الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله [وصفت الباب في القبلة] أي كان أمامه لا في جانب منه ولا خلفه، وهذا إشارة منها إلى أن وجهه وصدره صلى الله عليه وسلم لم ينحرف عن القبلة حتى يفسد الصلاة، وهذا لا ينافي ما سبق من أن حجرته صلى الله عليه وسلم كان في يسار المسجد، وكان بابها في المسجد، فإني ما وصفت من كون بابها في جهة القبلة، لأن المراد بذلك (1) أنه كان واقعًا أمامه صلى الله عليه وسلم حتى لم يفتقر في وصوله إلى محاذاة الباب إلى تحول عن القبلة بل مشى قدامه حتى إذا كان الباب بجنبه مد يده، وفتح الباب ثم رجع إلى مكانه ولم يك متصلاً بجدار الباب حتى يلزم قيام عائشة منتظرة تسليمته بل كانت بينه صلى الله عليه وسلم وبين الجدار فرجة أمكنها المرور فيها.
[باب ما ذكر في قراءة السورتين في ركعة]
.
هذا ظاهر نظرًا إلى قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بين كل سورتين في كل ركعة، [سأل رجل عبد الله بن مسعود عن هذا الحرف] غير آسن أو ياسن فقال: كل القرآن قرأت غير هذا، أشار بذلك إلى أن المرأ يجب عليه رعاية الترتيب فيما يتعلمه من العلوم، وإلى أن السائل إذا لم يكن الجواب عن سؤاله على قدر فهمه، أو ليس له إلى علمه كثير فاقة يجوز للمسئول عنه التمطل في الجواب بحمل سؤاله على
(1) حاصل ما أفاده الشيخ: أن الباب كان في الجدار الأيمن لكن في الجانب المقدم فمشى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قدامه حتى إذا حاذى الباب فتحه، وهو توجيه حسن، وأفاد شيخنا في البذل بتوجيه آخر، وهو أن المراد بالباب ليس الباب المعروف الذي كان في المسجد، بل هذا باب آخر كان في بيت عائشة وحفصة، ولا يذهب عليك أن في الحديث إشكالاً آخر في حديث النسائي بلفظ: والباب على القبلة فمشى عن يمينه أو يساره، أن الباب إذ كان في القبلة فلم احتاج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشي عن يمينه أو يساره، وأجاب عنه أيضًا الشيخ في البذل، فأرجع إليه.
غير مراده أو إشغاله بذكر شيء آخر، أو بيان أن ذلك ليس على قدرك أو غير ذلك من الأعذار، وكان ابن مسعود ظن السائل لم يقرأ القرآن وأن سؤاله هذا ليس لرغبة له في تحقيق كلامه سبحانه بل جاريًا على ما يعتاد العوام من إكثار السؤال فيما لا يعنيهم، والإلحاح في تحقيق ما لا يعنيهم، إلا أنه اتفق ههنا أن الرجل كان قد قرأ القرآن ثم أشار إلى أن مقتضى ترتيب العلوم في التحصيل أن يكون مطمح نظرك ومنتهي فكرك التدبر في آياته والتفكر في نصوصه وإشاراته، وأما تحقيق القراآت، فأمر زائد لا يحتاج إليه كثيرًا، وإن كان فبعد (1) ذلك، وقوله [إن قومًا ينثرونه نثر الدقل] هذا جواب عما قاله الرجل، ولكنه غير مذكور ههنا، وهو أنه قال: قرأت المفصل في ركعة، فرد عليه ابن مسعود وقال: إن ناسًا يقرأونه ولا يستلذون به ويهذونه هذا الشعر، فلعل قراءتك من هذا القبيل، والدقل الردي من التمر، وهذا تصوير لقراءتهم بحيث يتقرر في ذهن السامع تصويرًا لما لا يحس بنقصه بما يحسن نقصانه، ونقلاً لما يقل وقوعه بما يكثر، فكما أن الرجل إذا أكل الدقل -وهو ردي التمر- لا يمكنه في فمه كثيرًا، وكذلك القراء المذكورون لا يمكنون الألفاظ تمكينًا ولا يجودون الحروف تجويدًا بل يسرعون في نثر ألفاظ القرآن ولفظ حروفه إسراع أكل الدقل في لفظه عن فمه إذ ليس فيه شيء من الحلاوة يمصه ويستلذ به بخلاف أكل الجيد منه والرطب فإنه لا يكاد يلفظه وفيه بقية من الحلاوة، وعلى هذا أمر التلاوة، ومعنى قوله [فيه لا يجاوز تراقيهم] إما إلى العلو فهو كناية عن عدم القبول أو إلى داخل القلب، فالمراد به خلو قراءتهم عن التأثير ثم اختلف في أن الإكثار من القرآن أفضل من غير أن يبالغ في الترتيل أم المبالغة في التجويد
(1) ثم في آسن قراءتان سبعيتان بالمد والقصر، وأما بالياء فليست في القراءة المعروفة.
أفضل وإن قل من قدر المتلو، ولا شك أن القليل منه أفضل من الكثير الذي ليس فيه تصحيح الحروف وأداؤها عن مخارجها، وأما قوله [النظائر التي إلخ] فالمماثلة في مضامينها أو مقاديرها أو مقادير آياتها، ولا يجب تحقق كل من ذلك في كل منهما، بل الواجب في كل قرينتين شيء من هذه الأمور، والله أعلم بالصواب.
[باب الذكر في فضل المشي إلى المسجد].
وما يكتب له من الأجر في خطاه. هذا تخصيص على الإتيان إلى المساجد والحضور فيها من الأماكن البعيدة والظلمات والليالي وغير ذلك، وقوله [إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة] هذان مستلزمان أحدهما الآخر، فإن من عليه الذنوب كلما انحط عنه ذنب ترقت درجة عما كانت عليه قبل الحط، ولا يبعد أن يقال: إن الحط لمن عليه ذنوب، ومن ليس عليه ذنب بتوبة أو غيرها من المكفرات، كان إتيانه المسجد كفارة له في بعض ما عليه (1) ثم صار نقيًا من دنس الآثام، فما بقى من الطريق يكون ترقيًا له في مدارجه، والله أعلم، وأو، إما للشك أو للترديد.
قوله [عليكم بهذه الصلاة في البيوت] الإشارة إلى نافلة المغرب، لا يستدعي مغايرة الحكم في سائر النوافل يعني أن الإشارة إليها بلفظ هذا لا تخصص الحكم بها كما فهمه من منع أن (2) يصليها خاصة في المسجد دون غيرها والتخصيص بالإشارة إليها إنما هو ولوقوع نافلتهم إذًا حيث منعهم، ويمكن أن تكون الإشارة إلى جنس النوافل إلا أن الظاهر حينئذ أن يقال: عليكم بهذه الصلوات، بلفظ الجمع وليس الأمر ههنا للوجوب إلا عند شرذمة (3) من أهل الظاهر،
(1) لا يقال: إن المفروض من لا ذنب عليه لأن ما على الرجل يعم الذنب وغيره، فالمراد بالأول الكبائر، وههنا غيرها.
(2)
فقال ابن أبي ليلى: لا تجزئ سنة المغدب في المسجد، هكذا في الأوجز.
(3)
فقد حكى ابن عبد البر عن قوم كراهة النوافل مطلقًا في المسجد، كما في الأوجز.