الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوابه: المراد منه أصول الديانات كما يقال: أصحاب الملل، أي أصحاب الأديان، ولقرينة قوله تعالى بعده:{وما كان من المشركين} [البقرة: آية 135]، ولا يقال: أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة: ملتان مختلفتان، مع اختلافهم في الفروع، ولأن شريعة إبراهيم قد اندرست فيمتنع الأمر باتباعها. وقوله تعالى:{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا} [الشورى: آية 13].
وجوابه: بعض ما سبق، ولأنه يقتضي اتحادهما في الوصية بإقامة الدين، وعدم التفرق فيه، وهو لا يدل على مطلوبكم.
للنافي:
حديث معاذ، ووجه التمسك به ظاهر. وعدم مراجعته إليه في أحكام الحوادث، لعدم نقله، مع توفر الدواعي إليه، وانتظاره لنزول الوحي، فيما يسأل عنه من الأحكام، و - حينئذ - يكون مؤخرا للبيان عن وقت الحاجة. وبأن القول به غض من منصبه ومناف لكون دعوته عامة، وكون شرعه ناسخا لما قبله من الشرائع.
ولأن تعبده بشرع من قبله من جميع الأحكام باطل قاطعا، أو بعض أحكامه، يعني أنه أوحي إليه، بمثل ما أوحي إلى من تقدمه، فهذا مسلم لكنه ينفي الملة، أو بمعنى أنه مأمور باتباع ما في شرعه، فهذا يقتضي أن لا يكون الشريعة منسوبة إليه على الإطلاق، بل بعضه، وهو خلاف الإجماع.
والمسألتان ظنيتان، والمختار في السابق: التوقف، وفي الثانية نفيه.
مسألة
الأصل في المنافع: الإذن، وفي المضار: الحظر، بعد ورود الشرع.
أما الأول: فلقوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة: آية 29] واللام للاختصاص بجهة الانتفاع، لقوله تعالى:{لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة:
آية 286]. وقال عليه السلام "النظرة الأولى لك، والثانية عليك"، وقال:"له غنمه وعليه غرمه"، ويقال: هذا لك، وهذا عليك.
فإن قلت: جاءت لغيره، كقوله تعالى:{وإن أسأتم فلها} [الإسراء: آية 7]، {لله ما في السموات وما في الأرض} [البقرة: آية 284]. ولأنه قيل: إنها للملك، أو للاحتصاص مطلقا، ثم لا عموم له فيحمل على الانتفاع بالاستدلال به على الصانع، ثم يعم النفع بالخلق، لأنه داخل عليه.
ولا نسلم أن الانتفاع بالخلق غير متصور، إذ يمكن الاستدلال به على وجود الصانع وكمال قدرته، وهو - وإن كان غير محسوس لكنه معقول. ثم إن حمل الخلق على المخلوق مجاز، ولا نسلم عدم مجاز آخر أولى منه.
ثم إنه قابل الجمع بالجمع، فيقتضي مقابلة الفرد بالفرد. ثم في للظرفية، فتختص بالمعادن والركاز، وكونها متناولة لما على وجه الأرض - مجازا - في قوله تعالى:{إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: آية 30] للضرورة، لا يقتضي حملها عليه، حيث لا ضرورة.
ثم إنه يدل على حال الخلق، ولا يمكن استصحاب الاختصاص لأنه عرض، فلا يبقى.
ثم إنه خطاب مشافهة فاختص بالحاضرين. ثم إنه معارض بقوله: {لله ما في السموات وما في
الأرض} [يونس: آية 55].
قلت:
إنه مجاز دفعا للاشتراك والترجيح، لكثرة الاستعمال فيما ذكرنا، ولأنا جعلناها حقيقة في الاختصاص النافع أمكن جعلها مجازا في مطلقه من غير عكس، أو - وإن أمكن - لكن عند التعارض الأول أولى. ودفع بأن جعلها حقيقة في مطلقه أولى، إذ التواطؤ خير من الاشتراك والمجاز، ثم هو موافق لكلام النحاة، وحمله على الاختصاص النافع: تقييد خلاف الأصل.
ولقائل أن يقول: لو جعلت لمطلقه فالعرض - أيضا - حاصل لأنه يقال: ثبت بالآية أن الخلق اختص بنا، وهو ليس على غير وجه الانتفاء إجماعا، فهو إذن به، و - حينئذ - يكون تقريره على ما ذكرناه مستدركا.
وعن (ب) أن جعلها حقيقة في الاختصاص أولى من الملك لأنه أعم، ولكثرة الاستعمال فيه.
وعن (ج) أنه يفيد المسمى، وهو لا يتحقق بدون فرد من أفراده، و - حينئذ - يعم، وإلا: لزم الفصل، وهو خلاف الإجماع، وحمله على غير الاستدلال أولى، لأنه حاصل بنفسه، واختلاف الانتفاع بسبب اختلافه - ممنوع - سلمناه، لكنه اختلاف غير نوعي، والحمل عليه أولى، لأنه أكثر فائدة.
وعن (د) أنه يجب حمل هلعيه، لتعذر حمله على حقيقته، كما سبق، والأصل عدم غيره.
وعن (هـ) بمنع أنه منه، بل هو كقولهم: الدار لزيد وعمرو، وذلك لا يقتضي اختصاص كل واحد بجزء معين، ثم إنه لما جاز الانتفاع بفرد منه جاز بغيره، وإلا: لزم خلاف
الإجماع.
وعن (و) بمنع أنه مجاز، سلمناه، لكن يجب حمله عليه تكثيرا للفائدة، ثم المطلوب حاصل منه، لما سبق من الإجماع.
وعن (ز) أن ذلك الاختصاص حكم شرعي، فهو واجب الدوام ثم إن الخلق لنا مطلقا، فيثبت الانتفاع كذلك، كما إذا قيل تثبت لك هذه الدار، ثم المطلوب حاصل، كما سبق، وعدم إمكان الاستصحاب - ممنوع - وسنده يعرف مما سبق.
وعن (ح) أنه لا قائل بالفصل، ولأن ما يقتضي تعميم كل خطاب مشافهة حاصل - هنا.
(ب) قوله تعالى: {أحل لكم الطيبات} [المائدة: آية 4]، أي: المستلذات وإلا: لزم التكرير. أنه لا يعم، لجواز العهد، والعموم مشروط بعدمه.
(ج) قوله تعالى: {قل من حرم زينة الله} [الأعراف: آية 32]، الآية، أنكر تحريم ذلك، ويلزم منه الإباحة، وهو مبني على أن المفرد - المضاف نعم، وأن الطيبات للعموم، ثم لا نسلم أنه يلزم من نفيه الإباحة.
(د) خلق الله الأعيان لحكمكة، لقوله تعالى:{أفحسبتم} [المؤمنون: آية 115] وقوله: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين} [الدخان: آية 38]، لأن العبث غير لائق به، وتلك الحكمة عود النفع إلى العبد المحتاج، لامتناع عودها إلى الله تعالى، وامتناع أن يكون إضرارا وفاقا، فيلزم الإذن، لأن لازم المطلوب مطلوب.
(هـ) أنه انتفاع لا ضرر فيه على المالك - قطعا - ولا على المنتفع - ظاهرا - فيجوز كالاستضاءة بنار غيره، والاستظلال بحائطه، خرج عنه المنهيات، لاشتماله عليه ظاهرا، وهو: العذاب عندنا - والقبح النفسي عندهم. وجوابه في أول الكتاب، غير آت - هنا.
لا يقال: منع المالك من الاستضاءة والاستظلال - قبيح، ومنعه تعالى عن الانتفاع ليس
كذلك وفاقا، وهو يدل على افتراقهما في الحكمة، لأن ذلك بسبب الحكم لا المحكوم فيه، بدليل أن منع الله تعالى من الاستضاءة والاستظلال - غير قبيح، وأكثر ما ينتفع به مباح في الشرع، فكذا هذا الفرد، إلحاقا له بالأعم والأغلب.
وأما الأصل الثاني: فلقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا إضرار في الإسلام". وهو: ألم القلب، يقال: أضر به، وأضره، إذا ضربه أو شتمه أو جرحه أو أهانه، أو فوت منفعته، فيجعل حقيقة في مشترك بينهما دفعا للاشتراك والمجاز، والألم مشترك، فيجعل حقيقة فيه، إذ الأصلعدم مشترك آخر.
ونعني بألم القلب: حالة تحصل عند الغم والحزن، فإنهما إذا حصلا انعصر دم القلب في الباطن بانعصاره، وانعصاره مؤلم.
فإن قلت: تفويت المنفعة مشترك - أيضا - وجعله حقيقة فيه أولى، لأنه مقابلة. ثم إنه معارض بما أن من خرق ثوب غيره، ولم يشعر به: يقال: أضر به، أضره، ولا غم ولا حزن.
وأيضا - أخبر الله تعالى أن عبادة الأصنام لا تضرهم، لقوله تعالى:{أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم} [الأنبياء: آية 66]. مع أنها تؤلم قلوبهم يوم القيامة.
ولأنه غير متبادر إلى الفهم عند سماعه.
قلت:
بمنع ذلك، إذ لا يوجد في صورة الشتم والإهانة، ثم إنه حاصل في البيع والهبة. ولا يقال: أضر به، وتوقيفه على شرط خلاف الأصل، على أن ذلك الشرط، أو عدمه من قبيل الحال، فينتقض بالهبة، ومقابلته به لا يضرنا، إذ النفع: هو اللذة، أو ما يكون وسيلة إليها، والضرر مقابلة.
وعن (ب) أن ذلك نظرا إلى وجود المقتضى له، وإن لم يوجد شرطه، وهو الشعور.
وعن (ج) أن الذي سلب عنه النفع والضر إنما هو الأصنام، والمؤلم عبادتها، فلم تدل على المطلوب، أو المراد نفي المضرة في الدنيا والإيلام في الآخرة.