الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ، قُتِلَ حَتْمًا، وَصُلِبَ حَتَّى يُشْتَهَرَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلْبِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ.
ــ
فهم مُنْتَهِبونَ، لا قَطْعَ عليهم. وكذلك إن خَرَج الواحِدُ والاثنان على آخِرِ قَافلةٍ، فاسْتَلَبُوِا منها شيئًا، فليسوا بمُحارِبينَ؛ لأنَّهم لا يَرْجِعُون إلى مَنَعَةٍ وقُوَّةٍ، وإن خرَجُوا على عددٍ يَسِيرٍ فقَهَرُوهُم (1)، فهم قُطَّاعُ طريقٍ.
4536 - مسألة: (فإذا قُدِرَ عليهم، فمَن كان منهمْ قد قتَل مَن يُكافِئُه وأخذَ المالَ، قُتِلَ حَتْمًا، وصُلِبَ حَتى يُشْتَهَرَ. وقال أبو بَكرٍ: يُصْلَبُ قَدْرَ ما يَقَعُ عليه اسمُ الصَّلْبِ. وعن أحمدَ، أنَّه يُقْطَعُ مع ذلك)
وجملةُ ذلك، أنَّ المُحارِبَ إذا قَتَل مَن يُكافِئُه، وأخَذَ المالَ، قتِلَ حَتْمًا، وصُلِبَ حتى يُشْتَهَرَ. رُوِى نحوُ هذا عن ابنِ عباسٍ (2). وبه قال قَتادَةُ،
(1) في الأصل: «فهزموهم» .
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب المحاربة، من كتاب العقول. المصنف 10/ 109. والبيهقى، في: باب قطاع الطريق، من كتاب السرقة. السنن الكبرى 8/ 283.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأبو مِجْلَزٍ، وحَمَّاد، واللَّيْثُ، والشافعىُّ. وعن أحمدَ، أنَّه [إذا قَتَل وأخذ المالَ، قُتِلَ وقُطِعَ](1)؛ لأَنَّ كلَّ واحدَةٍ مِن الجِنايَتَيْن تُوجِبُ حَدًّا مُنْفَرِدًا، فإذا اجْتَمَعَا، وَجب حَدُّهما معًا، كما لو زَنَى، وسَرَق (2). وذَهَبَتْ طائفةٌ إلى أنَّ الإِمامَ مُخَيَّر فيهم بينَ القتلِ والصَّلْبِ، والقَطْعِ والنَّفْىِ؛ لأَنَّ «أو» تَقْتَضِى التَّخْيِيرَ، كقولِه تعالى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (3). وهذا قولُ سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، ومُجاهدٍ، وعَطاءٍ، والحسنِ، والضَّحَّاكِ، والنَّخَعِىِّ، وأبى الزِّنَادِ، وأبى ثَوْرٍ، وداودَ. ورُوِىَ عن ابنِ عباس: ما كان في القرآنِ «أوْ» فصاحِبُه بالخِيارِ (4). وقال أصحابُ الرِّأىِ: إن قَتَل قُتِلَ، وإن أخَذَ المالَ قُطِعَ، وإن قَتَل وأخَذَ المالَ، فالإمامُ مُخيَّرٌ بينَ قَتْلِه وصَلْبِه، وبينَ قَتْلِه وقَطْعِه، وبينَ أن يَجْمَعَ له
(1) في الأصل: «يقطع مع القتل والصلب» .
(2)
في الأصل: «وشرب» .
(3)
سورة المائدة 89.
(4)
أخرجه البيهقى، في: السنن الكبرى 10/ 60.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك كلَّه؛ لأنَّه قد وُجِدَ منه ما يُوجِبُ القَتْلَ والقَطْعَ، فكان للإِمامِ فِعْلُهما، كما لو قَتَل وقَطَع في غيرِ قَطْعِ طريقٍ. وقال مالكٌ: إذا قَطَع الطَّرِيقَ، فرَآه الإِمامُ جَلْدًا ذا رَأْىٍ، قَتَلَه، وإن كان جَلْدًا لا رَأْىَ له، قَطَعَه، ولم يَعْتَبِرْ فِعْلَه. ولَنا، على أنَّه لا يُقْتَلُ إذا لم يَقْتُلْ، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِم إلَّا بإحْدَى ثَلَاثٍ، كُفْر بَعْدَ إِيمَانٍ، أَوْ زِنى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتْلِ نَفْس بغَيْرِ حَق» (1). فأمَّا «أو» فقد قال ابنُ عباسٍ مثلَ قَوْلِنا، فإمَّا أن يكونَ تَوْقِيفًا، أو لغةً، وأيُّهما كان، فهو حُجَّةٌ، يَدُلُّ عليه أنَّه بَدَأَ بالأغْلَظِ فالأغْلَظِ، وعُرِفَ من (2) القرآنِ فيما (3) أُرِيدَ به التَّخْييرُ البداءَةُ بالأَخَفِّ، ككَفَارَةِ اليَمِينِ، وما أُرِيدَ به التَّرْتِيبُ بَدَأ بالأَغْلَظِ، ككَفَّارَةِ الظِّهارِ والقَتْلِ، ويَدُلُّ عليه أيضًا، أنَّ العُقُوباتِ تخْتَلِفُ باخْتِلافِ الإِجْرامِ، ولذلك اخْتَلَفَ حُكْمُ الزَّانِى والقَاذِفِ
(1) تقدم تخريجه في: 3/ 31.
(2)
سقط من: م.
(3)
في الأصل: «إذا ما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والسَّارِقِ، وقد سَوَّوْا بينَهم ههُنا مع اخْتِلافِ جِناياتِهم، وهذا يَرُدُّ على مالكٍ، فإنَّه إنَّما اعْتَبَرَ الجَلْدَ والرَّأْىَ (1) دُونَ الجِناياتِ، وهو مُخالِفٌ للأُصُولِ التى ذَكَرْناها. وأمَّا قولُ أبى حنيفةَ، فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ القَتْلَ لو وَجَب لحَقِّ اللَّهِ تعالى، لم يُخَيرِ الإِمامُ فيه، كقَطْعِ السَّارِقِ، وكما لو انْفَرَدَ بأخْذِ المالِ، ولأَنَّ حُدودَ اللَّهِ تعالى إذا كَان فيها قَتْل، سَقَط سائِرُها، كما لو سرَق وزَنَى وهو مُحْصَنٌ. وقد رُوِى عن ابنِ عباسٍ، قال: وادَعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أبا بَرْزَةَ الأسْلَمِىَّ (2)، فجاءَ ناسٌ يُريدونَ الإِسْلامَ، فقَطَعَ عليهم أصحابُه، فنَزَلَ جبريلُ عليه السلام بالحدِّ فيهم، أنَّ مَن قَتَل وأخَذَ المالَ قُتِلَ وصُلِبَ، ومَن قَتَل ولم يأْخُذِ المالَ، قُتِلَ، ومن أخذَ المالَ ولم يَقْتُلْ، قُطِعَتْ يدُه ورِجْلُه من خلافٍ. وقيل: إنَّه رَواه أبو داودَ (3). وهذا كالمُسْنَدِ، وهو نَصٌّ. إذا ثَبَت هذا فإنَّ قاطِعَ الطريق لا
(1) في الأصل: «والزانى» . تحريف.
(2)
أبو برزة: هو نضلة بن عبيد.
(3)
أخرج نحوه الطبرى في تفسيره 6/ 216، من حديث أنس. وانظر الإرواء 8/ 94.