الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى كثير معالجة في إخراجه من الثوب وأما إذا جعلا يطعمان لم يبق بين بولهما فصل لغلبة أثر الغذاء على ما لهما من الطبيعية.
[باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه]
فيه مذاهب (1) ثلاثة طهوره وحله مطلقًا وذهب إليه مالك وأحمد وإسحاق ومحمد من أئمتنا الثلاثة ونجاسته وحله للتداوي لا مطلقًا وهذا ما ذهب إليه أبو يوسف، ونجاسته مع حرمته مطلقًا إلا إذا أخبر حاذق من الأطباء بانحصار المعالجة فيه وهذا مذهب الإمام رحمه الله تعالى فجواز استعماله إذًا ليس إلا كجواز أكل الميتة والخمر أوان الاضطرار وأورث اختلاف العلماء فيه تخفيفًا عنده أيضًا حتى لا يحكم عنده بنجاسة الأرض والثوب ما لم يفحش وإن كان الماء يفسد بوقوع قليله فيه استدلال أصحاب المذهبين الأولين بحديث الباب ظاهر وجواب الإمام قد ذكر عن قريب فإن عموم قوله صلى الله عليه وسلم (2)
(1) قال ابن قدامة: بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر هذا مفهوم كلام الخرقي وهو قول عطاء والنخعي والثوري ومالك وعن أحمد: إن ذلك نجس وهو قول الشافعي وأبي ثور ونحوه عن الحسن لأنه داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم «تنزهوا من البول» انتهى، فعلم أن لأحمد في ذلك قولين: والمشهور هو الأول، وقال صاحب الهداية بول ما يؤكل لحمه طاهر عنده نجس عندهما له حديث العرينيين، ولهما قوله صلى الله عليه وسلم استنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه من غير فصل وتأويل ما روى أنه عرف شفائهم وحيا، ثم عند أبي حنيفة لا يحل شربه للتداوي وعند أبي يوسف يحل للتداوي، انتهى مختصرًا.
(2)
قال الحافظ والتمسك بعموم حديث أبي هريرة الذي صححه ابن خزيمة وغيره مرفوعًا بلفظ استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه أولى لأنه ظاهر في تناول جميع الأيوال فيجب اجتنابها لهذا الوعيد، انتهى، واستدل ابن عابدين بقوله صلى الله عليه وسلم اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر رواه الطبراني بإسناد حسن وبسط شيء من الدلائل في ذلك في الأوجز فأرجع إليه.
«استنزهوا من البول» ينادي بأعلى الصوت على نسخ ما ههنا، أو يرجع (1) فيه إلى تأويل أنه صلى الله عليه وسلم علم انحصار شفائهم فيه مع أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله فيه مع أن واقعة معاذ (2) فيها ما يؤيد مذهب الإمام فإنه صلى الله عليه وسلم حين فرغ من دفن معاذ رؤيت عليه آثار الحزن فسأل امرأته عن بعض ما كان يقترفه فقالت كان لا يستنزه من أبوال الغنم فقال النبي صلى الله عليه وسلم استنزهوا من البول إلخ ففيه دلالة ظاهرة على عموم النهي وأيضًا ففيه دلالة على نسخ حكم حديث العرينيين فإن قدوم العربنيين (3)
(1) مال إلى هذا التأويل الحافظ في الفتح وبسط الكلام عليه، وقال: قد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعًا أن في أبوال الإبل شفاء للذرية بطونهم والذرب فساد المعدة، انتهى، وفي العيني قال ابن حزم: صح يقينًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بذلك على سبيل التداوي، انتهى.
(2)
هكذا في الأصل والظاهر أنه سقط منه لفظ ((ابن)) فإني لم أجد لمعاذ هذه القصة نعم يوجد لسعد بن معاذ قريب من هذا قال صاحب إشراق الأبصار: أما القصة فلم أجدها بهذا اللفظ لكن روى البيهقي من طريق ابن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله ما بلغكم من قول رسول الله في هذا أي ضم سعد بن معاذ في القبر فقال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله سئل عن ذلك فقال كان يقصر في بعض الطهور من البول وأخرج هناد بن السري في الزهد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين دفن سعد بن معاذ أنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة فدعوت الله أن يرفعه عنه وذلك بأنه كان لا يستنزه من البول، وفي رواية ابن سعد لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد ولقد ضم ضمة اختلفت فيها أضلاعه من أثر البول، انتهى، قلت: هذا كله على تقدير صحة التسمية، والأوجه عندي أن القصة ليست لمعاذ ولا لابن معاذ بل لصحابي صالح لم يسم كما تقدم في الباب السابق.
(3)
قال الحافظ ذكر ابن إسحاق أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الأخرى سنة ست وذكرها البخاري بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة منها وذكرى الواقدي أنها كانت في شوال منها وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما، انتهى، قلت: وهم متفقون في قدومهم سنة ست كما عرفت والاختلاف في الشهر.
لا يرتاب في كونه قبل موت (1) معاذ فإن موت معاذ رضي الله تعالى عنه كان في آخر الإسلام فهذا العام لو لم ينظر إلى خصوص الواقعة حكم بنجاسة بول مأكول اللحم، وإن نظر إلى أن العبرة بعموم اللفظ لا لخصوص المورد كان شموله له أظهر مع أنه مؤيد بفهم الصحابية أيضًا إذ لو لم يكن بوله نجسًا عندها لما ذكرته في موضع التفتيش عما أوجب تضييقًا عليه رضي الله تعالى عنه، ثم إن صنيع المؤلف رضي الله تعالى عنه من إيراده هذا الباب بعد باب التشديد في البول مشير إلى أن هذا التشديد عنده إنما هو في غير هذا النوع من البول لكونه مأكولاً طاهرًا عنده ولذلك تراه تعرض للجواب عن المثلة المذكورة في رواية الباب ولم يتعرض للجواب عن البول حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشربه وذلك لأنه طاهر عنده فلا حاجة إلى الجواب ثم إن سمر (2) أعين العرينيين مشكل على مذهب الإمام فإنه لا يرى
(1) قد عرفت أن القصة لم أجدها لمعاذ لقصور نظري القاصر والمسمى بمعاذ في الصحابة جماعة والمعروف معاذ بن جبل رضي الله تأخر وفاته عن وفاته صلى الله عليه وسلم بكثير، وأما سعد بن معاذ فتوفى سنة خمس وقد عرفت أن الأوجه عندي أن القصة لصحابي لم يسم، نعم هي مؤيدة بما روى في قصة سعد بن معاذ المذكورة، قال صاحب نور الأنوار: والذي يدل على كون حديث العرينيين منسوخًا بهذا الحديث أن المثلة التي تضمنها حديث العرينيين منسوخة بالاتفاق لأنها كانت في ابتداء الإسلام، انتهى.
(2)
قال العيني: السؤال الثاني ما وجه تعذيبهم بالنار وهو تسمير أعينهم بمسامير محمية وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم التعذيب بالنار والجواب أنه كان قبل نزول الحدود وآية المحارية والنهي عن المثلة فهو منسوخ وقيل ليس بمنسوخ وإنما فعل قصاصًا لأنهم فعلوا بالرعاة مثل ذلك وقد رواه مسلم في بعض طرقه ولم يذكره البخاري لأنه ليس على شرطه لكنه بوب باب إذا حرق المشرك هل يحرق قال ابن المنير كان البخاري جمع بين حديث «لا تعذبوا بعذاب الله» وبين هذا بحمل الأولى على غير سبب، والثاني بمقابلة السيئة، وقيل إن النهي عن المثلة تنزيه لا تحريم، انتهى وبسط الكلام عليه الحافظ وقال يدل على نسخ ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الأذان فيه وقصة العرينيين قبل إسلام أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وقد حضر الأذان والنهي وروى قتادة عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود لموسى بن عقبة في المغازي ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك نهى عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة وإلى هذا مال البخاري وحكاه إمام الحرمين عن الشافعي واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم للإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمره صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ وهو ضعيف، لأنه صلى الله عليه وسلم اطلع عليه وسكوته كاف وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له، وقال الخطابي إنما فعل لأنه أراد بهم الموت بذلك، وقيل غير ذلك.
القود إلا بالسيف والجواب أنه كان تعزيزًا وتغليظًا لا تشريعًا أو كما قال ابن سيرين إنه كان قبل نزول الحدود فإن قوله تبارك وتعالى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} أوجب مساواة بينها ولم يمكن ذلك في العين وأمثالها فوجب القول بانتساخ ما وقع ذلك، وأما ما يتوهم من خلافه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تمثلوا فمدفوع بحمله على النسخ أو بأن مثلتهم كانت قصاصًا وأمكن هناك أو بأنه كان تغليظًا والنهي عن المثلة حيث لا يفتقر إليها وفيه ما فيه.