان، كالنَّاسِي. وللشافعيِّ قَوْلان. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: يَحْنَثُ، لأنَّ الكَفَّارَةَ لا تَسْقُطُ بالشُّبْهَةِ، فوَجَبَت مع الإِكْراهِ والنِّسْيانِ، ككَفَّارَةِ الصَّيدِ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«عُفِيَ لأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأ، والنِّسْيانِ، ومَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ» . ولأنَّه نَوْعُ إكْراهٍ، فلم يَحْنَثْ به، كما لو حُمِلَ ولم يُمْكِنْه الامْتِناعُ، لأنَّ الفِعْلَ لا يُنْسَبُ إليه، فأشْبَهَ مَن لم يَفْعَلْه، ولا نُسَلِّمُ الكَفَّارَةَ في الصَّيدِ، بل إنَّما تَجِبُ على المُكْرِهِ.