الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعتراضات
وهي: إما منع أو معارضة، وإلا: لم تسمع.
(أ) الاستفسار:
وهو: (طلب الشرح اللفظ)، لا جمال أو غرابة، دون عدم فهمه، مع ظهوره. ولذا قيل:(كل ما فيه الاستبهام صح عنه الاستفهام). وهو متجه، خلافا لبعض الجدليين، لأن التصديق فرع التصور، لتقدمه بالرتبة، قدم على غيره من الأسئلة وضعا. وصيغة:(ما) وما يجري مجراها في السؤال عن التصور. لا يقال: اللفظ غ، لم يكن فيه إجمال، فالاستفسار باطل، وإن كان فيجب إزالته في المستدل، إذ التمسك بالمجمل غير جائز، ونحوه في الغريب لأن الأصل عدم الإجمال.
فله أن يقول عليه ما لم يبينه المعترض. ولذا للمستدل دفع هذا السؤالن فإنه يقتضي تحقق الإجمال، والأصل عدمه، فلو بينه المعترض بصحته على متعدد، وإن لم يبين التساوي لعسره، أو لأن الأصل عدم الترجيح.
فعلى المستدل - إذ ذاك - بيان عدمه، بأن يقول: أحدهما راجح لكونه حقيقة، أو لغلبته في الاستعمال عرفا أو شرعا، أو بيان مراده منهما.
ولا يكفي في ذلك أن يقول: يجب اعتقاد رجحان أحدهما دفعا للإجمال، لأنه لا يعين المراد، ولو عين فكذلك، لأنه معارض بمثله في الآخر.
ولو قال: يجب ظهوره فيما يصدقه، لأنه غير ظاهر في الآخر وفاقا، وإلا: لزم الإجمال - كفى، وتفسيره بما لا يحتمله لغة لا يقبل. وفي صورة الغرابة: دفعه ببيان المراد، أو بمنع غرابته لكونه مشهورا وكذا بما ذكر أخيرا في الإجمال.
(ب) منع إثبات المدعي بالقياس:
وهذا السؤال إذا توجه فلا دافع له، وتعين انقطاعه. وهو على أنحاء:
(أ) أن لا يكون للقياس فيه مدخل، قطعيا كان أو ظنيا، ككون التسمية آية من الفاتحة.
والمراد من هذا القياس: (قياس المعنى)، أما (قياس الدلالة) فلا يمتنع، لكن (لا) يفيد القطع. وهو كاستدلالنا: بكونها مكتوبة في أوائل القرآن بخط المصحف، من غير نكير، مع
نكيرهم على من يكتب من غيره فيه، وقوة الشبهة فيها منعت من القطع، والتكفير من الجانبين.
(ب) أن يكون الحكم مما يراد فيه القطع، والقياس لا يفيده، كما يقال: الفعل لا لغرض، أو لغرض الإيلام قبيح في الشاهد، فكذا في الغائب، بجامع كون الفاعل مختارا، فيلزم أن لا يكون الله تعالى فاعلا للكفر والمعاصي، فهذا وأمثاله من الكلامية يراد فيها القطع.
(ج) أن يكون المثبت بالقياس قاعدة من قواعد أصول الفقه، كحجية خبر الواحد قياسا على قبول الفتوى والشهادات.
فإن طلب فيها القطع كما هو مذهب الأقدمين: فالقياس بالط، أو الظن - كمذهب البصري - فلا.
(د) ما طريقة الخلقة والعادة، كإثبات الحيض للحامل قياسا على الحايل، بجامع جواز الاستحاضة عليهما، وقد سبق أنه لا يجري فيها القياس، لأن أسبابها غير معلومة، ولا مظنونة، فيتعدد فيها القياس. وبالجملة: كل ما يمتنع فيه القياس وفاقا، أو عند المستدل، لا يجري فيه القياس، إلا: إذا قصد الإلزام، وإن امتنع عند الخصم، فلا يمتنع، فإنه إذا منعه فله أن يستدل عليه كغيره من المخلفات.
(ج) فساد الاعتبار:
وهو: بمخالفة القياس - أو حد مقدماته - للنص أو الإجماع أو كان الحكم يمتنع إثباته به كما تقدم. أو بفساد التركيب: بأن يكون مشعرا بنقيض الحكم، ويخص هذا بفساد الوضع.
وإلحاق الفرع بالأصل: الفرق بينهما ظاهر، ليس منه على الأصح، لأن سؤال الفرق (سؤال) يقدح في أحد مقدماته، وما نحن فيه ليس كذلك، فإنه لا يعتبر بعد صحة مقدماته.
وهو يحتمل التقديم على سؤال المنوعات، لأن فساد اعتباره أغنى من منع مقدماته، ويحتمل التأخير عنها، لأن المستدل مطالب، بتصحيح مقدمات ما ادعاه فإذا قام به، فبعد ذلك ينظر إن أمكن إثباته به أثبت، وإلا: رد.
وجوابه:
بالطعن في تلك النصوص، أو بمنع ظهور دلالة ما يلزم منه فساد اعتبار القياس، أو القول بالموجب، أو معارضته بنص آخر، أو إن تبين أن القياس في قوة النص، كمفهوم الموافقة، ولهذا
جاز النسخ به كالنص، فيصار إلى الترجيح.
(د) فساد الوضع:
صحة وضع القياس:
أن يكون بحيث يترتب عليه الحكم، ففساده ضده، هو أعم من أن يكون بحيث يترتب عليه ضد الحكم لمناسبة، أو باعتبار نص أو إجماع أو لا. وكلام بضعهم يشعر بتخصيص فساد الوضع بالأول، لكن مظنة كونه ضد صحة الوضع يقتضي ما ذكرنا.
وهو كقولنا في المعاطاة: بيع لم يوجد فيه سوى أرض، فلا ينعقد كغير المحقرات، فإن الرضا يناسب الانعقاد لا عدمه. وكقول الحنفية في القتل العمد العدوان: كبيرة محضة وجناية عظيمة فلا يجب فيه الكفارة، كالردة والفرار من الزحف، فإن ما ذكره يناسب التغليظ، لا التخفيف. ويجعل ما لا يصلح للعلية علة.
وهذا أخص مما قبله، لاستلزام الأول إياه من غير عكس. وقدح في كونه سؤالا مستقلا، لأنه إن أثبت نقيضه بالوصف بالرد إلى أصله فهو قلب، أو ببيان مناسبته له بعين جهة المستدل، (لزم هدم مناسبة الحكم المستدل)، لامتناع مناسبة الواحد لمختلفين من جهة واحدة، وهو سؤال عدم التأثير، أو بغيرها، فلا منافاة. و - حينئذ - إن كانتا معتبرتين، فهو سؤال المعارضة أو غير معتبرتين، فلزم عدم دلالتهما، أو أحدهما فلم يكن الآخر مشعرا بنقيض الحكم.
وأجيب:
بمنع انحصار فساد الوضع فيما يشعر بنقيض الحكم، حتى يكون القدح فيه قدحا في فساد الوضع، ثم إنما يمتنع مناسبة الواحد لمختلفين في الحقيقتين فجاز ان يكون أحدهما إقناعية، ولا نسلم رجوعه إلى سؤال المعارضة عند اختلاف جهة المناسبة، بل هي منه، والعام غير الخاص.
ومثله وارد عليه، فهو سؤال القلب، فإنه أعم من القلب. ويختلف جوابهما، فإن سؤال المعارضة يجاب بالترجيح، والمعارضة والقدح دونه، ثم يجوز أن تكون مناسبة المعترض حقيقة معتبرة دون المستدل فإنه قد يشعر بنقيضه، فحينئذ - يتبين فساد وضعه.
(هـ) المنع:
وهو أعم الاعتراضات، لتطرقه إلى جميع مقدمات القياس، ولا تخفى كيفية توجهه إليها، والجواب عنه: فإن طريق ذلك مشهور.
لكن في انقطاع المستدل عنه توجه المنع إلى حكم الأصل.
ثالثها: اختار الأستاذ: أنه إن كان ظاهرا: لا، كمنع أن النكاح يبطل بموت الزوجين، لو قيس الإجارة عليه، فإنه انتهاؤه عندنا وعندكم - أيضا - استحسانا، إذ الفرق بين البطلان والانتهاء خفي، فلم يعد انقطاعا.
وقال الغزالي: يتبع في ذلك عرف مكان المناظرة. ونقل عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي: أنه لا يصير منقطعا، ولا يجب عليه ذكر الدلالة على الحكم. وهذا لا يتجه إلا: إذا فرع على مذهب نفسه، فله أن يقول: إنما قست على أصلي، لكن لا يتصور منه منع وتسليم، أو يقل: إنما قست لظني أن الحكم في الأصل ثابت عندكم، فإذا هو غير ثابت، فلا أقيس عليه، فلا يعد منقطعا، بناء على ظنه. ولمن قال بانقطاعه مطلقا: أنه عدل عما شرع فيه ابتداء، وهو ذكر الدلالة على حكم الفرع، فكان كالإنتقال إلى غيره. ولمن قال بعدمه مطلقا: أنه من لوازم المطلوب، فكان ذكر الدلالة عليه، كذكر الدلالة على غيره من المقدمات، بخلاف العدول إلى الأجنبي، فإنه يعد إعراضا عن المطلوب فكان انقطاعا.
فإن قلت: ما دل على حكم الأصل، إذا كان عاما والحكم غير ثابت، فإذا منع بناء على ذلك - وليس للمستدل دليل على - ثوبته في كله - فهل يصير منقطعا، أم له أن يقول: إنما قست على ما ثبت فيه الحكم.
قلت: الأشبه أنه لا ينقطع به، وغايته أنه أطلق عاما، وأراد خاصا. وقيل: بانقطاعه نطر إلى ظاهر اللفظ، وما ذكر وإن كان جائزا، لكنه خلاف الأصل، فلعله بدا له ذلك بعد المنع. وإذا كان في المسألة روايتان عن إمام الخصم، أو عن بعض أصحابه فله أن يمنع الحكم بناء على أحد الروايتين، وللمستدل ان يجيب عنه: بأن الأشهر أو المفتي به ما قست عليه، والأخرى
غريبة، لا يقاس عليها.
ثم إذا ذكر المستدل الدليل عل الحكم: فقيل: بانقطاع المعترض لتبين فساد المنع، وتعذر اعتراضه على الدليل، لإفضائه إلى التطويل فيما هو خارج عن المقصد الأصلي أو في النظري.
وأجيب:
بأنه لازم له، فيعترض على دليله كما في غيره. وقيل: لا يعد منقطعا، ولا يمنع من الاعتراض عليه، وإلا: لزم أن يكتفي بما يدعيه دليلا عليه، و - حينئذ - لا فائدة في قبول المنع. ومن المنوع القوية: منع وصف العلة.
كقولنا: الكفارة شرعت زجرا عن ارتكاب الجماع، الذي هو محذور الصوم، فيختص به كالحد، فيمتنع ذلك، بل زجرا عن فيمنع أنه غير مكاف، إذ هي غير معتبرة في جميع الأمور وفاقا، الإفطار، الذي هو محذور.
وكقولنا: قتل غير مكاف له، فلا قصاص، كما لو قتل حربيا، فلم قلت: إن الإسلام مما يجب رعايته فيها؟ .
وجوابه:
أن تبيين اعتباره بطريق، كترتيب الحكم عليه والمناسبة.
(و) التقسيم:
وهو (كون) اللفظ مترددا بين أمرين متساويين، أحدهما ممنوع. واعتبار القيد الأول للفظ التقسيم، فإنه ينبئ عنه. والثاني والثالث: ليكون له فائدة، فإنه لو كان ظاهرا في أحدهما حمل عليه، ممنوعا كان أو مسلما، لوجوب حمل الألفاظ على ظواهرها.
ولو كانا مسلمين، أو ممنوعين، لم يكن للتقسيم معنى، إذا المقصود حاصل، أو غير حاصل على التقديرين. ويلتحق بهذا ما إذا كانا محصلين للغرض، ولكن يرد على أحدهما من القوادح والاعتراضات خلاف ما يرد على الآخر، : لأن له - حينئذ - غرضا صحيحا في التقسيم، وهو إيراد تلك الاعراضات عليه، فربما ينقطع عن بعضها.
كقولنا في مسألة الخيار: وجد سبب ثبوت الملك للشتري، فوجب أن يثبت ويبين السبب بصدور البيع (من أهله المضاف إلى محله فيقول: السبب مطلق البيع، أو البيع المطلق، الذي لا شرط فيه، والأول أعم، لكنه مفقود في صورة النزاع. ثم لو منع المعترض في سؤال التقسيم -
بناء على أن اللفظ غير محتمل لمعنيين - فيكفيه أن يبين إطلاقه عليهما، ولا يجب بيان تساويهما لتعسره، وبيان التساوي إجمالا متيسر، بأن يقال: التفاوت يستدعي ترجح أحدهما على الآخر، والأصل عدمه.
لكنه معارض: بأن الغالب إنما هو التفاوت، ولأنه يحصل بطريقين، والتساوي بواحد، ووقوع واحد من اثنين أغلب على الظن من وقوع واحد بعينه. وسؤال التقسيم بالنسبة إلى وجود المانع، بعد وجود المقتضى باطل، إذ ليس على المستدل بيان انتفاء المعارض.
ثم جواب سؤال التقسيم: يكو ن اللفظ موضوعا لمراده لغة أو شرعا، أو عرفا، نقلا أو استعمالا، فلا يكون لغيره دفعا للاشتراك والنقل، وإن كان خلاف الأصل، لكنه خير من الإجمال. وبكونه ظاهرا في أحد الأمرين، لقرينة لفظية أو عقلية، إن كان هناك. وبأنه يجب اعتقاد ظهور هذا المعنى، وإلا: لزم الإجمال، أو خلاف الإجماع.
(ز) المطالبة بتصحيح العلة:
وهو منع كون المدعي علة.
وهو: وإن كان من جملة المنوعات، لكن إنما أفراد لأن بعضهم زعم أن هذا السؤال ليس بصحيح.
(أ) إذ لو قيل المنع فيه، لقبل في دليله، ودليله، وتسلسل.
(ب) أن حاصله يرجع إلى طلب المناسبة والإخالة، وهي شرط العلية ولا يجب على المعلل بيان الشرائط.
(ج) القياس: رد فرع إلى أصل يجامع، وقد أتى به، فلا يطالب بغيره، وعلى المعترض القدح إن أراد.
(د) الأصل أن كل ما ثبت معه الحكم، فهو علة، فمن ادعى أن ما ذكر ليس بعلة، فعلية بيانه.
(هـ) أنه بحث فلم يوجد سواه، والأصل عدم غيره.
(و) أن علة الأصل لا بد وأن تكون متنازعا فيها، ليتصور الخلاف في الفرع إذ ليس الكلام في وجودها في الفرع، وذلك إنما يكون بعدم الاتفاق على ما في الأصل، ولو ظهرت مناسبته مع الاقتران لحصل الاتفاق عليه.
(ز) عجز المعترض عن الاعتراض دليل سلامته عنه، كالمعجزة.
(ح) عدم تخلق الحكم عنه دليل صحته.
(ط) إلحاق الفرع بالأصل بمشترك بينهما، تسوية بينهما، فيكون مأمورا به.
(ي) القياس، تشبيه الفرع بالأصل، وقد يحصل ذلك بما ذكر من الشبه، وهو حجة.
وأجيب:
عن (أ) بمنع لزوم ما ذكره، فإنه إذا ذكر دليل على عليته كالمناسبة أو الإيماء أو الدوران، لم يمكنه منع عليته، لا يمكن منع دلالة الدليل، إذ تقدم أن المناسبة وغيرها دليل العلية.
وعن (ب) بمنع أن المناسبة شرط العلية، بل جزؤها، ويجب ذكر أجزائها، ثم إنه شرط ذات العلة، ويجب ذكره دون شرط التأثير، للحرج والمشقة لكثرتها.
وعن (ج) أن المعتبر: الجامع المعتبر، لا مطلقه.
وعن (د) بمنعه مطلقا، بل فيما وجد فيه شرائط العلية، كالمناسبة والدوران.
وعن (هـ) أنه من طرق إثبات العلة، فيكون جوابا عن سؤال المطالبة، لا ردا له.
وعن (و) بمنع انحصار النزاع فيما ذكره، بل جاز مع المناسبة والاقتران، لحصول وصف آخر كذلك.
وعن (ز) المعارضة بعجز المستدل عن التصحيح، ثم لا نسلم عجزه، وعدم شروعه في ذلك - لكون المنع أسهل من المعارضة - لا يدل عليه.
وعن (ح) أنه إن اكتفى بالطرد ردا له، فهو جواب عن السؤال وإلا: لم يصلح للرد.
وعن (ط) ما سبق في القياس.
وعن (ي) بمنع أن مجرد الشبه غير كاف فيه، وإلا: لوجد في الواحد نقيضان.
للمصحح:
(أ) أنه لو لم يصح لصح الإلحاق لمطلق الأوصاف، لعلمه أنه لا يطالب بتصحيحه، فلا يشترط في العلة المناسبة أو غيرها من شرائط العلية.
(ب) سؤال المطالبة: طلب تأثير الوصف وهو: إما شرط، أو جزء وعلى التقديرين يصح كسائر الأسئلة المتضمنة بيان الأركان والشرائط.
(ج) الدليل ينفي العمل بالقياس، ترك العمل به في المناسبة والمؤثر، لإجماع الصحابة ولزيادة الظن، فيبقى في غيره على الأصل.
ثم جواب سؤال المطالبة: بمناسبته، وإخالته، أو تأثيره، أو بكونه مومئ إليه، أو خاصة أو أثرا للحكم، أو بنفي ما عداه.
(ح) سؤال عدم التأثير: والتأثير: عبارة عن ظهور مناسبة العلة في نفسها، أو في اعتبار الشرع في غير محل النزاع.
ومنه:
ظهر أنه لا يعترض على المنصوصة، أو المجمع عليها إببذ الحكم يزول بزوالها، فعدم التأثير: عبارة عن جعل ما ليس بعلة، ولا جزء علة - لعدم ظهور علامتها - كذلك.
وعند هذا ظهر الفرق بينه وبين العكس، وإن زعم بعضهم أنه لا فرق بينهما، لأن في العكس: تنتفي العلة والحكم، وإن لم يجب انتفاؤه فيه، لكن لوجود علة أخرى، وفي عدم التأثير: ما انتفى ليس بعلة ولا جزئها، والحكم باق لبقاء علته.
فله أقسام عدة:
عدم التأثير في الوصف:
وهو: جعل ما لا يصلح للعلية ولا لجزئها كذلك.
ويلزمه: عدم الإنعكاس قطعا، كقولنا في أذان الصبح: صلاة لا يجوز قصرها، فلا قصرها، فلا يجوز تقديم أذانها على وقتها، كصلاة المغرب، فإن عدم القصر لا يصلح لذلك.
وعدم التأثير في الأصل والفرع جميعا:
كقولنا: عبادة متعلقة بالأحجار، لم يتقدمها معصية، فيعتبر فيها العدد، كرمي الجمال، ثم يجب أن تكون ثلاثا، لعدم القائل بالفصل. فقولنا: لم يتقدمها معصية عديم التاثير في الأصل والفرع معا.
وعدم التأثير في الأصل فقط:
كقولنا في الأمة الكتابية: أمة كافرة فلا تنكح، كالأمة المجوسية فالرق، لا أثر له في المجوسية، وله تأثير في الفرع. وهو مردود عند بعضهم كالأستاذ، لجواز تعليل الواحد بمختلفين.
وأكثرهم على قبوله في بيان عدم التأثير، لامتناع الأصل المتقدم وقد سبق الكلام فيه.
وعدم التأثير في الفرع فقط، وهو على قسمين:
أحدهما:
أن يذكر فيه وصف يتحقق الخلاف بدونه، كقوله: نوى صوم رمضان قبل الزوال فيصح، كما لو نوى من الليل، فإن الخلاف متحقق لو نوى مطلقه، وقد اختلف فيه، وهو مبني على جواز الفرض وعدمه، ولما كان المختار جواز الفرض في الدليل كان المختار قبوله.
وثانيهما: أن يلحق الفرع بالأصل بوصف لا تأثير له على إطلاقه في الفرع وفاقا.
كقولنا في العيوب الخمسة: عيب ينقص الرغبة في المعقود عليه، فوجب أن يثبت به ولاية الفسخ كالبيع، فالوصف المذكور في الإلحاق لا تأثير له في الفرع على إطلاقه، إذ لا تثبت ولاية فسخ النكاح بكل عيب وفاقا.
وعدم التأثير في الحكم:
وهو: أن يذكر في الدليل وصفا لا تأثير له في الحكم المعلل به، كقوله: في المرتدين: طائفة مشركة، فلا يجب عليهم الضمان بتلف أموالنا في دار الحرب، كأهل الحرب، فالإتلاف في دار الحرب لا تأثير له فيه نفيا أو إثباتا وفاقا. والفرق بين هذا وبين الثاني، فرق ما بين العام والخاص، لاستلزامه الثاني، من غير عكس.
وزعم بعضهم اتحادهما، ولذا لم يذكر القسم الثاني، ويحتمل أن يكون ذلك لكونه أعم منه، فذكره يغني عن الخاص. ثم ليعلم أن عدم التأثير في الوصف يرجع إلى سؤال المطالبة، فالواجب واحد.
وأما عدم التأثير في الأصل، والفرع معا، فجوابه: ببيان تأثيره فيهما، أو في أحدهما، وإلا: ففائدته في دفع النقض، كما سبق في المثال فإنه لو لم يقل: لم يتقدمها معصية لورد الرجم نقضا،
وإن لم يتيسر له ذلك فقد لزم سؤال عدم التأثير، و - حينئذ - يصير منقطعا.
وقيل: إن تبين تأثيره ولو في أصل آخر، غير ما قاس عليه، كفى وعد مجيبا وأم عدم التأثير في الأصل، فجوابه: جواب المعارضة في الأصل، من غير تفاوت.
وقيل: ببيان جواز تعليل الواحد بمختلفين. وهو ضعيف: إذ لو جاز هذا بطل سؤال عدم التأثير في الأصل بالكلية، لجواز أن يكون الزائل علة. ويكون الحكم ثابتا بعده بعلة أخرى، فهو دفع له من أصله، لا أنه جوابه بعد قبوله. وأما عدم التأثير في الفرع، فجوابه: بفوائد الفرض في الدليل.
ويخص القسم الثاني منه: أن يقال: إنا وإن أجمعنا على أنه لا تأثير له في الفرع على عمومه، لكن تأثيره فيه بحسب خصوصه محتمل، فاللفظ العام يجوز أن يراد منه الخاص، إما بطريق التجوز، أو الإضمار، نحو أن يقال في مثالنا: عيب ينقص الرغبة في المعقود عليه، لفوات معظم المقصود منه، فوجب أن يثبت به ولاية الفسخ، كما في البيع.
ولو ذكره ابتداء منع السؤال، فإن ذكره بعد ورود السؤال، فالظاهر أن يعد منقطعا، لأنه ظهر أن ما ذكره أولا ليس بعلة. وأما عدم التأثير في الحكم: فهو راجع: إما إلى عدم التأثير في الوصف، أو إلى سؤال الإلغاء، لأنه إن كان طرديا لزم الأول، وإن كان مؤثرا لزم الثاني، فجوابه: جوابه.
(ط) القدح في مناسبة الوصف المعلل به، بكونها غير مناسبة أو مناسبة لضده، أو أنها إقناعية، أو إلغاء الشارع لها، أو عدم اقترانها بالحكم، أو استلزامها مفسدة، راجحة أو مساوية.
وجوابه: القدح فيها، وبيان أضدادها، والترجيح إجمالا وتفصيلا.
(ي) القدح في صلاحية إفضاء الحكم إلى ما علل به من المصلحة المقصودة. وهو ببيان عدم إفضائه إليه، أو ببيان إفضائه إليه، أو ببيان إفضائه إلى ضده. كما لو علل حرمة المصاهرة على التأييد بالحاجة إلى ارتفاع الحجاب، المؤدي إلى الفجور، فإذا تأبد انسد باب الطمع، المفضي إلى مقدمات الهم والنظر، المفضي إلى الفجور.
فيعترض: بأن سد باب النكاح أفضى إليه، لأن الإنسان حريص على ما منع، ولأنه يتعين طريقا إليه، فكان وقوعه - إذ - أغلب.
وأجيب:
بأن التأييد يمنع - عادة - بما تقدم ذكره، فيصير كالطبيعي، كالأمهات.
(يا) ما علل به الحكم خفي، كالرضي، والقصد في المعاطاة، وضمان الوديعة، بقصد الخيانة.
فطريقة أن يقال: العلل معرفات، فتكون جلية، وإلا: لما حصل الغرض، وهو يغلب ظن سلوكه المسلك. و - أيضا - الحكم خفي، والخفي لا يعرف الخفي.
وجوابه:
ضبطه بما يدل عليه من الصيغ والأفعال، والقرائن الظاهرة. وقريب منه: التعليل بما لا ينضبط كالحكم والمصالح، والزجر والحرج والمشقة، وقد سبق الكلام فيه، وفي الاعتراض بالنقض والكسر والعكس والفرق والقلب، والقول بالموجب في القياس.
(يب) سؤال المعارضة.
وهو: إما في الأصل، وقد سبق، إذ الفرق عبارة عنه، ويندرج تحته سؤال التعدية، وهو: أن يعين المعترض في الأصل ويعارض به، ويقول للسمتدل ما عللت به وإن تعدى إلى فرع مختلف فيه، فكذا ما عللت به يتعدى إلى آخر، وليس أحدهما أولى من الآخر.
وهو: كتعليل ولاية الإجبار بالبكارة أو الصغر، لتعديهما إلى البكر البالغة، والثيب والصغيرة.
وقيل: إن سؤال الفرق معارضة في الأصل والفرع.
وقيل: هو عبارة عنهما، حتى لو اقتصر على أحدهما لا يكون فرقا. وهما ضعيفان، إذ المعارضة في الفرع: إن كان لمعنى فيه يقتضي الحكم، فهو التعليل بالمانع، وليس هو من الفرق في شيء. وإن كان لمنفصل فكذلك، لأنه لا يقتضي القدح في اشتراك الأصل والفرع في المعنى الذي لأجله ثبت الحكم في الفرع فلا يجوز أن يجعل عبارة عنهما.
وأما في الفرع، فهو أن يعارض حكم الفرع بما يقتضي نقيضه لدليل أو بفوات شرط ثبوت الحكم فيه، لكونه غير مجمع عليه، فيحتاج إلى تقرير وجه دلالته كالمستدل.
واختلف في قبوله:
لمن رد:
أن المستدل أتى بما التزم، فلا يلزم بسماعها كالمستأنف، ولأن المعرتض ما دام لابان، وهي في الفرع بناء، والأصل هدم.
ولمن قبل كأكثر المتقدمين:
أنها تستلزم هدم ما بناه المستدل، فتقبل كالمعارضة في المقدمة. و - أيضا - قد يتعين ذلك طريقا إليه، حيث كانت المقدمات صحيحة، فلو لم تقبل، لبطلت فائدة المناظرة.
وجوابها: القدح بكل ما يقدح فبه دليل المستدل، وبالمعارضة، وبالترجيح على الأصح.
وقيل: لا يقبل، لأن أقل درجاته أن يكون اعتراضا على الدليل، فيحتاج إلى جواب عنه.
وزيف: بأنه لا يجب جواب الاعتراض الضعيف، اكتفاء بظاهر الدليل، والترجيح واجب على المجتهد، فكذا المناظرة، لأنه تلوه.
وقيل: يجب ذلك، لأن الترجيح كجزء الدليل، وهذا إنما يتصور عند ظهور المعارض، فإن خفي فلا. وقيل: لا يجب، فما فيه من المشقة والحرج.
وقيل: إن كان الترجيح بخارجي فلا، لعدم توقف الدليل عليه، وللحرج.
(يج) اختلاف ضابط الأصل والفرع، مع اتحاد حكمهما.
كقولنا في شهود الزور: تسببوا إلى القتل عمدا وعدوانا، فلزمهم القصاص كالمكره، فيعترض عليه: بأن ضابط الحكمة في الأصل الإكراه، وفي الفرع الشهادة، وهما وإن اشتركا في مقصود الزجر، لكن لا يمكن تعدية الحكم به وحده، لاحتمال رجحان تسبب ضابط الأصل، ولا بنفس الضابط، لعدم الاشتراك فيه.
وجوابه: ببيان أن التعليل إنما هو لعموم ما يشترك فيه الضابط أو ببيان أن ضابط الفرع مثله، أو أرجح كالشهادة، فإنها أفضى إلى القتل من الإكراه للتشفي والانتقام، مع جوازه عقلا وشرعا، من غير خوف وإنكار، واستدعاء قدرة تامة.
(يد) اختلاف جنس المصلحة مع اتحاد الضابط فيهما.
كقولنا: أولج فرجا في فرج مشتهي طبعا، محرم شرعا، فيجد كالزنا.
فيعترض: بأن الحكمة في اللواط إنما هو صيانة النفس عن رذيلة اللياط، وفي الزنا مع اختلاف المياه واشتباه الأنساب المفضي إلى هلاك المولود، المؤدي إلى انقطاع النسل، فلا يلزم من اعتبار ضابط الأصل لحكمة مخصوصة، اعتباره في الفرع لحكمة أخرى، لجواز أن لا يقوم أحدهما مقام الآخر في نظر الشارع.
وجوابه:
ببيان أن حكمة الفرع مثل حكمة الأصل، أو أشد محذورا منها، كما في مسألتنا، فإن اللواط يقتضي عدم الولادة بالكلية. وهو أفضى إلى انقطاع النسل من الزنا، فكان أولى بالجد منه.
وببيان مناسبة المشترك بين الحكمتين للحكم، فيكون معللا به. ولو فرق بينهما فجوابه حذفه عن درجة الاعتبار بطرقه.
(يب) اختلاف حكم الأصل والفرع. حكم يقال: حكم الفرع مخالف لحكم الأصل، فلا يصح معه القياس، إذ اتحاد الحكم فيه ركن.
وجوابه: ببيان اتحاده نوعا أو جنسا، كقياس صحة بيع الغائب على النكاح، وتعين فيه الصوم على الصلاة، وكقياس قطع الأيدي باليد الواحدة على القتل، فإن الحكمين متحدان بجنس الجراح دون النوع، إذ القتل نوع، والقطع نوع. وإن لم يمكن بيان اتحادهم، كما إذا كانا إثباتا أو نفيا أو إيجابا وتحريما، فالسؤال لازم.
تنبيه:
الاعتراضات كلها واردة على المناسب، وأما غيره كالشبه فلا، بل بعضها، ولا يخفى ذلك على الفطن. ثم هذه الأسئلة مترتبة، وهو بين، ثم ما كان منها من نوع واحد كالنقوض والمعارضات يجوز الجمع بينهما وفاقا، وما لا فلا.
إلا: إذا كانت غير مترتبة، كالنقض مع عدم التأثير، فإنه يجوز عدم الترتيب.
وقيل: لا، للانتشار، وهو منقوض بالأول.
وقيل: يجوز الجمع وإن كانت مترتبة، وهو اختيار الأستاذ وعليه العمل في إيرادها في
الكتب، لأن الشروع في المتأخر، وإن أشعر بتسلم متعلق الأول، إذ لو بقي مصرا على الأول، لم يتوجه إليه الذي بعده في المرتبة، فلا يستحق الجواب، لكن تقديرا لاتحقيقا، كما هو الدأب في الإيراد، فإن صرح به كما لو قال: ولئن سلمنا ذلك، لكن لا نسلم كذا، فلا شك فيه، وإلا: نزل عليه للاحتمال والعادة.
وسؤال الاستفسار مقدم على غيره، لأنه إذا لم يعرف مدلول اللفظ، استحال منعه أو معارضته، فالأسئلة كلها ترجع إليهما. ثم فساد الاعتبار، لأنه إفساد الدليل من حيث الجملة، وهو مقدم على ما يفضي إليه تفصيلا، لسهولة الإفضاء إلى الغرض، ولأنه يبطل الدليل بالكلية. ثم النقض وعدم التأثير والعكس - وإن قيل: بأنه يقدح فيه - والكسر مؤخر عن النقض. ثم المعارضة في الأصل: لأن النقض معارض لدليل العلية، وهي معارضة لنفس العلية، فكان متأخرا عنها.
وفيه نظر: لأن النقض، وإن كان كذلك، لكن المعارضة في الأصل - أيضا - كذلك، فإنها تنفي عليه ذلك الوصف، فتكون معارضة للدليل الدال على عليته، فلا فرق من هذا الوجه.
وأيضا - النقض لإبطال العلة، والمعارضة في الأصل لإبطال استقلالها.
وهو - أيضا - ممنوع، إذ ليس في النقض ما يدل على أنه لا يصلح لجزء العلة، فكل منهما دال على عدم عليته، وهو أعم منهما، والدال على العام غير الدال على الخاص، لا مطابقة ولا تضمنا، فلا فرق، ثم إنه يقتضي تقديم المعارضة في الأصل عليه، لأنه أعم، وهو أعرف.
وإذا بطل هذا، فالحق:(إما) أنه لا ترتيب بينهما، لأن كل واحد منهما قادح في عليته استقلالا، أو أن المعارضة في الأصل مقدم عليه، لأن المعارضة في الأصل: إبطال العلية في محله الأصلي، والنقض إبطال لها في غيره، ومعلوم أن الأول أقدم.
ثم المعارضة قد تكون في الأصل، وقد تكون في الفرع، والأول أقدم، والقلب والقول بالموجب فمؤخران عما تقدم، لأنهما بعد تمام الدليل، وما قبله قبله، والقلب مقدم عليه، ولا يخفى مما تقدم ترتيب بقية الأسئلة بعضها على بعض.