الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيضًا بقوله وعليكم السكينة فعلم أن كل ما هو يخالف السكينة فهو الذي نهى عنه وهذا لما يجب عليه من أدب المسجد وهذا مخالف له ولأنه لما خرج من البيت يريد الصلاة كتب في الصلاة فهو مأجور ولا يأتي بشيء مما ينافي هيئة الصلاة إلا ويقل به نصيبه من الأجر مع ما في ذلك من خوف السقوط المستلزم فوات الجماعة رأسًا وربو النفس التي لا يكاد يقدر به على تصحيح التكبير والثناء إلى غير ذلك من المفاسد ولفظ الحديث يدل على النهي مطلقًا وما ذكره الترمذي من أقوال العلماء الذين خصصوا من ذلك الإطلاق أحوالاً فإنما يبنى قولهم على ما ورد في فضل التكبيرة من الأخبار فجوز والإحراز ذلك الفضل شيئًا من ذلك احرازًا لكلتا الفضيلتين وكأنهم رأوا أن ما يعروه من النقصان في ذلك ينجبر بإدراك فضيلة التكبيرة الأولى بل يفضل له بعد ذلك شيء كثير من الأجر والإمام (1) من الذين منعوا السعي والهرولة وذلك لدوران الفعل بين النهي والفضل فلو دار الفعل بين الأمر والنهي لكان الأخذ بالنهي هو الأولى فكيف به وليس بجنبه أمر صريح وإنما هو مطلق بيان الفضل فالواجب عليه إدراك هذا الفضل على وجه خال عن المحظور الشرعي لا بارتكاب المنهي عنه ومع ذلك فلو فعل يثاب ثوابًا كاملاً وإن اجتمعت معه كراهة أيضًا.
[باب القعود في المسجد]
.
قوله [لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظرها] وبهذا استنبطوا أن لا يفعل ما ينافي أمر الصلاة في فرقعة الأصابع والضحك والقهقهة، ولما كان بذلك لا يعلم حكم من دام في المسجد وليس ينتظر الصلاة، وإنما تلبثه فيه لغير ذلك من ذكر أو تلاوة قرآن أو نحوه بينه بقوله لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في المسجد، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث، ولما تردد السامع في قوله ما لم يحدث أنه هل هو من الحدث بمعنى أحداث أمر في الدين؟ أو هو من
(1) والمراد سراج الأمة أبو حنيفة النعمان، كما جزم به في الإرشاد الرضى.
الحدث بمعنى ترك حالة وشروع حالة أخرى؟ كما أنه كان قاعدًا فقام أو اضطجع أو ذهب لينخم (1) أو مثل ذلك، فإن كان الأول فهو حق لا ريب فيه، وإن كان الثاني فما باله حرم بذلك الحدث الذي لا بد له منه من هذا الفضل العظيم والحظ الجسيم دفعه أبو هريرة بقوله فساء أو ضراط يغي أن المراد بالحدث ههنا هذا لتأذي الملائكة بذلك فعلم أنه لو أخذته الرعاف أو مثل ذلك مما لا يتأذى به الملائكة لا يكون هذا حكمه وعلم بذلك أنه لو تكلم بكلام منتن تتأذى منه الملائكة أو فعل شيئًا من هذا القبيل من (2) الغيبة والنميمة، ومثلهما تركت الملائكة الصلاة عليه، واعلم أن مذهب المحدثين جواز (3) الصلاة على غير النبي والأنبياء عليهم السلام لما ورد في الأحاديث مثله ومنعه الفقهاء لما أن الصلاة حصة من الرحمة الكاملة اختصت بها الأنبياء، وليس لغيرهم أن يدعي بها (4) يدل على ذلك قوله تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}
(1) قال المجد تخم كفرح تخمًا ويحرك وتنخم دفع بشيء من صدره.
(2)
هكذا في الأصل والأوجه تقديم قوله من الغيبة والنميمة على قوله أو فعل شيئًا من هذا القبيل كما لا يخفى.
(3)
والمسألة كثيرة الاختلاف بين العلماء من جواز الصلاة لغير الأنبياء ولغير النبي صلى الله عليه وسلم من سائر الأنبياء، وجواز السلام لغير الأنبياء، ومن جواز الترضي لغير الصحابة وغير ذلك مبسوطة في الأوجز.
(4)
تقاصر عنه فهمي الناقص كيف تم التقريب بل مقتضى الآية التعميم نعم، لو كان محلها قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية لكان أوجه لما فيها من إطلاق الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وأصرح منه في الاستدلال قوله عز اسمه {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ} الآية، والمسألة خلافية شهيرة بسطت في الأوجز ومسلك الإمام أنها تجوز تبعًا ولا تجوز استقلالاً وبه قال مالك والشافعي خلافًا لأحمد كما بسط في الأوجز.