الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا بعده.
[باب رفع اليدين عند الركوع والسجود]
لا خلاف بيننا وبين الشافعي في جواز الصلاة بالرفع وعدم الرفع فلو لم يرفع المصلي يديه في غير تكبيرة الافتتاح لا يقول الشافعي بفساد صلاته ولو رفع أحد يديه في الركوع بل في السجود أيضًا لم نقل بفساد صلاته إنما النزاع في أن الأولى بل هو عدم الرفع أو الرفع فاخترنا الأول واختاروا الثاني، والنزاع ههنا إنما هو في الرفع الذي هو قبل الركوع والذي هو بعد الركوع.
وأما رفع اليدين عند تكبيرة الافتتاح فلم تنكره وكذلك عدم الرفع بين السجدتين لم يثبتوه فنقول هذه الرواية التي ذكرها الترمذي في الباب لا يجدي نفعًا وهذه الرواية إنما كانت مفيدة لو كنا أنكرنا ثبوت الرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك بل الذي ننكره بقاء العمل علية حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلم فلو أثبتوا الرفع في آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم لكنا سلمنا على الرأس والعين ولعلمنا أن الصلاة بغير رفع اليدين لا تخلو عن نقص وشين، وأما إذا كان الأمر غير هذا قلنا في تسليم مقالتكم مقال ولتقديم روايات عدم الرفع مجال إذ مثبت الرفع يبني كلامه على ما عاينه في سابق الحال مع أن الاستصحاب ليس بحجة سيما وقد تعارضت الأقوال فهذا عبد الله بن مسعود حين قال ألا أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه الأول مرة مع ما روى (1) عنه البخاري رواية في الرفع أو ليس فعله هذا وقت ما صلى صلاة
(1) لم أظفر على رواية البخاري عن ابن مسعود في الرفع فمن ظفر عليه فليخبرنا نشكره ويظهر من الإرشاد الرضى أن كلام الشيخ هذا ليس باستدلال بنفسه بل هو مبني على كلام بعض منكري التقليد ونصه هكذا ((أور يه جويد مذهب إسماعيل كويلي هي لكها هي كه بخاري مين خود حضرت عبد الله بن مسعود كي رفع مين موجود هي تو يه ته سمجها كه يه خود حنفيه كي مؤيد هي كه جب رفع يدين بهي روايت كرت هين أور بهر فرمات هين: ((لم يرفع إلا في أول))، تو معلوم هواكه حديث رفع كي منسوخ هوكئي إلخ)) والظاهر أن إسماعيل المذكور توهم من أن البخاري في جزء رفع اليدين، استدل على جواز مطلق الرفع في الصلاة بحديث ابن مسعود في الرفع في القنوت ولا يكشف الغطاء إلا بعد رؤية كلام إسماعيل المذكور ولم أره بعد فالمحل محتاج إلى التفحص ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.
رسول الله صلى الله عليه وسلم بينة صدق على أنه قد بلغه النسخ وإلا فكيف يتصور منه ترك سنة كذا وهو مصرح بأنه يصلي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما قال بعضهم من أن ابن مسعود لعله لم يبلغه حديث الرفع كما لم يبلغه نسخ التطبيق فيرده رواية البخاري عنه أبين رد وينادي أعلى نداء بأن ابن مسعود مسعود رضي الله تعالى عنه بلغه الرفع ورفع الرفع فلذلك تركه كيف، وعبد الله بن مسعود هو عبد الله بن مسعود مع ما ثبت من كثرة وروده وأمه في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن الظان منهم كان يظن أنهما من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أليس بن مسعود هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت مؤمرًا أحدًا منهم من غير مشورة لأمرت ابن أم عبد أليس هو الذي قال فيه حذيفة بن اليمان حين سأله الناس فقالوا حدثنا بأقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم هديًا ودلاً فنأخذ عنه ونسمع منه فقال كان أقرب الناس هديًا ودلاً وسمتًا برسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود حتى يتوارى منا في بيته ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله زلفا، الحديث، بلفظ الترمذي (1) فهذا عبد الله بن مسعود يقول فيه أغمار زماننا هذا وإنزاله وسفلة هذا الدهر وأرذاله أن ابن مسعود كان لا يحسن يصلي ولا يعلم طريق الصلاة فكيف بغيرها جزاهم الله على مقالتهم هذه شر الجزاء وباعدهم عن هؤلاء الكرام الأتقياء يوم تأتي كل نفس بأعمالها وتبتلي في أحوالها وأهوالها وأية حجة لهم على أن ابن مسعود لم يبلغه حديث نسخ التطبيق فلعله فعل ذلك لئلا يظن
(1) أخرجه في مناقب ابن مسعود وقال حسن صحيح.
الجهلة كهؤلاء حرمته مع أن قياس رواية رفع اليدين على التطبيق في النسخ قياس مع فارق فإن دليل النسخ واضح في الرفع دون التطبيق وهو روايته الحديثين كليهما في الرفع ثم عمله (1) بعدم الرفع ولا كذلك التطبيق وكل ما استدل به الخصم على مرامه لا يضرنا شيئًا وكل ما استدل به علماؤنا لا يسعهم جواب عنه إذ غاية ما يلزم من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه قبل الركوع وبعده وقد عرفت أنا لا تنكره وهو لا يضرنا وما ذكره البخاري من روايات الرفع فصحتها مسلمة فكان لا يلزم من ذلك كونها معمولاً بها فقد روى البخاري في صحيحه من روايات مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث روايات: رواية ستين وخمس وستين وثلاث وستين والثلاثة صحيحة لكن لا يلزم منها صدقها فإن الصادقة منها واحدة قط وبذلك عرفت أن الحنفية يثبتون الإرسال عند الركوع وغيره، والشافعية ينكرونه والمثبت مقدم على النافي كما عرفت واندفع بذلك ما قيل أن الرفع وجودي وعدم الرفع عدمي محض فكيف يرفع الوجود وذلك لأن الرفع وإن كان وجودًا لكن عدم الرفع ليس عدمًا محضًا وإنما هو عدم ثابت فكان في حكم الوجود وما عدوا من الصحابة فيمن لم يرفع دال على أنهم قد بلغهم نسخه وإلا فلما لم يك في رفع النبي صلى الله عليه وسلم إنكار نكير فأي معنى لعدم رفع من لم يرفع فكان الذي يرى عدم الرفع أو يرويه مثبت أمر زائد إذًا لكل متفق على الرفع ثم الكلام إنما هو في بقاء ذلك الرفع ورفعه فمن أثبت رفع الرفع أثبت أمرًا زائدًا على الأصل فوجب القول بقبوله كما هو المقرر عندهم كيف وقد ثبت النسخ باتفاق بيننا وبينهم في جنس ذلك الحكم وهو الرفع بين السجدتين، وما قالوا من أن حديث الرفع بين السجدتين ضعيف فضعيف لما قد ثبت أن ابن طاؤس كان يرفع بين السجدتين ويستند بأن أباه طاؤسًا كان يفعله فأي بعد في أن نسخ الرفع بين السجدتين كما لم يبلغ طاؤسًا (2) وابنه مع ثبوته، كذلك لم يبلغ نسخ الرفعين الباقيين هؤلاء الذين
(1) هكذا في الأصل والصواب في الرفع وعدمه ثم عمله إلخ.
(2)
وغيرهما أيضًا قال النيموي: إليه ذهب بعض أهل العلم من الصحابة والتابعين وغيرهم خلافًا للجمهور أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يرفعان أيديهما بين السجدتين وأخرج أيضًا عن نافع طاؤس يرفعان أيديهما بين السجدتين، وفي جزء رفع اليدين للبخاري عن الربيع رأيت الحسن ومجاهدًا وعطاءًا وطاؤسًا وقيس بن سعد والحسن بن مسلم يرفعون أيديهم إذا ركعوا وإذا سجدوا، قال عبد الرحمن بن مهدي: هذا من السنة، انتهى.
استدللتم برواياتهم وعملهم فكم من أمر شاع بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغهم نسخه ثم لما تفحصوا حين أخبرهم أصغرهم بنسخه وتفتشوا عنه تركوه.
وأما قول ابن المبارك (1) لم يثبت حديث ابن مسعود فقول من غير حجة وبرهان من قبيل التخمين لا الإذعان وأنت تعلم أن الجرح المبهم ليس مما يقبل يشير إلى ذلك تحسين الترمذي حديث ابن مسعود فيما بعد ورجال حديث ابن مسعود رجال الصحيح كلهم إلا عاصم بن كليب فقد تكلم فيه بعضهم مع أن أكثرهم لم يقبلوه عليه كف وقد روى عنه البخاري في جزء القراءة (2) ومسلم في صحيحه والأربعة في سننهم فلو تنزلنا لقلنا بحسن حديثه وإلا فحديثه صيحح من غير ريب ولا رجم غيب، وقد صححه ابن عدي (3) في كامله، ومن أقوى ما استدلوا به على الرفع ما رواه ابن عمر عن
(1) وحقق النيموي أن لابن مسعود حديثين أحدهما هذا مروي من فعله، والثاني مرفوعًا وإنكار ابن المبارك متعلق بالثاني لا الأول، وقال ابن دقيق العيد أن عدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع من النظر فيه وهو يدور على عاصم بن كليب وقد وثقه ابن معين، انتهى.
(2)
قلت: وفي الصحيح أيضًا تعليقًا قال النسائي وابن معين ثقة، فال أبو داؤد وكان أفضل أهل الكوفة، وقال ابن سعد: كان ثقة يحتج به، وكذا وثقه غير واحد من أهل الفن.
(3)
وابن حزم في المحلي، وكذا صححه غير واحد كما بسط في الأوجز وآثار السنن.
النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الرفع ثم قال ما زالت (1) تلك صلاته حتى مات أو ليس يكفي في إثبات أن قول ابن عمر هذا مبني على الاستصحاب ما رواه مجاهد (2) كما رواه (3) العيني في شرح الصحيح كنت في خدمته زمانًا فلم أره يرفع يديه فلو كان الرفع عن ابن عمر ثابتًا غير منسوخ لما تركه ابن عمر، أو لم يروا أن دليلهم هذا (4) مفيد لنا مع ما فيما ذهب إليه الإمام من الاحتياط لأن رفع اليدين على تقدير نسخه يكون عملاً بالمنسوخ وعدم الرفع على تقدير استحبابه يكون ترك أدب وإحداث بدعة أشنع من ترك أدب، وفي ذلك كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد وأسأل الله المزيد من فضله المديد وكرمه البعيد إنه على كل شيء قدير وبإجابة الداعين جدير.
قوله [صلى الله عليه وسلم فقد تم ركوعه وقد تم سجوده] أي ما فرض عليه وما سن له فهذا التمام تمام كفاية لا تمام نهاية حتى لا يجوز الزيادة عليه ولا تمام بداية حتى لا يكفي دونه.
قوله [لكي يدرك من خلفه ثلاث تسييحات] ليس المراد بذلك أن من خلفه لما كانوا يركعون ويسجدون بعده كان هذا المقدار من الزمان ضائعًا منهم فإن سبح
(1) أثبت التيموي أن الحديث بهذه الزيادة ضعيف بل موضوع على أنا لم نجد في البيهقي لا المكتوبة ولا المطبوعة هذه الزيادة فالظاهر أنه وهم من الناقل، توجد هذه الزيادة في حديث أبي هريرة في التكبير فحكاه بعضهم وهمًا في حديث ابن عمر في الرفع.
(2)
وبسط النيموي على تصحيح أثر مجاهد فأرجع إليه.
(3)
ونص ما حكاه العيني برواية ابن أبي شيبة عن مجاهد قال ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح، انتهى، فما حكاه الشيخ رواية بالمعنى مع بيان حاله من طول قيامه عنده.
(4)
أي رواية ابن عمر المرفوعة مع تركه العمل بها.
الإمام خمسًا سبح من خلفه ثلاثًا إذ يرد على ذلك أنهم كما كانوا يركعون بعد الإمام يرفعون عنه أيضًا بعده فهذا بذاك فأين الضياع حتى يضطر إلى زيادة تسييحات الإمام بل المراد بذلك أن أحوال المقتدين لما كانت مختلفة في كيفية القراءة فمنهم سريع حركة اللسان يسبح تسبيحة والإمام لم يتم تسبيحته، ومنهم على خلاف ذلك لا يسبح تسبيحة إلا والإمام سبح تسبيحتين فلذلك لو سبح الإمام خمس تسبيحات كان المقتدون أتموا تسبيحاتهم الثلاثة كلهم أجمعون ولم يبق منهم أحد كان تسبيحة أقل من الثلاث العدد المسنون وهذا الوجه لا يخفى لطافته وحسنه إلا أنه يمكن توجيه:
الوجه الأول أيضًا بما هو غير جدير بالعرض وهو أن الإمام حين انحنى إلى الركوع أو السجود وجب متابعته في رفض القيام بفور سماع تكبيره إلا أن الوصول إلى هيئة الركوع والسجود يكون بعد ذلك بزمان لا سيما على الضعفاء والمرضى والذين يمنعهم الازدحام وغير ذلك من المعية الزمانية بالإمام فلما كان وصولهم ثمة بعد زمان كان الإمام قد فرغ من تسبيحة أو أكثر منها في ذلك الزمان وهكذا التفاوت في وصولهم إلى هيئة القيام إذا رفعوا رؤوسهم من الركوع والسجود فأما رفع الرأس فيكون متصلاً بسماع تكبيرة الإمام غير متراخ عنه فأما بعد الرفع فليسوا في سعة من أن يسبحوا وإن كان وصولهم إلى القيام لم يحصل بعد والله الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل.
قوله [ما أتى على آية رحمة] وكونه عليه الصلاة والسلام أخف الناس صلاة في الجماعة يخصصه بالنوافل (1) وبصلاته لنفسه.
قوله [إلا وقف وسأل] هذا عندنا على النوافل جمعًا للأدلة التي وردت في التخفيف في الفرائض من ذلك ما سبق أنه صلى الله عليه وسلم كان أخف الناس صلاة في تمام ومن ذلك ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير
(1) قلت: وظاهر ما في قيام الليل أنها كانت في رمضان فصلى بعد العشاء إلى الصبح أربع ركعات.