الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ، وَمَيتَةً، أَوْ صَيدًا، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَال أَصْحَابُنَا: يَأْكُلُ الْمَيتَةَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحِلَّ لَهُ الطَّعَامُ وَالصَّيدُ، إِذَا لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ الْمَيتَةَ.
ــ
4618 - مسألة: (فإن وَجَد طعامًا لا يَعْرِفُ مالِكَه، ومَيتَةً، أو صَيدًا، وهو مُحْرِمٌ، فقال أصْحابُنا: يَأكلُ المَيتَةَ. ويَحْتَمِلُ أن يَحِلَّ له الطعامُ والصَّيدُ إذا لم تَقْبَلْ نفْسُه المَيتَةَ)
وكقولِ أصْحابِنا قال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وزيدُ بنُ أسْلَمَ. وقال مالِكٌ: إن كانوا يُصَدِّقونَه أنَّه مُضْطَرٌ، أكلَ مِن الزَّرْعِ والثَّمَرَةِ، وشَرِب اللَّبَنَ، وإن خافَ أن تُقْطَعَ يَدُه، أو لا يُقْبَلَ منه، أكلَ المَيتَةَ. ولأصْحابِ الشافعيِّ وَجْهان؛ أحدُهما، يأكلُ الطَّعامَ. وهو قولُ عبدِ الله بنِ دينارٍ (1)؛ لأنَّه قادِرٌ على
(1) عبد الله بن دينار العدوي العمري أبو عبد الرحمن مولاهم المدني، الإمام المحدث الحجة، سمع ابن عمر وأنسًا، روى عنه شعبة ومالك.، توفي سنة سبع وعشرين ومائة. سير أعلام النبلاء 5/ 253 - 255.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الطَّعام الحَلالِ، فلم يَجُزْ له أكلُ المَيتَةِ، كما لو بَذَلَه له صاحِبُه. ولَنا، أنَّ أكلَ المَيتَةِ مَنْصوصٌ عليه، ومال الآدَمِيِّ مُجْتَهَدٌ فيه، فكان العُدولُ إلى المَنْصُوصِ عليه أَوْلَى، ولأنَّ حُقوقَ اللهِ تعالى مَبْنِيَّة على المُسامَحَةِ والمُساهَلَةِ، وحَقَّ الآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ على الشُّحِّ والضِّيقِ، ولأنَّ حَقَّ الآدَمِيِّ تَلْزَمُه غَرامَتُه، وحَقَّ الله تعالى لا عِوَضَ له. ويَحْتَمِلُ أن يَحِلَّ له أكلُ الطَّعامِ والصَّيدِ إذا لم تَقْبَلْ نفْسُه المَيتَةَ؛ لأنَّه قادِرٌ على الطَّعامِ الحلالِ، فأشْبَهَ ما لو بذَلَه له صاحِبُه.
فصل: إذا وَجَد المُضْطَرُّ مَن يُطْعِمُه ويَسْقِيه، لم يَحِلَّ له الامْتِناعُ مِن الأكلِ والشُّرْبِ، ولا العُدولُ إلى المَيتَةِ، إلَّا أن يَخافَ أن يَسُمَّه فيه، أو يكونَ الطَّعامُ الذي يُطْعِمُه ممّا يَضُرُّه، ويخافُ أن يُهْلِكَه أو يُمْرِضَه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن وَجَد طعامًا مع صاحِبِه (1)، وامْتَنَع مِن بَذْلِه، أو بَيعِه منه، ووَجَد ثَمَنَه، لم يَجُزْ له مُكابَرَتُه عليه وأخْذُه منه، وعدَلَ إلى المَيتَةِ، سواءٌ كان قَويًّا لا يخافُ مِن مُكابَرَتِه التَّلَفَ أو لم يَخَفْ. فإن بذَلَه بثَمَنِ مِثْلِه، وقَدَر على الثَّمَنِ، لم يَحِلَّ له أكلُ المَيتَةِ؛ لأنَّه قادِرٌ على طعامٍ حلالٍ. وإن بذَلَه بزِيادَةٍ على ثَمَنِ المِثْلِ، لا تُجْحِفُ بمالِه، لَزِمَه شِراؤُه أيضًا؛ لِما ذكَرْناه، وإن كان عاجِزًا عن الثَّمَنِ، فهو في حُكْمِ العادِمِ، وإنِ امْتَنَعَ مِن بذْلِه إلَّا بأكْثَرَ مِن ثَمَنِ مِثْلِه، فاشْتَراهُ المُضْصطَرُّ بذلك، لم يَلْزَمْه أكثَرُ مِن ثَمَنِ مِثْلِه؛ لأنَّ الزِّيادَةَ أُحْوجَ إلى بَذْلِها بغيرِ حَقٍّ، فلم يَلْزَمْه، كالمُكْرَهِ.
فصل: وإن وَجَد المُحْرِمُ مَيتَةً وصَيدًا، أكلَ المَيتَةَ. وبه قال الحسنُ، ومالِكٌ، وأبو حنيفةَ وأصْحابُه. وقال الشافعيُّ في أحَدِ قوْلَيه: يأكلُ الصَّيدَ، ويفْدِيه. وهو قولُ الشَّعْبِيِّ؛ لأنَّ الضَّرورَةَ تُبِيحُه، ومع القُدْرَةِ
(1) في م: «مالكه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه لا تَحِلُّ المَيتَةُ؛ لغِنَاهُ عنها. قال شيخُنا: (ويَحْتَمِلُ أن يَحِلَّ له أكلُ الصَّيدِ، إذا لم تَقْبَلْ نفْسُه المَيتَةَ) ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّ إباحَةَ المَيتَةِ منْصُوصٌ عليها، وإباحَةَ الصَّيدِ مُجْتَهَدٌ فيها، وتَقْدِيمُ المَنْصُوصِ عليه أَوْلَى. فإن لم يَجِدْ مَيتَةً، ذَبَح الصَّيدَ وأكَلَه. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه مُضْطَرٌّ إليه عَينًا. وقد قيلَ: إنَّ في الصَّيدِ تحْريماتٍ ثلاثًا؛ تحْرِيمَ قَتْلِه، وتحْريمَ أكلِه، وتحْريمَ المَيتَةِ؛ لأنَّ ما ذَبَحَه المُحْرِمُ مِن الصَّيدِ يكونُ مَيتَةً، فقد ساوَى المَيتَةَ في هذا، وفَضَلَ عنها (1) بتَحْريمِ القَتْلِ والأكلِ. لكن يُقال على هذا: إنَّ الشّارِعَ إذا أباحَ له أكلَه، لم يَصِرْ مَيتَةً، ولهذا لو لم يَجِدِ المَيتَةَ فذَبَحَه، كان ذَكِيًّا طاهِرًا، وليس بنَجِسٍ ولا مَيتَةٍ، ولهذا يَتَعَيَّنُ عليه ذَبْحُه في مَحَلِّ الذَّبْحِ، وتُعْتَبَرُ شُروطُ الذَّكاةِ فيه، ولا يجوز قَتْلُه، ولو كان مَيتَةً، لم يتعَيَّنْ ذلك عليه.
فصل: إذا ذَبَح المحْرِمُ الصَّيدَ عندَ الضَّرورَةِ، جازَ له أن يَشْبَعَ منه؛ لأنَّه لَحْمٌ ذَكِيٌّ، ولا حَقَّ فيه لآدَمِيٍّ سِوَاهُ، فأُبِيحَ له الشِّبَعُ منه، كما لو ذَبَحَه حَلالٌ لا مِن أجْلِه.
(1) في م: «هذا» .