الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متحدة إذ لم يكسف الشمس في المدينة بعهده إلا مرة، وأما في مكة فلم يكن اقتداء ولا اجتماع بهذا القدر حتى يصلي بجماعة.
قوله [وقد اختلفت أهل العلم في القراءة (1) في صلاة الكسوف] وقد عرفت وجه الاختلاف، وقد أغنانا الرواية التي قدمناها عن سمرة عن الجواب منها [وهذا عند أهل العلم جائز على قدر الكسوف] ليت شعري من أين أثبتوا ذلك حتى يقال بجوازه، إذ الكسوف لما لم يقع إلا مرة، ولا يمكن حمل روايات الست والأربع والركعتين على فعله إذ ليس فعله فيه إلا واحدًا لم يجز العمل إلا بإحدى هذه الروايات لا أن يكون مخيرًا بين كل من ذلك.
قوله [يصلي صلاة الكسوف في جماعة في كسوف الشمس والقمر] ووجه ذلك أن كسوف الشمس لما ثبتت جماعته صلى الله عليه وسلم فيه ثبتت جماعة فيه أيضًا، قلنا جماعة النفل مكروهة إلا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عنه في خسوف القمر جماعة، فبقى غير مستخرج عن عموم النهي، قوله [عن سمرة بن جندب] هذه هي الرواية التي أخذنا بها في عدد الركوع وهي ههنا مذكورة بطريقها التي ذكرنا، وقد قبلها (2) الشافعي ولم يأخذ بقول عائشة.
[باب ما جاء في صلاة الخوف]
.
اعلم أولاً أن صلاة الخوف وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدة طرق رويت في أحاديث
(1) قال الإمام أبو حنيفة بالسر وأبو يوسف وأحمد بالجهر وعن محمد روايتان، قال النووي: مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والليث بن سعد وجمهور الفقهاء أنه يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر فما حكاه النووي عن مالك هو المشهور عنه، قال المازري: ما حكاه الترمذي عن مالك من الأسرار رواية شاذة، كذا في الأوجز مختصرًا عنه.
(2)
أي قبلها في حكم القراءة ولم يقبلها في عدد الركعات.
حسان أو صحاح، ويبلغ عدد صورها المذكور في الأحاديث إلى خمس (1) عشرين وثانيًا أن كل صورها (2) جائز عند جميع الأئمة، وإنما خلاف في الاختيار وإن أيها أولى أن الإمام أبا حنيفة (3) أنكر جواز صورتين وعدهما من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم، إحداهما ما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين فكانت له أربع ولكل منها اثنتان ففي هذه الصورة تلزم صورة المفترض خلف المتنقل فلم يجوزها الإمام لغير النبي صلى الله عليه وسلم وثانيتهما ما ورد أنه صلى بكل
(1) قال ابن العربي: في القبس جاء أنه صلى الله عليه وسلم صلاها أربعًا وعشرين مرة أصحها ست عشرة رواية مختلفة ولم يبينها، وبينها العراقي في شرح الترمذي، والبسط في الأوجز.
(2)
قال الشوكاني: قد أخذ بكل نوع من أنواع صلاة الخوف الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من أهل العلم، وقال البيهقي: ذهب أحمد بن حنبل وجماعة من أهل الحديث إلى أن كل حديث ورد في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز، وحكى الحافظ عن أحمد قال: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز، والبسط في الأوجز.
(3)
لم ينفرد الإمام في إنكارها، أما الأولى فلم يقل بها إلا من قال بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل ولذا عدها ابن العربي من الغرائب، وأما الثانية فلم يقل بها أحد من الأئمة الأربعة، قال البيهقي: قال الشافعي روى حديث لا يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة ركعة ثم سلموا، الحديث، وإنما تركناه لأن جميع الأحاديث في صلاة الخوف مجتمعة على أن على المأمومين من عدد ركعات الصلاة ما على الإمام وكذلك أصل فرض الصلاة على الناس واحد، انتهى، قلت: وبسطه في البحث الخامس من الأبحاث التي ذكرت في خوف الأوجز وصرح فيه بأن الأئمة الأربعة والجمهور متفقة على أن الحديث لو صح مؤول.
طائفة (1) ركعة فهذه الصورة أيضًا مؤولة عند الإمام بأن صلاتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم كانت هذه فحسب، لا أن كل صلاتهم كانت ركعة فحسب، وأما إذا لم يتأول هذا التأويل وكانت على ظاهرها من كونها ركعة فحسب، كانت هذه الصورة أيضًا من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم وليست بجائزة لغير النبي صلى الله عليه وسلم، وثالثًا أنهم اتفقوا قاطبة على جواز صلاة الخوف عند الخوف وشرعيتها لغير النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم تقوم الساعة إلا أبا يوسف (2) فإنه أنكر شرعيتها لغير النبي صلى الله عليه وسلم وعدها من خصوصياته، ولم يأخذ بقول أبي يوسف في ذلك أحد من الفقهاء (3) كيف وقد عملت الصحابة بذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وصلوا صلاة الخوف فهل خفى خصوصه على هؤلاء العصابة كافة حتى لم ينكر عليهم أحد منهم واجتمعوا على أمر غير مشروع ولم يبالغوا في تحقيق لجواز صلاتهم المفروضة، ورابعًا أن الترمذي أشار في كتابه هذا إلى شرعيتها ولم يقصد إحصاء صورها، والثابت في الأحاديث الواردة ههنا صور ثلاث إحداها ما أشار إليها بحديث ابن عمر وثانيتها بحديث سهل وثالثتها بقوله في آخر الباب وروى إلخ، وقوله [والطائفة الأخرى مواجهة العدو] في مواجهتهم العدو وأربعة شقوق ممكنة كون العدو أمامهم (4)
(1) فكانت للقوم ركعة وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان، كذلك رواه زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في أبو داؤد.
(2)
أي في إحدى الروايتين عنه المشهورة، وبذلك قال صاحبه الحسن بن زياد اللؤلؤي وإبراهيم بن علية والمزني من الشافعية كما بسط في الأوجز.
(3)
أي المشهورين وإلا فقد عرفت بعض من قال بقوله.
(4)
أي إمام الطائفة الأولى التي مع الإمام، وأما الطائفة الأخرى فلا يكون العدو إلا أمامهم وإلا فلا فائدة في التفريق، وحاصل كلام الشيخ أن العدو في حديث الباب محتمل كونه في كل جهة إلا أن الظاهر من لفظ الحديث كونه في غير جهة القبلة.
بينهم وبين القبلة وخلفهم يمينهم ويسارهم، لكن بعض الألفاظ وهو لفظ الطائفة الأخرى، وجاء وانصرف خصص المواجهة بكونهم في غير جهة القبلة، فإنه لو كان العدو أمامهم لم يكن لتخصيص الطائفة بكونهم في مواجهة العدو وجه إذ الكل مواجه للعدو على هذا التقرير، إلا أن يقال: وجه تخصيصهم بذلك كونهم مقابلين للعدو وقت سجود الطائفة الأولى، وجاء وانصرف، إطلاقه محتمل لتقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، فعلى هذا لا يكون تخصيص لجهة من الجهات الأربع في كون العدو فيها أو عدم كونه، وأيًا ما كان فمراد ذلك الحديث إلى قوله: فقام هؤلاء فقضوا ركعتهم موافق لما اختاره الأحناف وبسطوه في كتبهم، وأما هذا اللفظ فموافق لمرامهم على احتمال وغير موافق له على احتمال، فإن المفهوم من لفظ الحديث ليس إلا أن هؤلاء قضوا ركعتهم وهؤلاء ركعتهم، وهذا بعد ما سلم الإمام، وأما أن قضاء الطائفتين هل وقع في وقت واحد؟ أو الطائفة الأولى قضت صلاتها أولاً ثم الأخرى؟ فغير مبين ولا معين، فإن الواو لمطلق الجمع، ولا يفهم منه تقديم شيء ولا تأخيره، فإن كان معنى الحديث أنهم قضوا صلاتهم معًا لم يكن على وفق ما اختاروه، وإن كان المراد أن الطائفة الأولى قضت صلاتها أولاً، كان موافق (1) مرادهم، وإن كان المراد أن الطائفة الأخرى قضت صلاتها أولاً كان خلافًا أيضًا، مع أن الصورة الثانية مرجحة على الأولى والثالثة، إذ شرعية صلاة الخوف لطلب الطمأنينة حال
(1) وهو الأوجه، وإن كان ظاهر اللفظ يؤيد الأول، قال الحافظ لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا، وظاهره أنهم أتموا في حالة واحدة، ويحتمل أنهم اتموا على التعاقب، وهو الراجح من حيث المعنى وإلا لزم ضياع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده، ويرجحه ما رواه أبو داؤد عن ابن مسعود ففيه أداء كل من الطائفتين على التعاقب. انتهى، كذا في الأوجز.
الصلاة، فإنهم لو اشتغلوا في الصلاة معًا كانت الطمأنينة معدومة، ولا كذلك إذا صلى طائفة مبهم والأخرى مواجهة العدو، فإنه على اطمئنان في صلاتهم ولا يحصل الاطمئنان إذ قضى كل من الطائفتين ركعتهم إذا قضاها الثانية. وأما الثالثة (1) ففيها فراغ اللاحق قبل فراغ السابق، ولا عهد (2) لنا به في الشرع، ولا يلزم شيء من هذين فيما اخترناه من الصورة فإن القاضية ركعتها أولاً أولى الطائفتين التي كبرت التحريمة مع الإمام، والقاضية الثانية التي هي مسبوقة بركعة وفيها غير ذلك أيضًا من مراعاة (3) الأمور التي هي ملائمة للصلاة، والتي هي غير ملائمة لها وجودًا وعدمًا.
قوله [وفي الباب عن جابر وحذيفة وزيد بن ثابت إلخ] ليس المراد تعين الصورة المذكورة أولاً، إنما المراد أن روايتهم في صلاة الخوف على أي صورة كانت ثابتة، قوله [ما أعلم في هذا الباب إلا حديثًا (4) صحيحًا] يعني أن ما ورد فيه من الروايات فهو صحيح لا ضعف فيها، فأي وجه لترجيح صورة ما على باقي الصور لحال الإسناد، وأما نحن، فقد اخترنا الصورة السابقة لئلا يلزم شيء
(1) أي أما الصورة الثالثة، وهي أن الطائفة الأخرى قضت صلاتها أولاً.
(2)
ولا يوافقه اللفظ أيضًا بخلاف الصورة الأولى فإنه ممكن لظاهر اللفظ.
(3)
أي في الصورة الأولى توجد وجوه الترجيح غير ذلك أيضًا، وهي مراعاة أمور الصلاة.
(4)
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله [أي الإمام أحمد] تقول بالأحاديث كلها أو تختار واحدًا منها، قال: أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن، وأما حديث سهل فأختاره، انتهى، ثم لا يذهب عليك أن ما حكى الإمام الترمذي من موافقة مالك الشافعي قول مرجوع للإمام مالك، والذي رجع إليه أن الإمام يسلم منفردًا ولا ينتظر فراغ الطائفة الثانية، نعم قال به الشافعية أن الإمام يثبت جالسًا حتى يفرغوا فيسلم بهم، كذا في الأوجز.
من منافيات الصلاة كتقدم فراغ المأموم على الإمام في أركان الصلاة، وانتظار الإمام المأمومين إلى غير ذلك، قوله [لسنا نختار حديث سهل إلخ] حاصل اعتراض إسحاق على صاحبه أحمد والشافعي أنه لا ترجيح من غير مرجح، ولا مرجح لحديث سهل على غيره، والجواب منا أنا لم نرجح من غير مرجح بل المرجح موجود، فإن قيل: في الصورة المختارة لكم كثرة المنافي للصلاة، قلنا: قد ثبتت المنافاة بأمر الشارع، فلما رفع المنافاة ارتفعت فلم يبق المشي والذهاب والمجيء منافيًا للصلاة حتى تضر كثرة ذلك الأمور، والجواب عن الشوافع: بأنا رجحنا حديث سهل بكثرة الطرق غير تام إذ لا ترجيح بكثرة الطرق ولا بتعدد العلل فلما لم يثبتوا ضعف باقي الروايات وسلموا حسنها وصحتها لم يبق لإحداها رجحان على سائرها، والجواب عما يرد على إسقاط فرض الاستقبال الثابت بالكتاب بخبر الواحد أن الآية مخصوصة بقوله تعالى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} في حق المتنفل على الدابة، والذي لا يعلم حال القبلة في الصحراء أو في الظلمة، والمريض الذي ليس عنده من يوجهه إلى القبلة فيجوز أن يخصص في صلاة الخوف أيضًا بخبر الواحد أو يقال: إن أخبار شرعية صلاة الخوف بلغت إلى التواتر، ولا أقل من الشهرة فجاز بها تخصيص مطلق الكتاب.
قوله [حدثنا محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد القطان نايحى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد] وفي الثانية محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد، وحاصل هذا القول أن محمد بن بشار يروي الحديث عن القطان، وله أستاذان: يحيى بن سعيد الأنصاري وشعبة، فروى يحيى القطان لتلميذه محمد بن بشار تارة عن أستاذه يحيى بن سعيد الأنصاري، وليست في ذلك واسطة لعبد الرحمن بن القاسم لكنه غير مرفوع وتارة عن أستاذه شعبة وفيه توسط عبد الرحمن لكنه مرفوع، ويتبين بذلك أن
لفظة قال في ما سيأتي (1) فاعله شعبة ويجب أن يقدر، قال آخر: فيكون المعنى أن يحيى بن سعيد القطان لما رواها عن شعبة قال: قال لي شعبة لا أذكر لفظ الحديث إلا أني أذكر أن لفظ حديثي بعين لفظ أستاذك يحيى بن سعيد الأنصاري فاكتبه بجنب حديثه، لأنهما واحد لا فرق بينهما، أو المعنى أن يحيى بن سعيد القطان لما كان نسى عين لفظ شعبة، وكان يذكر لفظ يحيى بن سعيد الأنصاري ذكر أن لفظ رواية أستاذي شعبة مثل رواية أستاذي يحيى، وإن لم أتذكر عينه، وأما ما في روايتي يحيى وشعبة من التفاوت في رفع الحديث إليه صلى الله عليه وسلم ووقفه
(1) أي في قوله: قال لي أكتبه وما أفاده الشيخ في تفسير هذا القول مأخوذ من المشايخ لأنه فسره بهذا المحشي أيضًا حاكيًا من التقرير، ولعلهم احتاجوا إلى هذا التفسير لأن ظاهر سياق العبارة يدل على أن قوله: وقال لي عطف على قوله فحدثني، وعلى هذا فلا بد من التأويل الذي أفاده الشيخ، لكن ما يخطر في بالي القاصر أن قوله: قال لي أكتبه مقولة ابن بشار، وفاعل قال، يحيى القطان. وحاصل الكلام أن القطان قال لي: أكتبه هذا المرفوع بجنب الموقوف ليعلم أن الحديث مروي بطريقين، المرفوع والموقوف معًا، وقوله: لست أحفظ الحديث يحتمل أن يكون مقولة القطان، فيكون هذا الكلام سببًا ثانيًا لأمره بالكتابة يجنبه لأنه لما نسى ألفاظ شعبة لكنه تذكر أنها كانت مثل يحيى الأنصاري، فالأولى أن أن يكتب بجنبه، ويكتب ألفاظ يحيى ويحال عليها ألفاظ شعبة، وإليه أشار الشيخ من قوله أو المعنى، وهذا أوجه عندي، ويحتمل أن يكون مقولة ابن بشار، وعلى هذا فلا تعلق له بقوله! قال لي أكتب، بل كلام مستأنف، أي قال ابن بشار: لست أحفظ الحديث الذي حدثني القطان عن شعبة، لكنه كان مثل الذي حديثه عن الأنصاري، فتأمل.