الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجيب:
بأن تخصيص العلة جائز. وإن كان لمانع - وهو يقتضي ذلك.
مسألة
قالت الحنفية والحنابلة بالاستحسان. وأنكره الباقون: قال الشافعي: (من استحسن فقد شرع). ولا بد من فهمه قبل الخوض. فنقول: إن عنى به الحكم بما يستحسنه عقل المجتهد، أو بهواه - وهو المتبادر إلى الفهم منه - فبطلانه ظاهر، وإلا: فيبين لننظر فيه.
فقيل: (هو دليل ينقدح في نفس المجتهد، لا يقدر على التعبير عنه، لعدم مساعدة العبارة)، كالمقوم، فإنه قد لا يقدر على تعبير ما يفيده ظن زيادة القيمة.
وزيف: أن المدارك معينة بتعيين الشارع، وهو لا يتصور فيما لا يمكن أن يعبر عنه، ولأن كل معنى محقق يمكن التعبير عنه بحقيقة أو مجاز أو مركب، بخلاف التقويم، فإن ما يفيد ظن زيادة القيمة غير معين من جهته، ولا هو معنى محقق، ولأنه إ تقطع بكونه دليلا جاز التمسك به وفاقا، وإلا: فهو رد وفاقا، فالنزاع - حينئذ - لفظي.
وقيل: (هو العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه)، وهذا لا خلاف فيه، ولا يجوز تفسير الاستحسان المختلف فيه به. ثم إنه غير جامع، إذ نصوا على أن القياس في قوله:"مالي صدقة" أن يتصدق بجميع ماله، فالاستحسان أن يختص بمال الزكاة، لقوله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: آية 103]، وليس هو بقياس، وكذا استحسانهم عدم وجوب القضاء على من كان ناسيا. وقيل:(هو تخصيص) قياس بأقوى منه. وهو راجع إلى تخصيص العلة، وقد عرف ما فيه من الخلاف ولأنه يكون لفقد شرط، أو وجود مانع، ودليلهما قد يكون أضعف من القياس.
الكرخي: (هو العدول عن الحكم في مسألة بمثل حكمه في نظائرهما إلى خلاف، لوجه
أقوى). وهو ضعيف - أيضا - لما سبق، ولأنه يوجب كون العدول عن العموم إلى الخصوص، والمنسوخ إلى الناسخ استحسانا. وقيل: هو العدول عن حكم الدليل إلى العادة المطردة للمصلحة. كدخول الحمام وشرب الماء من السقاء، من غير تقدير الماء واللبث والأجرة.
وهو كذلك، لأنها إن كانت معتبر، فلا خلاف فيه، وإلا: فمردودة، ولأنهم نصوا عليه، حيث لا عادة، كما سبق.
أبو الحسين: (هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ بوجه أقوى منه، وهو كالطارئ على الأول). خرج بالأول: النسخ والتخصيص، وبالثاني: الحكم بأقوى القياسين، لأنه ليس في حكم الطارئ، ولو كان لكان استحسانا. وقيل: احترز به عن استحسان ترك القياس.
لا يقال: نص محمد بن الحسن في غير موضع: تركت الاستحسان بالقياس، كما لو قرأ آية السجدة في آخر السورة، فالقياس: الاكتفاء بالركوع والاستحسان أن يسجد ثم يركع.
ثم إنه قال بالقياس دونه لأنه انضم إلى القياس شيء آخر، وترجح المجموع عليه، وهو: أنه تعالى أقام الركوع مقام السجود في قوله: {وخر راكعا وأناب} [ص: آية 24].
وقيل: احترز بقوله: (في حكم الطارئ عن الاستحسان الذي ترك بالقياس، الذي ليس في حكم الطارئ، فإنه ليس استحسانا، لعدم طريانه عليه، وهذا يقتضي أن يكون القياس الطارئ أقوى من الاستحسان.
والمشهور عندهم: أن الاستحسان أقوى مدركا من القياس مطلقا، وحيث يترك القياس، فإنما يترك لاعتضاده بشيء آخر، ودلالة الفعل على الحكم آيلة إلى اللفظ، فلا ينتقض
بما نسخ منه. وهو يقتضي أن تكون الشريعة كلها استحسانا، فلو زيد في الحد:(غير البراءة الأصلية) - سقط.
وأجيب عنه:
بأن قوله: ترك وجه من وجوه الاجتهاد، ينبئ عنه، فإن البراءة الأصلية ليست من وجوه الاجتهاد، لكن يحترز في الحد عن إرادة مثل هذه الأدلةز
والنزاع في التسمية غير لائق بذي التحقيق، ولو سلم فلا ينبغي فيه، إذ ورد في الكتاب: قال الله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} [فصلت: آية 33]، وقوله تعالى:{الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر: آية 18]، و {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم} [الزمر: آية 55]، {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} [الأعراف: آية 145].
وفي السنة: كقوله عليه السلام "ما رآه المسلمون" الحديث. وفي الفاظ المجتهدين: كقول الشافعي رضي الله عنه في المتعة: (أستحسن أن يكون ثلاثون درهما)، وفي الشفعة:(أستحسن أن تثبت إلى ثلاث أيام)، وفي الكتابة:(أستحسن أن يترك على المكاتب شيء).
ونقل عن الأئمة استحسان دخول الحمام من غير تقير الماء، واللبث، والثمن والأجرة، واستحسنوا شرب الماء من السقاء من غير تقديره، وتقدير ثمنه. وحمل الإمام النزاع فيه على تخصيص العلة - بعيد، إذ هو مشهور بالخلاف من كثيرين، بخلاف الاستحسان، فإنه مختص بخلاف الحنفية، ولأن تخصيص القياس بالاستحسان يستدعي معرفته، فتعريفه به دور.
وقيل: النزاع في إطلاقهم الاستحسان على العدول عن حكم الدليل إلى العادة. وهو ضعيف لما سبق. فلم يتلخص استحسان مختلف فيه. ولنذكر ما ذكر فيه جريا على العادة.
المثبت:
(أ) قوله تعالى: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر: آية 18]، والاستحسان