الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدم إنما هو تعلق المسخ بجماعة كما كان يوجد في بني إسرائيل لا مسخ واحد أو اثنين أيضًا، فلما كان المسخ ممكنًا في حق كل فرد فرد من المصلين وجب الخشية حقًا.
قوله
[باب ما جاء في الذي يصلي الفريضة ثم يؤم الناس]
.
إطلاق المغرب (1) على العشاء في هذا الباب مجاز، واستدل القائلون (2) بجواز صلاة المفترض خلف المتنقل بحديث معاذ هذا فأجاب عنه (3) بعض علمائنا بأن ذلك كان في زمان يصلي الفريضة مرتين ثم لما نسخ هذا نسخ ذلك، وأجابوا أيضًا بأن آخر الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرره على ذلك، ولا يكون فعل الصحابة رضي الله عنهم حجة إلا إذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قررهم عليه ولم ينههم عنه، وههنا قد ثبت أنه عليه السلام أمر معاذًا بترك ذلك قوله: أفتان
(1) يعني أن الحديث المذكور في هذا الباب بلفظ المغرب، فإن القصة في الروايات الشهيرة وقعت لصلاة العشاء، وأشار الشيخ في البذل إلى أن لفظ المغرب وهم، وقال ابن رسلان: لعل منشأ الوهم إطلاق الأعراب العشاء للمغرب كما ورد: لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب فإنهم يقولون العشاء، انتهى، قلت: ومال الحافظ في التلخيص إلى التعدد وحكاه عن ابن حبان.
(2)
وهم الشافعية خلافًا للحنفية قولاً واحدًا، والمالكية في المشهور والحنابلة في الرواية المختارة لأكثر أصحابهم، كذا في الأوجز.
(3)
منهم الطحاوي كما ذكره في شرح معاني الآثار وما أورد عليه، وجوابه مبسوط في البذل.
أنت يا معاذ، ثم قال: إما أن تصلي معي أي فلا تصل بالقوم، وإما أن تخفف عن قومك، أي إن لم تصل معي وصليت بهم فعليك بالتخفيف، لكنه يرد على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يأمرهم أن يعيدوا صلواتهم علم أن أمره إياه بذلك إنما كان للتخفيف عليهم أو التردد على سبيل منع الخلو أي لا تترك هذين الأمرين: الصلاة معي والتخفيف على قومك، ولا يضرك جمعهما بأن تصلي معي ثم تؤم قومك وتخفف عليهم، والجواب أن عدم الذكر لا يستلزم عدم الوجود، ومنشأ الخلاف بيننا وبين الشافعي أنه يقول: صلاة الجماعة صلاة على سبيل الاجتماع، وليس بيني المأموم على صلاة الإمام صلاته ومعنى قوله: الإمام ضامن ليس إلا أنه ضمن لهم قراءة ما دون الفاتحة، وعندنا ليس الأداء على سبيل الجماع فقط، بل المؤتم يبني صلاته على صلاة الإمام، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: الإمام ضامن أن الإمام تضمنت صلاته صلاة المأموم فلا تكون أقل حالاً من صلاته ولا غيرها (1) فلا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل ولا بمفترض آخر، وإذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاته، لما أنها كانت مبنية على صلاته والشافعي يخالفنا في جميع ذلك، ويبتني على ذلك الأصل المختلف فيه بيننا وبينه ما قال من جواز اقتداء الرجال بالصبي، واستدل (2) على ذلك بحديث عمرو بن
(1) عطف على قوله: أقل أي لا تكون صلاة الإمام أقل حالاً من صلاة المأموم، ولا تكون صلاته غير صلاته كمفترض الظهر خلف المتنفل أو خلف مفترض العصر مثلاً.
(2)
أي استدل الإمام الشافعي على أصله بحديث عمرو بن سلمة، قلت: واستدل الحنفية على أصلهم غير ما تقدم بقوله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به، الحديث، قال ابن عبد البر في الاستذكار: زاد معن في الموطأ عن مالك: فلا تختلفوا عليه، ففيه حجة لقول مالك والثوري وأبي حنيفة وأكثر التابعين أن من خالفت نيته نية إمامه بطلت صلاة المأموم، إذ لا اختلاف أشد من اختلاف النيات التي عليها مدار الأعمال، وفي التمهيد روى الزيادة ابن وهب ويحيى بن مالك وأبو علي وجماعة قال الأبي في شرح مسلم: ففيه حجة لمالك والجمهور في ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام سيما مع زيادة قوله: فلا تختلفوا عليه، كذا في الأوجز.
سلة قال: أممت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين، وهذا لأن صلاة الصبي لا تكون إلا نافلة، والحديث مع ما ضعفه الكبار (1) مثل الحسن وأحمد ففيه ما قال عمرو الراوي: وكنت إذا سجدت خرجت أستى وهذا غير جائز اتفاقًا بيننا وبينه، ولكنه يرد عليه أن هذا جائز على أصله الذي مهده بأن فساد صلاة الإمام لا يؤثر (2) في صلاة المقتدين، فيجوز أن تكون صلاتهم جائزة وصلاته فاسدة، ولصباه لم يؤمر بالإعادة.
قوله [واحتجوا بحديث جابر في قصة معاذ وهو حديث صحيح] أما
(1) قال الخطابي: كان الحسن يضعف حديث عمرو بن سلمة، وقال: مرة دعه ليس بشيء بين، قال أبو داود: وقيل لأحمد: حديث عمرو قال: لا أدري ما هذا، كذا في البذل.
(2)
قلت: هذا ليس بمطرد في مذهب الشافعية فكم من مسائل صرحوا فيها فساد صلاة المأموم بفساد صلاة الإمام. قال الشافعي: لو أن إمامًا صلى ركعة ثم ذكر أنه جنب فخرج واغتسل وانتظره القوم وبنى على الركعة الأولى فسدت عليه وعليهم صلاتهم، لأنهم يأتمون به عالمين أن صلاته فاسدة، كذا في الأوجز، وصرح أصحاب الفروع الشافعية أنه لا يصح الاقتداء بمن يعتقد بطلان صلاته. ففي هذه القصة لما رأوا فساد صلاة إمامهم الصبي لكشف العورة كيف صح اقتداؤهم.
صحة الحديث فغير مفيدة مع أنها لا تنكرها، وأما الاحتجاج به فدونه خرط القتاد (1) فأي دليل لهؤلاء على أن الصلاة التي كانت بالنبي صلى الله عليه وسلم، كانت بنية الفريضة، والتي كانت في مسجده كانت نافلة بل الأمر كان بالعكس، وأما التي ورد فيها من زيادة وهي له نافلة، فلم يثبت (2) عن الثقات إنما زاده بعض الرواة ظنًا منه ذلك، ولا يتوقف على مراد معاذ رضي الله تعالى عنه من غير أن يبين بلسانه ولم يثبت.
قوله [وروى عن أبي الدرداء] إن كان المراد بذلك أن مطلق صلاته جائزة لا الفريضة وفي الفاسدة يراد فساد الفريضة لا مطلق الفساد، لا يحتاج إلى جواب إذ هو عين مذهبنا، وإن كان مراده أن صلاته تلك كافية عن فرضه، فقول الصحابي في مقابلة الحديث (3) غير واجب العمل، ولقائل أن يقول في الجواب عما ذكر وجب حمل الحديث على معنى (4) لا ينافي قول الصحابي إذا كان
(1) قال المجد: خرط الشجر، انتزع الورق منه اجتذابًا، والعود قشره، والقتاد شجر صلب له شوك كالأبر، انتهى، ويراد بهذا الكلام الأمر الذي يحول إلى الوصول إليه موانع كثيرة صعبة.
(2)
بل تكلموا فيها فزعم أبو البركات ابن تيمية أن الإمام أحمد ضعف هذه الزيادة وقال: أخشى أن لا تكون محفوظة لأن ابن جريج يزيد فيها كلامًا لا يقوله أحد، وقال ابن الجوزي: هذه الزيادة لا تصح، ولو صحت لكانت ظنًا من جابر وبنحوه، ذكر ابن العربي في العارضة، هكذا في البذل.
(3)
وهو الذي ذكره الشيخ سابقًا من قوله صلى الله عليه وسلم: الإمام ضامن كما ذكر في تقرير مولانا الحاج رضي الحسن المرحوم، قلت: ويخالف الحديث الآخر أيضًا، وهو قوله: إنما جعل الإمام ليؤتم به.
(4)
قلت: لكن لم ترتفع المنافاة لا سيما من حديث لا تختلفوا عليه.