الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبأنه لو لم يجز لكان فعله كفعل الطبائع، وهو ينفي كونه مختارا وفي هذا المعنى قال قائلهم:
لولا البدا سميته غير هايب
…
وذكر البدا نعت لمن يتقلب
لولا البدا ما كان فيه تصرف
…
وكان كنار دهرها يتلهب
وكان كضوء مشرق بطبيعة
…
وبالله عن ذكر الطبائع يرغب
واعلم أن نصوص الكتاب كقوله: {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} [يونس: آية 61]، وقوله:{وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} [الأنعام: آية 59]، وغيرها يدل على إحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء، والبراهين العقلية دالة عليه - أيضا - ثم هو معلوم البطلان قطعا من دين الرسل عليهم السلام.
ولا حجة في الآية، لأن المحو للمشيئة، لا للبداء، بل فيه دلالة على بطلانه.
وجواب المعقول: ما تقدم في أول المسألة.
وكونه مختارا بنفي ذلك، لأن المختار هو الذي يفعل بمحض الاختيار، لا لأنه بدا له، على أن الملازمة ممنوعة، وسنده بين.
مسألة
النسخ جائز عقلا، وواقع سمعا
.
خلافا لليهود غير العيسوية.
وأنكر بعضهم الوقوع، وهو مذهب بعض المسلمين.
لنا:
أنه لا يمتنع لذاته وصورته، إذ لا يلزم من فرض وقوعه محال ولا لغيره، إذ البداء غير لازم على ما تقدم، ولا إخلال حكمه، إن سلم القول، بها والأصل عدم غيره.
ولا دلالة - لقوله تعالى: {ما ننسخ} [البقرة: آية 106]، وقوله:{وإذا بدلنا} [النحل: آية 101] الآية - على جوازه، ولا على وقوعه، إذ الملازمة قد تكون بين الممتنعين.
واستدل - أيضا -:
بأن القواطع دلت على صحة نبوته عليه السلام وهي لا تثبت إلا: مع القول بالنسخ.
وضعفه: بما سبق من الاحتمال.
وبالإجماع على وقوعه، وهو إنما يصح لو ادعى قبل ظهور المخالف، وإلا: فمعه لا يصح والأولى: أنه صحت نبوته عليه السلام بالقواطع، فصحتها إن توقفت على وقوعه لزم وقوعه؛ لصحتها، وإلا: لزم ذلك - أيضا - لأن شريعته مخالفة لشريعة من قبله، ولبعضها، وليس هو بطريق انتهاء الغاية، وإلا: لزم نقل تلك الغاية متواترا كأصل الشريعة.
لا يقال: توفر الدواعي على نقل الأصل أكثر، لأنا نمنع ذلك، فهذا لأنه ليس من الأمور الجزئية، بل من الكلية، فهو كأصل الشريعة.
وما قيل: لعل موسى وعيسى عليهما السلام بينا ذلك، فضعيف، لأنه إن كان متواترا كان معلوما للكل كالشريعة، وإن كان آحادا فلا نثبته.
وأما الوقوع:
فاستدل بما في التوراة أنه تعالى قال لنوح عليه السلام عند خروجه من الفلك:
(إني قد جعلت كل دابة مأكلا لك ولذريتك، وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب، ما خلا الدم فلا تأكلوه).
ثم إنه تعالى حرم على بني إسرائيل كثيرا من الحيوانات. وأباح لآدم أن يزوج الأخت من
الأخ، وقد تواتر ذك في شرعه، ثم إنه تعالى حرم ذلك في شرع موسى.
وبما في القرآن من النسخ: نسخ الاعتداد بالحول في حق المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشرا، ونسخ وجوب ثبات الواحد للعشرة بقوله:{الآن خفف الله عنكم} [الأنفال: آية 66] الآية، ونسخ وجوب التوجه. إلى بيت المقدس، وبوجوبه إلى الكعبة.
وحمله على التخصيص لثبوته في بعض الأحوال، كما في الحامل، إذا كان مدته حولا، وكما إذا قصد الكفار المسلمين، وهم عشريهم، وكما إذا اجتهد في حال الاشتباه، وأدى اجتهاده إليه - باطل.
ونسخ أمر تقديم الصدقة بين يدي الرسول، وبقوله تعالى:{فإذ لم تفعلوا} [المجادلة: آية 13] الآية، وليس زواله لزوال سببه، وهو تميز المنافقين عن المؤمنين، لأنه يقتضي أن من لم يتصدق يكن منافقا، لكنه باطل، لأنه لم يتصدق غير علي رضي الله عنه.
ونسخ وجوب الوصية للوارث بآية الميراث، وحمله على التخصيص لصحتها، بقدر أنصبائهم غير وارد، لأن ذلك جائز لا واجب، والوقوع يتضمن الجواز السمعي قطعا.
وللمنكر عقلا:
(أ) النهي عن الشيء بعد الأمر - إن لم يكن لحكمة - لزم العبث، وإن كان لها: فإن ظهرت لزم البداء، وإن كانت معلومة حالة الأمر: لزم قبحه.
(ب) النسخ: بمعنى الانتهاء خلاف الظاهر، إذ ظاهره يفيد الدوام، وبمعنى الرفع: ممتنع لما سبق، ولأن المرفوع إن كان ثابتا: استحال رفعه، وإن كان نفيا: فكذلك؛ لامتناع رفع ما ليس بشيء.
(ج) الفعل إن كان حسنا: قبح النهي عنه، وإلا: قبح الأمر به
وللمنكر سمعا:
(د) ثبت بالتواتر قول موسى عليه السلام: "تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض".
(هـ) أن بين شرع موسى عليه السلام بما يفيد الدوام، ولم يضم إليه ما يدل على أنه
سينسخه - لم يجز نسخه، وإلا: لزم الجهل، وأن لا يوثق بوعده ووعيده وأن لا يعرف دوام شرعنا والتمسك عليه بالإجماع والنقل المتواتر: ممتنع، لأنه فرع الآية والخبر، والنقل لا يكون إلا: للفظ، فلعل المراد منه غير ظاهره، وإن ضم ذلك إليه لزم الجمع بين المتناقضين، وأن ينقل بالتواتر، والآحاد مثله في شرعنا، ولأنه مما تتوفر الدواعي على نقله.
وإن بين بما يفيد اللادوام: فإن لم يفد تكراره لم يجز نسخه قبل فعله، لما يأتي في مسألته، وبعده وهو ظاهر، وإن أفاد فكذلك، لأنه إن نص على غاية معينة فلا نسخ، أو غير معينة وجب أن ينقل لما سبق.
أو بمطلق: فلا يفيد إلا مرة واحدة، فيمتنع نسخه، لما سبق.
وأجيب:
عن (أ) بمنع قاعدة التحسين والتقبيح، ثم باختلاف المصلحة في الزمانين كما سبق.
وعن (ب) بأنا نسلم أنه خلاف الظاهر، لكنه لا يمنع الجواز، سلمناه، لكن نمنع امتناعه، بمعنى الرفع، وجواب ما سبق وما ذكروه: ضرورة بشرط للمحمول، وهو لا ينافي إمكان وقوع ضده، وإلا لامتنع وجود وعدم.
وعن (ج) أنه قد يحسن الشيء في وقت، ويقبح في آخر.
وعن (د) بمعنى أن قوله عليه السلام: "بل هو مختلق صريح بعد نبينا، وإذ لم ينقل عن اليهود الذين في زمانه عليه السلام" حجاجهم به على إبطال دعوته، مع شدة عداوتهم وعنادهم له عليه السلام، وقد قيل: إن ابن الراوندي اختلقه ولقنهم بأصفهان.
ثم إن تواتره: ممنوع، فإنه لم يبق في زمان (بختنصر) من اليهود عدد التواتر.
ثم إن لفظ التأييد جاء في التوراة للمبالغة:
كما في البقرة التي أمروا بذبحها: (يكون ذلك سنة أبدا).
وفي قصة (دم الفصح): (بأن يذبحوا الجمل ويأكلوا لحمه ملهوجا، ولا يكسروا منه عظما، ويكون لهم سنة أبدا).
وقال: (قربوا إلى كل يوم خروفين، خروف غدوة، وخروف عشية، قربانا دائما، لاحقا بكم)، ثم إنه زال التعبد بها عندهم.
وورد في العبد: (أنه يستخدم ست سنين، ثم يعتق في السابعة، فإن أبى العتق فلتثقب أذنه ويستخدم أبدا) وهو مدة حياته.
وعن (هـ) ما سبق في مسألة تأخير البيان عن وقت الخطاب، ثم بمنع التناقض، بل هو قرينة على عدم إرادة الدوام مما يفيده، ثم هو منقوض بالتخصيص، ونقله متواترا: إنما يجب أن لو بقى عدد التواتر منهم ثم بمنع عدم جواز النسخ قبل حضور وقت لعمل، وسيأتي تقريره.