الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقالت الحنفية: لا، لأنه أولى بالثبوت منه، فلا يكون رفعه مستلزما لرفعه، وهو متجه.
وكذا لو صرح بنفي تحريم التأفيف - تحريم الضرب، لم تكن متناقضا، وهو على من يقول: نسخ الوجوب لا يستلزم نسخ الجواز، وبنوا عليه: أن نسخ قوله: عليه السلام (من قتل عبده قتلناه) - لا يقتضي نسخ مفهومه، وهو أنه يقتل بقتل (عبد غيره بالطريق الأولى.
ويجوز نسخ مفهوم المخالفة مع أصله وبدنه، إذ لا نقض، وهو كقوله عليه السلام:"إنما الماء من الماء"، فإنه نسخ مفهوم بحديث:"التقاء الختانين"، مع بقاء حكم أصلهن ونسخ أصله يستلزم نسخه - على الأظهر - لأن دلالته باعتبار ذلك القيد، فإذا بطل تأثيره بطل ما ينبني عليه، ووجه الاحتمال المرجوح غير خاف مما سبق.
مسألة
زيادة العبادة المستقلة ليست نسخا لها وفاقا.
وإنما جعل بعضهم زيادة صلاة على الصلوات نسخا، لقوله تعالى:{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا} [البقرة: آية 238] لأنها تجعلها غير الوسطى.
ويلزمهم زيادة عبادة على العبادة (الأخيرة)، فإنها تجعلها غير الأخيرة، وتغير عددها.
و- أيضا - كونها وسطى أمر حقيقي، فلا يكون إزالته نسخا، وزوال وجوب المحافظة عليها تبعا لزواله، فلا يكون نسخا، لما ستعرف.
وما يقال: بأن الأمر الحقيقي إذا قرره الشرع يصير شرعيا، فيكون نسخا - ضعيف، لأن ذلك فيما يتصور أن يرد الشرع بخلافه، دون غيره وما ليس كذلك - كزيادة الركعة، والتغريب، والإيمان - كذلك عندنا، والحنابلة، والجبائيين
…
خلافا للحنفية.
وقيل: إن كانت جزءًا.
وقيل: إن نفت الزيادة شيئا مما أفاده النص، ولو بدليل الخطاب.
عبد الجبار: إن كانت بحيث لو فعل المزيد عليه بدونها، لم يعتد به.
الغزالي: إن كانت متصله به، رافعة للانفصال والتعدد: لا، كزيادة الشرط، وهي على ما قبله نسخ.
الكرخي، وأبو عبد الله البصري: إن غيرت حكم المزيد عليه في المستقبل: لا، كقطع رجل السارق بعد قطع يده.
البصري: أنها تزيل شيئا، وأقله عدمها، فالزائل بها إن كان حكما، شرعيا: فنسخ، إلا: فلا، وحيث كان نسخا لا يجوز إثباته بالقياس، والإجماع، وخبر الواحد، وإن كان المزال ثبت
بقطعي.
لنا:
أنه ليس من ضرورة الزيادة، أن تزيل حكما شرعيا، فلا تكون الزيادة على النص نسخا.
فروع لهذا الأصل:
(أ) زيادة التغريب إنما تزيل نفي الزائدة على جلد مائة. لأن إيجابه أعم من إيجابه، مع وجوب غيره، أو نفيه، لصحة تقسيمه إليهما، ومورده مشترك، والعام لا يدل على الخاص.
ولأنه يصح أن يقال: أوجبه معه وبدونه، من غير نقص ولا تكرار.
ولأنهما ماهيتان لا تعلق لإحداهما بالأخرى. فلو دل على نفي التغريب ما دل على ثبوت الجلد بطريق الحقيقة - لزم الاشتراك.
ولأنه خلاف الإجماع، ولأنه لا نزاع في مثله. أو بالتجوز فباطل، لفقد العلاقة، لأنه خلاف الأصل، ولأنه استعمال في معنيين مختلفين، فلا يكون إيجابه نسخا للنص.
وكونه وحده مجزئا، وكل الحد، وكونه جزاء، إذ الجزاء ما يكون كافيا، ونحوه من الأحكام - تبع لنفي وجوب الزائد، فلا تكون إزالته نسخا، كما في إيجاب المستقلة، فإنه يرفع - أيضا - نحوه من الأحكام وكالموت والجنون، وفوات المحل.
(ب) إذ قيل بالمفهوم، كان إيجاب الزكاة في معلوفة الغنم نسخا لقوله عليه السلام:"في سائمة الغنم زكاة"، إذا ثبت بدليل: أن المفهوم مراد منه، لأن رفع حكم الدليل إنما يكون نسخا بعد ثبوته.
(ج) اشتراط النية في الطهارة ليس نسخا لنصها، لأن إيجابها أعم من إيجابها معها أو بدونها، فالدال عليها ليس نسخا لنصها.
(د) تقييد الرقبة بالإيمان ليس نسخا للنص الدال على وجوبها مطلقا لما سبق، فالدال عليه ليس نسخا (له)، بل هو كالتخصيص.
وفيه نظر، لأن النص في صورة التخصيص يبقى معمولا به بعده، في بعض مدلولاته، بخلاف المطلق، فإنه لم يبق معمولا به في مطلقه في صورة ما، فكان أشبه بالنسخ.
(هـ) إذا أمر بقطع يد السارق، وإحدى رجليه على التعيين، فإباحة قطع الأخرى إنما يرفع عدم إباحة قطعها الثابت بالأصل، فلا يكون ما يدل عليه نسخا له.
(و) التخيير بين الواجب وغيره، أو زيادته، ليس بنسخ للأول، لأنه إنما يزيل تعينه، وهو تابع لعدم وجوب غيره وهو عقلي، ولأن حد الواجب يصدق عليه بعده، إذ يذم تاركه على بعض الوجوه.
فإيجاب المسح بدلا عن الغسل، والحكم بالشاهد واليمين - ليس نسخا للقرآن.
ومن زعم أنه نسخ له، يلزمه أن يقول: الوضوء بالنبيذ نسخ لآية التيمم.
لا يقال: إنه ماء، فلم يكن الخبر رافعا لمقتضى النص، لأنه لم يفهم من إطلاقه معرفا أو منكرا، وقوله عليه السلام "ثمرة طيبة، وماء طهور" محمول على ما قبل القيد، للإجماع على أنه ليس كذلك - مطلقا -، ولأنه لو كان ماء لزم نسخ إطلاق:{فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: آية 6]، إذ لا يجوز التوضؤ به عند وجود الماء.
فإن قلت: خبر (الشاهد واليمين) يرفع مفهوم شرطية قوله: {فإن لم يكونا رجلين} [البقرة: آية 282]، فيكون نسخا.
قلت: لم ثبت إرادته منه، والنسخ إنما يتطرق إلى مقتضى الخطاب بعد ثبوته، ولو سلم
فنسخ لمفهومه، وهو غير مقطوع به، فيمتنع نسخه بخبر الواحد، ولو سلم فالخصم لم يقل به.
(ز) زيادة ركعة على ركعتين ليست نسخا، وإن كانت قبل التشهد، إذ ليست نسخا لوجوبهما، وإجزائهما لبقائهما، وزوال وصف كونهما كذلك - فقط - تابع لنفي وجوب غيرهما، ولا لوجوب التشهد عقيبهما، لأنه تابع كذلك، ولا لوجوب السلام عقيبه، لما سبق.
ومن جعلها نسخا لوجوب التشهد عقيبهما يلزم أن يقول به في كثير من الفروع.
وإذا أوجب في الطهارة غسل عضو آخر، لم يكن نسخا لها، إن قيل بعدمه في السابقة، وإلا: فنسخ عند الغزالي، خلافا لعبد الجبار، والفرق ما تقدم، ومأخذهم غير خاف مما تقدم.
(ج) اشتراط شرط أو زيادته، ليس نسخا لوجوب المشروط وصحته، لما سبق، فقوله عليه السلام:"الطواف بالبيت صلاة" ليس نسخا لقوله: {وليطوفوا بالبيت} [الحج: آية 29] وإن قيل بعدم صحته بدونها، ولا شرطية شرط سابق عليه، وهو ظاهر.
(ط) إيجاب الصوم إلى غيبوبة الشفق، ليس بنسخ لإيجاب صوم النهار، ونسخ له إذا قال:(إلى الليل) لأنه يزيل كون أوله ظرفا له، فلا يقبل فيه خبر الواحد، وهو: إنما يتجه لو كان مفهوم المقطوع مقطوعا، وليس هو كقوله:(صم صوما آخره أول الليل)، لأن دلالته على أنه ظرف لفظية.
تنبيه:
لو علم وجود المزال بها بالضرورة من دينه عليه السلام لم يقبل فيه خبر الواحد والقياس.