الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلو علم أحد وقت الإقامة مع أنه لا يحضر الجماعة أو يحضر حضور من أسلفناه لك آنفًا ولكنه دعا من بيته بعد الأذان قبل وقت الإقامة لا يشمله هذا الوعد نظرًا إلى فقه الحديث الذي بنى عليه وإن كان ظاهر لفظ الحديث يشمله هذا والله أعلم بالصواب وعنده علم الكتاب.
قوله
[باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر]
قوله [من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونًا بها طبع الله على قلبه] اعلم أن ترك الجمعة إما أن يكون لتسهيل أمرها وعدم اهتمام بشأنها فالطبع طبع نفاق أعاذنا الله منها (1)، وإما أن يكون لا لتسهيل أمرها بل لإهانة نفسه في تركه ما يجب عليه أداؤه، فالطبع طبع رين وغين والحديث يشمل كليهما، قوله [يعني الضمري (2) يشير] إلى أن المسمين بأبي الجعد كثيرون (3)، قوله [وكانت له صحبة] أي لم أثبت صحبته بل قال بذلك أستاذ (4) أستاذي.
قوله [سألت محمدًا عن اسم أبي الجعد الضمري فلم يعرف اسمه وقال لا أعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم] إلا هذا الحديث لكن له حديثًا آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) أي من سائر الأشياء التي ذكرت من ترك الجمعة والطبع والتهاون والنفاق وغيرها.
(2)
قال أبو الطيب بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم منسوب إلى ضمرة بن بكر بن عبد مناف كما في جامع الأصول والمغنى.
(3)
ذكر منهم الحافظ في تهذيبه اثنين والثالث في التعجيل والضمري هذا اختلفوا في اسمه على أقوال قتل مع عائشة يوم الجمل.
(4)
بل أستاذ أستاذ الأستاذ، وأشار الشيخ بذلك الكلام إلى فائدة ذكر لفظة فيما زعم محمد بن عمر ويحتمل أن يكون ذكر هذا الكلام لمجرد الاستشهاد بقوله الاجتهاد إلى بيان صحبته لما أنه من غير المعروفين حتى إنه ليس له إلا هذا الحديث الواحد.
كما نقله السيوطي (1) وإن لم يعرفه البخاري ثم اعلم أن مسألة الجمعة قد اختلفت فيه أقوال علمائنا في أنها تتأدى في بلادنا هذه أم لا؟ وهل يجوز أداؤها في القرى (2) أم لا؟ فقد اشتهر في أكثر البلاد أنه لا تجب الجمعة على من هو في بلادنا لأنها ليست بدار الإسلام وليت شعري من أين اخترعوا هذا الشرط وليس لذلك في كتبهم (3) أثر وأما تركه صلى الله عليه وسلم الجمعة بمكة فإنما كان لعدم الأمن وعدم القدرة على أدائها عيانًا لكونهم يتعرضون في ذلك لا لكونها دار حرب، وأما ما قال بعضهم من أن شرطه المصر فمسلم لكنهم اختلفوا في ما يتحقق به المصرية فقيل ما فيهم أمير يقيم الحدود وليس فيه تصريح بإقامة الحدود بل المراد بذلك قدرة
(1) إذ قال في قوت المغتذي بعد حكاية كلام البخاري، قلت: بل له حديثان أحدهما هذا والثاني ما أخرجه الطبراني بسنده إليه مرفوعًا لا تشد الرحال إلا إلى المسجد الحرام الحديث، وقال الحافظ في التلخيص الحبير بعد حكاية كلام البخاري: وذكر له البزاز حديثًا آخر، وقال لا نعلم له إلا هذين الحديثين انتهى، قلت فإن كان حديث البزاز غير حديث الطبراني فله ثلاثة أحاديث وإلا فله حديثان فلينقح.
(2)
ولقطب العصر مصدر هذا التقرير الشيخ الكنكوهي رسالة وجيزة في هذا الباب تسمى بأوثق العري في تحقيق الجمعة في القرى ولأجل نوا به شيخ الهند لها شرح بسيط يسمى بأحسن القرى فالرجع إليهما لو شئت.
(3)
بل حكى ابن عابدين عن معراج الدراية عن المبسوط البلاد التي في أيدي الكفار بلاد الإسلام لا بلاد الحرب، لأنهم لم يظهروا فيها حكم الكفر بل القضاة والولاة مسلمون يطيعونهم عن ضرورة وبدونها، وكل مصر فيه وال من جهتهم يحوز للمسلمين إقامة الجمعة ويصير القاضي قاضيًا بتراضي المسلمين ويجب عليهم أن يلتمسوا واليًا مسلمًا، انتهى.
الأمير (1) على ذلك إذ لو لم يرد ذلك لما صحت الجمعة في شيء من الأمصار في وقتنا هذا إذ لا يجري الحدود أحد، وقيل ما فيه أربعة (2) آلاف رجال إلى غير ذلك، وليس هذا كله تحديدًا له بل إشارة إلى تعيينه وتقريب له إلى الأذهان وحاصله إدارة الأمر على رأي أهل كل زمان في عدهم المعمورة مصرًا فما هو مصر في عرفهم جازت الجمعة فيه وما ليس بمصر لم يجز فيه إلا أن يكون فناء المصر، وأما اشتراط الإمام فمن اتفق جماعة المسلمين على إمامته فهو إمام ولا يحتاج إلى الخليفة أو نائبه عينًا إذ الوجه في اشتراطهما الاتفاق ورفع النزاع وهو حاصل، وأما ما قال أكثر من سلف (3): المصر ما لا يسمع أكبر مساجدهم مسلميهم فالمراد إذا كان المسجد المذكور في المصر إذ مذهب قائل هذا القول إطلاق جمع منتهى الجموع على العشر أو أكثر منه مع أن هذا خلاف منه بالجمهور، وقائل هذا هو صدر الشريعة صاحب التوضيح فكان مراده بهذا التعريف هو المصر، فإن المساجد بتلك الكثرة إنما هي فيه وما شاع من تأدية الفرائض بنية احتياط الظهر في بلادنا فأمر
(1) ففي الدر المختار في تعريف المصر: كل موضع له أمير وقاض يقدر على إقامة الحدود، وقال ابن عابدين حاكيًا عن غيره: ليس المراد تنفيذ جميع الأحكام بالفعل إذ الجمعة أقيمت في عهد أظلم الناس وهو الحجاج وإنه ما كان ينفذ جميع الأحكام بل المراد والله أعلم اقتداره على ذلك، انتهى.
(2)
لم أجده في الكتب المعروفة عندي ولكنهم لما اختلفوا في تعريف المصر على أقوال كثيرة لا بعد في أن يكون هذا أيضًا قولاً لا سيما إذ حكى في جامع الرموز عن المضمرات قول ألف رجل أيضًا.
(3)
وفي الدر: المختار عليه فتوى أكثر الفقهاء، وقال ابن عابدين، وأيده صدر الشريعة بقوله لظهور التواني في أحكام الشرع سيما في إقامة الحدود في الأمصار، انتهى.
منكر لا ينبغي العمل عليه وأصل ذلك كان في زمان محمد فإن أبا يوسف (1) لما رأى حرجًا في حضور الناس للجمعة في مسجد واحد وكان لا يمكنهم ذلك إلا بعبور الفرات أو الدجلة التي كانت في وسط (2) البغداد أفتى بتعدد الجمعة في مصر إذ حال بينهما نهر، وليس في ذلك رواية عن الإمام إذ كانت الجمعة في أيامهم واحدة ثم لما رأى محمد حضور رجال القرى العظيمة والأمصار في مسجد واحد متعذرًا أفتى بجواز التعدد في مصر مطلقًا وكان الفتوى على قول محمد ولكن الناس احتاطوا في ذلك فاستحدثوا احتياط الظهر وهذا الذي رده صاحب البحر وغيره فقالوا أفتينا مرارًا بمنع الناس عنه لكنهم لم يمتنعوا أو ليس لهؤلاء اكتفاء بما قال محمد وقد قلدوا قوله في كثير من المسائل، وليس معه أستاذه ولا صاحبه فهل ليس لهم في غير الجمعة احتاج احتياط وليت شعري إذا كانوا في شك من إفتائه بذلك فما بالهم لا يكتفون بالظهر فإن قالوا نحتاط بأداء الظهر قلنا كان عليهم أداء كل صلاة مرتين: مرة بالفاتحة خلف الإمام ومرة بدونها كيف وقد استحسنها بعض مشايخنا أيضًا ليخرجوا بذلك عن شبهة الخلاف، وكذلك يلزم عليهم ما ليس لهم بتأديته طاقة ولا لهم إليه احتياج ولا فاقة، أو ليس لهم للخروج عن شبهة الخلاف مخلص غير ذلك الذي أحدثوه فهل لا أحضرهم احتياطهم ذلك في المسجد الذي يصلي فيه أولاً، قوله [عن رجل من أهل قباء] لم يبق الحديث بذلك الانقطاع
(1) قال القارئ في شرح النقاية: ورابعها عن أبي يوسف أنه يجوز في موضعين إذا كان المصر كبيرًا أو حال بين الخطبتين نهر كبغداد، انتهى.
(2)
التي في وسط بغداد هي دجلة، قال الحموي في المعجم سميت مدينة السلام لأن دجلة يقال لها وادي السلام انتهى، وفي مقدمة الهداية دجلة بكسر الدال اسم لنهر بغداد، وفرات بضم الفاء نهر معروف بين الشام والعراق يخرج من جبل ببلاد الروم وهو من أنهار الجنة، انتهى.
قابلاً للاحتجاج (1)، قوله [عن أبيه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] أي ذلك الأب ولا يضر عدم العلم باسم الصحابي أو حاله فإن الصحابة كلهم عدول ثقات ومهرة إثبات، قوله [أن تشهد الجمعة من قباء] لم يكن أمره إياهم بذلك للوجوب أو لوجوب الجمعة عليهم لما ورد في الروايات عن هؤلاء أنهم قالوا كنا نتناؤب إلى غير ذلك من الألفاظ، وأنى التناؤب في أداء ما يجب على أنفسهم بل كان أمرهم (2) بذلك ليشهدوا جماعات المسلمين ويعلموا نوائبهم وما يذكر في الخطبة من المواعظ والأحكام ولذلك ترى الترمذي ترجم الباب بقوله ((باب ما جاء من كم يؤتى إلى الجمعة)) ولم يقل ((باب ما جاء من كم يجب أن يؤتى (3) إلى الجمعة))، ولذلك اختلفوا في أقوالهم في تحديد ذلك فقال بعضهم الجمعة على من آواه الليل (4) وقال بعضهم تجب الجمعة على من سمع النداء فقال (5) بعضهم وهم
(1) وأيضًا ففي سنده ثوير بن أبي فاختة ضعيف جدًا حتى قال الثوري: كان ثوير من أركان الكذب، وقال الدارقطني وعلي بن الجنيد: متروك، وقال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد حتى يجئ في روايته أشياء كأنها موضوعة، انتهى.
(2)
ويمكن أن يقال إن الحديث لو صح حجة لمن قال إن الفناء يمتد إلى ذلك المقدار وتوضيح ذلك أنهم اختلفوا في فناء المصر على تسعة أقوال لخصها ابن عابدين وهي غلوة، ميل، ميلان، ثلاثة، فرسخ، فرسخان، ثلاثة، سماع الصوت، سماع الأذان، ويأتي بيان بعضها في كلام الشيخ أيضًا فعلى القول بثلاثة فراسخ يكون حد الفناء إلى تسعة أميال، فإن الفرسخ ثلاثة أميال والقباء على ميلين من المدينة على ما ذكره الحموي في المعجم.
(3)
وهو الذي عبروه بفناء الشهر.
(4)
ففي الدرالمختار شرط لافتراضها إقامة بمصر. وأما المنفصل عنه فإن كان يسمع النداء تجب عليه عند محمد وبه يفتي كذا في الملتقى ورجح في البحر اعتبار عوده لبيتة بلا كلفة انتهى، قال ابن عابدين: هو ما استحسنه في البدائع وصحح في مواهب الرحمن قول أبي يوسف بوجوبها على من كان داخل حد الإقامة الذي من فارقه يصير مسافرًا وإذا وصل إليه يصير مقيمًا وعلله في شرحه المسمى بالبرهان بأن وجوبها مختص بأهل المصر والخارج عن هذا الحد ليس أهله.
(5)
قال ابن العربي: تعليق الشافعي السعي بسماع النداء يسقطه عمن كان بالمصر الكبير إذا لم يسمعه والمسألة محتملة انتهى، وحكى العراق في شرح الترمذي عن الشافعي ومالك وأحمد: أنهم يوجبون الجمعة على أهل المصر وإن لم يسمعوا النداء، وقد ادعى في البحر الإجماع على عدم اعتبار سماع النداء في موضعها، كذا في البذل.
الظاهرية لو كان رجل في المصر ولم يسمع النداء لا تجب الجمعة عليه، والحق أن ذلك لمن هو خارج المصر ولا شبهة في وجوب الجمعة على المصري سمع النداء أو لم يسمع والمراد بما قالوا من الجمعة على من سمع النداء أنه إذا أذن على سور البلد وباب المصر فالجمعة على من سمع النداء وهذا أيضًا ليس تجديد بل هو تقريب، وأما أهل المصر فمسلم وجوبها عليهم.
قوله [استغفر ربك] وجه أمره باستغفار ما ارتكبه من الاستدلال بما لا يستدل به من الحديث الضعيف، قوله [حين تميل الشمس] علم بذلك أنه لم يكن يصلي قبل الزوال كما ذهب إليه بعض من استدل بما لم يفهمه فمن ذلك قولهم كنا يوم الجمعة لا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة فإن القيلولة لا يكون إلا في نصف النهار والغداة لا تطلق إلا على ما قبل الزوال، وأنت تعلم أن معناه ليس إلا أن طعام الغداة وقائلة نصف النهار لم نكن نستحصله إلا بعد الفراغ من الجمعة إذ في وقتها لم يكن لشغل الجمعة فراغ حتى نستحصلهما ولم يذهب إلى ذلك المذهب