الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ قَتَلَ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ، فَهَلْ يُقْتَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
يَخْلُو من أحوالٍ خمسٍ؛ الأُولى، إذا قَتَل وأخَذَ المالَ، فإنَّه يُقْتَلُ ويُصْلَبُ في ظاهرِ المذهبِ، وقَتْلُه مُتَحَتِّمٌ لا يَدْخُلُه عَفْو. أجْمَعَ على هذا كلُّ أهلِ العلمِ. حكاه ابنُ المُنْذِرِ (1). ورُوِىَ ذلك عن عمرَ (2). وبه قال سليمانُ ابنُ موسى، والزُّهْرِىُّ، ومالك، وأصحابُ الرَّأْى. ولأنَّه حَدٌّ من حدودِ اللَّهِ فلم يَسْقُطْ بالعَفْوِ، كسائرِ الحدودِ.
4537 - مسألة: (وإن قَتَلَ مَن لا يكافِئُه، فهل يُقْتَلُ؟ على رِوايَتَيْن)
إحداهما، لا تُعْتَبَرُ المكافَأَةُ (3)، بل يُؤْخَذُ الحُرُّ بالعبدِ، والمسلمُ بالذِّمِّىِّ، والأبُ بالابنِ؛ لأَنَّ هذا القَتْلَ حَد (4) للَّهِ تعالى، فلا تُعْتَبَرُ فيه المُكافأةُ، كالزِّنى والسَّرِقَةِ. والثانيةُ تُعْتَبَرُ المُكافأةُ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بكَافِرٍ» (5). والحَدُّ فيه انْحتامُه، بدليل أنَّه لو تاب (6)
(1) في الإشراف 2/ 322.
(2)
في م: «ابن عمر» .
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «حق» .
(5)
تقدم تخريجه في 25/ 100.
(6)
في م: «مات» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قبلَ القُدْرَةِ عليه، سَقَطَ عنه الانحِتَامُ، ولم يَسْقُطِ القِصاصُ. فعلى هذه الرِّوايةِ، إذا قَتَل المسلمُ ذِمِّيًّا، أو (1) الحُرُّ عبدًا، وأخَذَ مالَه، قُطِعَتْ يَدُه ورِجْلُه [مِن خِلافٍ](2)؛ لأخْذِه المالَ، وغَرِمَ ديَةَ الذِّمِّىِّ وقِيمَةَ العبدِ، وإن قَتَلَه ولم يَأْخُذْ مالًا غَرِمَ دِيَتَه ونُفِىَ. وذَكَر القَاضى أنَّه إنَّما يَتَحَتَّمُ قَتْلُه إذا قَتَلَه ليَأْخُذَ المالَ، وإن قَتَلَه لغيرِ ذلك، مثلَ أن يَقْصِدَ قَتْلَه لعَداوَةٍ بينَهما، فالواجِبُ قِصاصٌ غيرُ مُتَحَتِّم. وإذا قَتَلَ صُلِبَ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{أَوْ يُصَلَّبُوا} . والكَلامُ فيه في ثلاثةِ أُمورٍ؛ أحدُها، في وَقْتِه، وهو بعدَ القتلِ. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال الأوْزاعِىُّ، ومالك، واللَّيْثُ، وأبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ: يُصْلَبُ حَيًا ثم يُقْتَلُ مَصْلُوبًا، يُطْعَنُ بالحَرْبَةِ؛ لأَنَّ الصَّلْبَ عُقوبَةٌ، وإنَّما يُعاقَبُ الحَىُّ لا المَيِّتُ، ولأنَّه جَزاءٌ على المُحارَبَةِ فيُشْرَعُ في الحَياةِ كسائرِ الأجْزِيَةِ، ولأَنَّ الصَّلْبَ بعدَ قتلِه يَمْنَعُ دَفنَه وتَكْفِينَه (3)، فلا يجوزُ. ولَنا، أنَّ اللَّهَ تعالى قَدَّمَ القتلَ على الصلبِ لَفْظًا، والتَّرْتِيبُ بينَهما ثابت بغيرِ خِلافٍ، فيَجبُ تَقْدِيمُ الأَوَّلِ في اللَّفْظِ، كقولِه تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (4). ولأنَّ القتلَ إذا أُطْلِقَ
(1) في م: «و» .
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سورة البقرة 158.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على لسانِ الشَّرْعِ، كان قَتْلًا بالسيفِ. ولهذا قال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَان عَلَى كُلِّ شَئٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ» (1). وأحْسَنُ القتلِ هو القتلُ بالسيفِ. وفى صَلْبِه حَيًّا تَعْذِيبٌ له، وقد نَهَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن تعذيبِ الحَيَوانِ. وقولُهم: إنَّه جَزاءٌ على المُحارَبَةِ. قُلْنا: لو شُرِعَ لِردْعِه، لسَقَطَ بقتلِه، كما تَسْقُطُ سائرُ الحدودِ مع القتلِ، وإنَّما شُرِعَ الصَّلْبُ رَدْعًا لغيرِه، ليَشْتَهِرَ أمْرُه، وهذا يَحْصُلُ بصلبِه بعدَ قتلِه. وقولُهم: يَمْنَعُ تَكْفِينَه ودَفْنَه. قُلْنا: هذا لازِمٌ لهم (2)؛ لأنَّهم يَتْرُكُونَه بعدَ قتلِه مَصْلُوبًا. الثانى، في قَدْرِه، ولا تَوْقِيتَ فيه إلَّا قَدْرَ ما يَشْتَهِرُ أمْرُه. هكذا ذَكَرَه الخِرَقِىُّ. وقال أبو بكرٍ: يُصْلَبُ قَدْرَ ما يَقَعُ عليه اسمُ الصَّلْبِ؛ لأَنَّ أحمدَ لم يُوقِّتْ في الصَّلبِ شيئًا. والصَّحيحُ تَوْقيتُه بما ذَكَرَه الخِرَقِىُّ من الشُّهْرَةٍ؛ لأَنَّ المقصودَ يَحْصُلُ به. وقال الشافعىُّ، وأبو حنيفة: يُصْلَبُ ثلاثًا. وهذا تَوْقِيتٌ بغيرِ توْقِيفٍ، فلا يجوزُ، مع أنَّه في الظاهرِ يُفْضى إلى تَغَيُّرِه، ونَتَنِه (3)، وأذى المسلمين برائِحَتِه ونَظَرِه، ويَمْنَعُ تَغْسِيلَه وتَكْفِينَه ودَفْنَه، فلا يجوزُ بغيرِ (4) دليلٍ.
(1) تقدم تخريجه في 10/ 170.
(2)
في الأصل: «بهم» .
(3)
في الأصل: «بيته» .
(4)
سقط من: الأصل.