الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
داعيًا للعدول عن الظاهر لا يكفي له ولا يتعين ما ادعاه إذ يمكن كون الخمرة على قرب باب الحجرة بحيث تتلقى بأدنى امتداد اليد فلا حاجة للعدول عن ظاهرة العبارة نعم لا يبعد القول بأنه صلى الله عليه وسلم لما كان أكثر نافلته بل كلمها في البيت فلم تفرش الخمرة في المسجد إلا عند صلاته بالناس ويتعين المحراب له ومما يدل على تضعيف ما قصده القاضي رحمه الله تعالى أنها لو كانت هي المعطية للخمرة والنبي صلى الله عليه وسلم أخذها وهو في المسجد وهي خارجة عنه لما افتقرت إلى إدخال يدها في المسجد لإيتاء الخمرة بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذها منها ويدها خارجة من المسجد فأفهم وقد يساعد ما قلنا وضع المؤلف (1) هذا الباب لإثبات تناول الحائض شيئًا من المسجد، وقوله بعد ذلك وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافًا في ذلك بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئًا من المسجد.
[باب في كراهية إتيان الحائض]
.
[قوله من أتى كاهنًا إلخ] المراد بإتيانه إياه تصديقه (2) له فيما يذكره من أخبار المغيبات لا مطلق الإتيان حتى يلزم تكفير من أتاه ولو لحاجة أو تكذيبًا له وتبكيتًا أو ليسخر به ويستهزئ وكذلك لا يكفر لو أتاه وهو يعلم أو أن الجن تخير الكهنة وأن بعض أخبارهم صادق وبعضها كاذب ثم اعلم أنهم اختلفوا في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم في من ارتكب كبيرة قد كفر كما في قوله من أتي حائصًا أو امرأة في ديرها، لأن أهل الملل الحقة قاطبة متفقون على أن المسلم بارتكاب الكبيرة لا يكفر ولو كانت حرمتها قطعية ذاتية وما ههنا وإن كان ثابتًا بعبارة النص أو بإشارته كما هو ظاهر فارتكابها لا يكون كفرًا بواحًا فقال بعضهم هذا تغليظ حيث سمى ما ليس كفرًا كفرًا بنوع من التأويل ليحذروا أن يقعوا فيه، وقال بعضهم (3) هو على الاستحلال
(1) وبنحو ذلك بوب على الحديث أبو داؤد وغيره.
(2)
وبذلك قيد الحديث عامة الشراح كالقارئ وغيره.
(3)
وفي الدرالمختار: ويكفر مستحله كما جزم به غير واحد وكذا مستحل وطى الدبر عند الجمهور وقيل لا يكفر في المسألتين وعليه المعول لأنه حرام لغيره.
والذي يتحصل من كلام الأستاذ أدام الله ظلال جلاله وأفاض على الطالبين من زلال نواله أن الشرك (1) والكفر لتضمنها من المراتب المتناهية ما يربو على حصر حاصر واشتمالهما من الدرجات المتفاوتة على ما لا يكاد يضبطه لسان ذاكر صارا معدودين في عداد الكليات الغير المتواطئة فكل منهما مقول بالتشكيك على الصغائر حتى اللمم وعلى الكبائر حتى الكفر الحقيقي المقابل للإيمان الأنوار والظلم فكل من تلك المراتب ساغ عليها إطلاق كل منهما لدخوله في مدلول لفظه من غير ارتكاب تكلف وتجتمع به أكثر تلك الروايات من غير عدول عن جادة الطريق وتعسف ومما يدل عليه أنهم اتفقوا من آخرهم على أن المراد بالشرك في قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} هو الزياء لكونه شركًا خفيًا فهذا التفسير منهم تنصيص على أن كل مرتبة من مراتب الإثم مرتبة من الكفر ويؤيده أيضًا ما ورد في بعض الروايات من قوله شرك (2) دون شرك ولعلك بعد تدبرك
(1) يعني أنهما كليان مشككان والكلي إن كان صدقه على أفراده الذهنية والخارجية على التساوي يسمى متواطيًا كالإنسان وإن كان صدقه على بعضها أولى وأقدم وأشد من البعض الآخر يسمى مشككًا.
(2)
الظاهر أنه أراد الرواية بالمعنى فقد وردت الروايات الدالة على هذا المعنى بألفاظ عديدة مختلفة منها ما في الدر المنثور عن شداد قال كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر، وأخرج عن أحمد والحاكم وغيرهما عن شداد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى يرائي فقد أشرك ومن صام يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك ثم قرأ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} الآية وأخرج عن البيهقي وغيره عن عبد الرحمن بن غنم قيل له أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صام رياء فقد أشرك ومن صلى رياء فقد أشرك ومن تصدق رياء فقد أشرك قال بلى ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} فشق ذلك على القوم واشتد عليهم فقال ألا أفرجها عنكم قالوا بلى يا رسول الله فقال هي مثل الآية التي في الروم وما أتيتم من راء ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله فمن عمل رياء لم يكتب لا له ولا عليه، وأخرج عن الحاكم وصححه والبيهقي وغيره عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلي لمكان رجل وغير ذلك من الروايات الكثيرة وبوب البخاري في صحيحه كفر دون كفر، قال الحافظ: أشار إلى أثر رواه أحمد في كتاب الإيمان من طريق عطاء بن أبي رياح وغيره وأخرج السيوطي في الدر عن الحاكم وصححه والبيهقي وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال كفر دون كفر، الحديث.
فيما ههنا تعده كالبديهي لكثرة ما يدل على صحته فلتكن على ذكر منك وتدبر في فهم هذا المرام حتى لا تتحير في كثير من أخبار سيد الأنام والله الهادي إلى سبيل الرشاد وأنه الموفق للصواب والسداد.
[إذا كان دمًا أحمر فدينار] لغلظ الجنابة (1) بسبب شدة الأضرار في هذا الوقت وإن كان أصفر فنصف دينار لما فيه من قلة الضرر إضافة إلى الأول وإن تساوى في شمول النهي لهما ثم إن الأمر بالتصديق كما في هذا الحديث فمبني
(1) قلت: ما أفاده الشيخ هو الأوجه ويحتمل أن يكون التفريق بين الأحمر والأصفر لما أن الأجر يكون في مبدأ الحيض والأصفر في آخره والرجل في آخر الزمان يعد معذورًا في الجملة لطول زمان الفرقة والبعد عن الصحبة بخلاف إبان زمانه فتأمل ثم الذين قالوا بالكفارة بدينار أو نصف دينار اختلفوا في أنه للتخيير كما في الروض عن أحمد أو للتنويع بأول الحيض وآخره كما في ابن رسلان عن الشافعي.