الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على سهل فغير مضر، إذ الموقوف منه في حكم المرفوع لكونه مما لا يمكن علمه إلا بإعلامه.
قوله
[باب خروج النساء]
ذكر هذين البابين ههنا، هذا والذي بعده غلط من الكتاب أو سهو من المؤلف ولا وجه لا يراده ههنا، وأما لو أريد إبداء المناسبة بينهما حسب ما يكون في أبواب البخاري ورواياته فالمناسبات أكثر من أن تحصى لكنها غير مناسب.
قوله [فقال ابنه والله لا نأذنه يتخذنه دغلا] أي حيلة للفساد، واختلفت في اسم ابنه هذا فقيل: واقد، وقيل: بلال، وإنكاره هذا لم يكن إنكارًا على قوله صلى الله عليه وسلم ومقابلة لأمره، وإنما قال ذلك تأويلاً بما ورد من نهيهن عن الخروج وبما قالت عائشة وغيرها من الأصحاب، لكنه لما أخرج كلامه في مخرج الإنكار والاعتراض غضب عليه ابن ع مر لإساءته الأدب في حضرة الرسالة عليه صلوات الله وسلامه، ما غرد (1) طائر الأيك وحمامه، ومعنى قوله: فعل الله بك أي كذا وكذا، أو فعل بك ما تستحقه إلى غير ذلك.
قوله
[باب في كراهة البزاق في المسجد]
.
قيل هذا لتعظيم المسجد وقيل بل لكراهته في طبائع الناس فيتأذون به ولا يبعد أن يكون النهي لهما جميعًا، وأما كراهية البصاق يمينه وقبله فلتعظيم الملك والقبلة أو لشرف اليمين وظاهر مواجهة الرب، وفي جانب اليسار أيضًا، وإن كان الملك لكنه يجوز له أن يبصق بنية الشيطان الذي ثمة لا الملك، وهذا الحديث بعمومه شامل للمسجد وغيره فيظهر مناسبته (2)
للباب، قوله [ولكن
(1) قال المجد: غرد الطائر كفرح، وغرد وتغريدًا، وأغرد وتغرد رفع صوته وطرب به فهو غرد، والأيك الشجرة الملتف الكثير أو الغيضة تنبت السدر والأراك والجماعة من كل شجر.
(2)
أو المناسبة بأن ظاهر حال المصلي كامل الصلاة أن لا يصلي إلا في المسجد أي الفرائض وهي الصلاة الكاملة.
خلفك] هذا لا يبعد في الركوع والسجود وفي القيام أيضًا، إذا لم يتحول صدره عن جانب القبلة أو يأخذه بيده ثم يرميه خلفه.
قوله [وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس] علم ابن عباس بسجود الجن لما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأما سجود المشركين فقال بعضهم كان الشيطان أجرى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم كلمات فرح المشركون بسماعها فسجدوا معه حين سمعوه قرأ آية وسجد وطمعوا فيه أن يعود وهي ((تلك (1) الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي)) وهذا الجواب والوجه غلط محض لا ينبغي التعويل عليه، وإن صدر عن القوم الذين يشار إليهم بالبنان لكنه خلاف صريح، وقال بعضهم وهو أخف من الأول إن الشيطان تمثل بصورة النبي صلى الله عليه وسلم ونادى بهذه الكلمات فسمعها المشركون والمسلمون ففرحوا به وشجنوا (2) وهذا أيضًا خلاف، وقال بعضهم: ولا بعد فيه لو ثبت أن الشيطان نفخ هذه الكلمات في آدان أوليائه فكان ما كان، والحق (3) في التوجيه لسجدة المشركين أن جلاله تعالى
(1) بسط الحافظ الكلام على القصة في الفتح ولخصه الشيخ في البذل، وبعد ذكر الوجوه المختلفة، رجح قول من قال أنه صلى الله عليه وسلم كان يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيًا نغمته بحيث سمعه من دنى إليه فظنها من قوله وأشاعها، ورد البيضاوي هذا الاحتمال أيضًا.
(2)
الشجن محركة الهم والحزن لف ونشر غير مرتب، ففرح المسلمون وشجن المشركون.
(3)
وهكذا أفاده شيخ مشايخنا الدهلوي في حجة الله البالغة إذ قال: وتوجيه الحديث عندي أن في ذلك الوقت ظهر الحق ظهورًا بينًا فلم يكن لأحد إلا الخضوع والاستسلام فلما رجعوا إلى طبيعتهم كفر من كفر، وأسلم من أسلم، ولم يقبل شيخ من قريش تلك الغاشية الإلهية لقوة الختم على قلبه إلا بأن رفع التراب إلى الجهة فعجل تعذيبه بأن قتل ببدر.
وكبرياءه حين قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم عم أطراف العالم وأحاط أكنافه حتى لم يبق في العالم مؤمن ولا مشرك إلا سجد بسجود النبي صلى الله عليه وسلم وكان هذا من معجزاته، ومعنى آية الكتاب {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} ليست على ما فسره في الجلالين (1) مستعينًا بالرواية التي أظهرنا لك حالها، بل المعنى (2) ما من نبي إلا إذا قرأ خلط الشيطان بقراءته كلمات من عنده فنبه إلى النبي والرسول وألقاها في قراءته، وهذا المراد بالإلقاء لا ما قالوا، وقد فسر البيضاوي (3) هذه الآية بما يغاير تفسيرنا وتفسير
(1) إذ قال إلا إذا تمنى أي قرأ ألقى الشيطان في أمنيته أي قراءته ما ليس القرآن مما يرضاه المرسل إليهم، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش بعد {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} بإلقاء الشيطان على لسانه صلى الله عليه وسلم من غير علمه صلى الله عليه وسلم «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي» ففرحوا بذلك ثم أخبره جبرائيل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك فحزن فسلى بهذه الآية ليطمئن، انتهى، وبسط الكلام عليه صاحب الجمل فأرجع إليه.
(2)
وتقدم قريبًا أن الحافظ وغيره من المحققين رجحوا هذا المعنى، لكن البيضاوي رده أيضًا.
(3)
إذ قال: إلا إذا تمنى أي إذا زور في نفسه ما يهواه، ألقى الشيطان في أمنيته أي في تشهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم: وإنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم سبعين مرة، فينسخ الله ما يلقي الشيطان فيبطله ويذهب به بعصمة من الركون إليه والإرشاد إلى ما يزيحه ثم يحكم الله آياته، أي ثم يثبت آياته الداعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة. قيل: حدث نفسه بزوال المسكنة فنزلت، وقيل تمنى لحرصه على إيمان قومه أن ينزل عليه ما يقربهم، ثم ذكر قصة الغرانيق ثم ردها.
الجلالين، وفي تفسيره نوع من البعد أيضًا.
قوله [قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها] تشعبت بذلك الحديث مذاهب قال بعضهم (1) كل سجدة في القرآن ليست على العزيمة بل على الاختيار، ولذلك لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: ليس الحكم في كل سجدة إنما هو في سجدة النجم (2) لما ذكرنا من الحديث، وقال بعضهم (3) كل سجدة في القرآن فحكمها أنها تجب على المأموم والسامع إذا وجبت على الإمام والتالي، وأما إذ لا فلا، فلما لم تجب على زيد بن ثابت لعدم بلوغه (4) لم تجب على النبي عليه السلام فلم يسجد، وقيل بل الوجه (5) أنه لا تجب السجدة على الفور
(1) به قالت الأئمة الثلاثة غير الحنفية.
(2)
لم أجد بعد من قال سجدة النجم على الاختيار، نعم المذهب الخامس من اثني عشر مذهبًا التي ذكرت في الأوجز، مذهب من قال إن في القرآن أربع عشرة سجدة ليست منها سجدة النجم، وهو قول أبي ثور، وحكى العيني عن جماعة أنهم لم يروا سجدة في النجم.
(3)
ذكره الترمذي بطريق التأويل عن بعض أهل العلم وأشار إليه أبو داؤد وفي سننه، وقال النخعي إذا لم يسجد التالي لم يسجد السامع كما في الأوجز، وبه قالت الحنابلة كما في نيل المآرب.
(4)
أي لصغره فإنه كان عند قدومه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ابن إحدى عشرة سنة كما في تهذيب الحافظ.
(5)
وبه قالت الحنفية إن السجود واجب لكنه ليس على الفور.
فلم يسجد صلى الله عليه وسلم لذلك ولعله لا يكون على طهارة. وهذا هو الجواب عما قال غيرنا (1)[واحتجوا بحديث عمر] لما كان في الاحتجاج الأول شبهة اختصاص ذلك الحكم بسجدة النجم خاصة، ومقصود المستدل إثبات الاختيار في سائر السجدات أورد الدليل على مرامه بحيث يثبت مدعاه الذي أراد إثباته فقال: إنه قرأ سجدة على المنبر بتنكير السجدة، والجواب أما أولاً فبأن ثبوت ذلك العام لا يكون إلا في ضمن خاص فلم يثبت ما أراد إثباته من الاختيار في أمر السجود وإلا في تلك السجدة التي اقترأها عمر رضي الله عنه خاصة، لا في كل سجدة من سجود القرآن، نعم لو قال بلسانه لفظًا يفهم منه الاختيار في الكل لكان له وجه، وظاهر قوله: ثم قرأها في الجمعة الثانية أنها هي المقروءة في الجمعة الأولى، ولو ثبت أنها غيرها لم يثبت بذلك أيضًا مرامهم لما أن العائد حينئذ يرجع على المتلوة في الجمعة الثانية فلم يثبت الاختيار إلا فيها، ولقائل أن يقول: لا فرق بين سجدات القرآن في أنها واجبة عند بعضهم وغير واجبة عند بعضهم، فمن قال بوجوبها قال بوجوبها في الكل، ومن لم يقل بوجوبها، لم يقل بوجوبها في شيء منها، وعلى
(1) أي قال غير الحنفية يعني هذا هو الجواب عن الروايات التي أوردها غير الحنفية في مستدلهم من الروايات التي ذكرت فيها عدم السجود ثم لا يذهب عليك أن الشيخ ذكر في تشعب مذاهب الحديث أكثر مما ذكره الترمذي وكلام الترمذي ههنا فيه شيء من الخفاء، وحاصله أنه ذكر ثلاثة مذاهب: الأول ما ذكر من قوله: تأويل بعض أهل العلم، والثاني ما ذكر من قوله: وقالوا السجدة واجبة فهذا كلام مستأنف، والضمير إلى أهل العلم وهو مذهب الحنفية، إنهم قالوا السجدة واجبة وإن لم يكن السامع على ضوء فيسجد بعد الوضوء، والثالث ما ذكره من قوله: وقال بعض أهل العلم وذكر مستدل هذا القول إلى آخر الباب.
هذا إذا ثبت الاختيار في شيء من السجود لزم الاختيار في سائرها، إلا أن يقال لم ينعقد الإجماع على ذلك النفي والإثبات بل من المذاهب ما هو بخلاف المذهبين كما أشرنا إليه في الباب الذي (1) قبل هذا، والحق أن الجواب عما فعله عمر لا يتمشى على هذا الوجه الذي ساقه القائل، وأما ثانيًا فبأن معنى لم تكتب علينا إلا أن نشاء أداءه على الفور لا مطلق الأداء، وكذلك قوله: فلم يسجد ولم يسجدوا أي في مجلسه هذا وفي مجلسهم هذا.
وقوله [وليست من عزائم السجود] أي من مؤكدات السجود، وهذا لا ينفي (2) وجوبه ولا ينافيه إذ المعنى أنه ليس مما ورد الأمر بسجوده آية أو رواية وإن كان واجبًا أن يسجد بسجود النبي صلى الله عليه وسلم أو بسجود داؤد عليه السلام
(1) أي كما أشار إليه في القول السابق من أن بعضهم لم يقولوا بسجدة النجم، وهذا معروف أن الأئمة وغيرهم اختلفوا فيما بينهم في سجدات التلاوة حتى ذكر في الأوجز اثنا عشر مذهبًا لهم، والأئمة الأربعة أيضًا مختلفة فيما بينهم، فمذهب مالك في ظاهر الرواية عنه المشهور عندهم إحدى عشرة ليست في المفصل منها شيء وبه قال الشافعي في القديم، ومشهور قولي الشافعي أنها أربع عشرة ليست منها سجدة ص وهي رواية لأحمد، والمشهور عنه في الشروح أنها خمس عشرة منها ص وثنتا الحج، والبسط في الأوجز، وسيأتي شيء من اختلاف السلف في عزائم السجود.
(2)
على أنهم اختلفوا في عزائم السجود جدًا فقيل: إن العزائم خمس الأعراف وبنو إسرائيل والنجم والانشقاق واقرأ وهو قول ابن مسعود وقيل: أربع، ألم تنزيل وحم تنزيل والنجم واقرأ وهو مروي عن علي، وقيل ثلاث وقيل غير ذلك كما في الأوجز، وعلى هذا فلا يشكل قول من قال أن ص ليست من عزائم السجود على القائلين بوجوبها كما لا يخفى.
ولو سلم فليس هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم لكنه يرد عليه أن مثل هذا مما لم يوقف عليه إلا بإخباره صلى الله عليه وسلم فكان غير المرفوع منه في حكم المرفوع لكنه يمكن الجواب عن ذلك بأن ابن عباس لعله استنبط عدم وجوبه بما يمكن حمله على معنى آخر غير ما فهمه، ولعله (1) استدل بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تلاها فلم يسجد على فوره فظن أنها ليست بسجدة ثم رآه ثانيًا قرأها فسجد على الفور فظن أنها سجدة، إلا أنها ليست من عزائم السجود، بل الأمر على اختيار منه إن شاء سجدها وإن شاء لم يسجدها، ومثل هذا الجواب يمكن سوقه في حديث عمر الذي أجبنا عنه فيما سبق بوجهين.
قوله [وقال بعضهم إنها توبة نبي] هذا أيضًا لا ينافي كونها سجدة فإن السجدة إنما تثبت بسجود النبي صلى الله عليه وسلم في موضع من القرآن ما كان من شيء، فإن داؤد عليه السلام لما قبل توبة سجد شكرًا ونحن نسجدها لقوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} وأما قول الأحناف (2) في سجدة الحج الثانية فلا يقبله الطبع إذ لا جواب عما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب من قال: فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما، وما قالوا بأن الحديث ضعيف كما أقر به المؤلف أيضًا فضعفه منجبر لأنها رويت بأوجه ثلاثة، وأجمعوا على أن الضعيف يبلغ بذلك درجة الحسن (3) ولعلهم احتاطوا لئلا
(1) ويحتمل أنه استنبط بما روى عنه النسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص فقال سجدها داؤد توبة ونسجدها شكرًا، فلعله زعم أن كونه سجود شكر ينافي العزيمة لأنه لم يعزم من سجدات الشكر شيء فتأمل، وبسط في الأوجز دلائل السجود فيها.
(2)
يعني قولهم أن في سورة الحج سجدة واحدة فقط وهي الأولى منهما.
(3)
قلت: إلا أن أمر الوجوب أهم، وقد قال ابن حزم: ثانية الحج لا نقول بها أصلاً ولا تبطل بها الصلاة، يعني إذا سجدت، لأنها لم تصح بها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجمع عليها، وإنما جاء فيه أثر مرسل، وقال ابن عباس والنخعي: ليس في الحج إلا سجدة واحدة، وفي البرهان مذهبنا مروي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: سجدة التلاوة في الحج هي الأولى والثانية سجدة الصلاة، انتهى.