الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب الجمعة
[باب فضل الجمعة]
.
[خير يوم] الخيرية إما على أيام الأسبوع لا مطلقًا، أو الفضيلة جزئية، وإنما افتقر على ذلك لما ورد من الروايات في فضل (1) يوم عرفة وعد الخلق نعمة ظاهر ثم إدخال الجنة فوقه ثم إهباطه على الأرض فوق ذلك وقيام الساعة هي النفخة الأولى وهو سبب لدخول الجنة، فأما كون الخلق نعمة فلشرف الوجود على العدم بما لا ينكر، وأما كون إدخال الجنة نعمة فلما فيها من النعم والخدم وقرب الرب تبارك وتعالى وكون الاهباط منها نعمة فلما في ذلك من إظهار الصفات له تعالى من الأرزاق والتكوين والسمع والبصر إلى غير ذلك، ولما في ذلك للإنسان من شرف نعمة العرفان والإسلام وامتثال أوامره واجتناب نواهيه إلى غير ذلك، ولما في ذلك من اكتسابه النعم الجليلة الأخروية باختياره المحمود إلى غير ذلك، ولا يخفى أن فضل يوم الجمعة لم يكن متوقفًا على هذه الأمور كيف وقد كان أفضل قبل وقوعها فيه، فأما أن وجود هذه فيه دل على فضله أو يكون له شرف أصلي وبانضمام هذه الأمور ازداد فضله لوجه عرضي أيضًا، كما كان له فضل ذاتي فاحتوى الفضل بطرفيه.
(1) واختلفا هل الجمعة أفضل أم يوم عرفة؟ كما بسطت في الأوجز وثمرة الخلاف يظهر فيمن تذر صوم أفضل الأيام.
[باب الساعة (1) التي ترجى في يوم الجمعة].
اختلفت الروايات في تعيينها وسبب ذلك عند من قال بانتقالها ظاهر، وأما من لم يقل بذلك فالوجه أن المقصود لما كان إخفاؤها بالمصالح منها أنهم لو علموا علموها غيرهم عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية، وإذا علموها غيرهم تبلغ النوبة إلى الفجرة المردة فيسألوا ما لا يحل لهم مسألته، ومنها أنه لو علموها بعينها لم يشتغلوا بغيرها من الساعات فلهذه الوجوه أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم بما هم أولى به من الجواب فبين لهم ساعات يقبل فيها الدعاء وإن لم يبين تلك الساعة بعينها، قوله [وقال أحمد أكثر الأحاديث في الساعات التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر] ومنها الحديث المتقدم، قوله [وترجى بعد (2) الزوال] هذا لأحاديث أخر وردت في ذلك كما في الحديث الآتي بعد ذلك، [فقال أنا أعلم
(1) اختلفت مشايخ الحديث في هذه الساعة هل هي باقية أو رفعت على قولين والذين قالوا هي باقية اختلفوا أيضًا هل هي في وقت من اليوم بعينه أو غير معينة وبلغت أقوال المحققين في ذلك إلى خمسين ذكرها أصحاب المطولات كالحافظ في الفتح والشيخ في البذل وغيرهما، والمشهور منها أحد عشر قولاً ذكرها ابن القيم ولخصها في الأوجز وأشهر هذه الأقوال كلها قولان يأتي بيانهما.
(2)
وهذان القولان هما أشهر الأقوال في ذلك، قال ابن القيم: أرجح هذه الأقوال قولان تضمنتها الأحاديث الثابتة أحدهما أرجح من الآخر، الأول أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة لما روى مسلم من حديث أبي موسى، والقول الثاني أنها بعد العصر وهو أرجح القولين وهو قول عبد الله بن سلام وأبي هريرة والإمام أحمد وخلق وقال الحافظ: لا شك أن أرجح الأقوال حديث أبي موسى وحديث عبد الله بن سلام انتهى، والبسط في الأوجز.
بتلك الساعة] إما بسماع منه صلى الله عليه وسلم أو استنباط منه بآيات الكتب المتقدمة وإن لم يصرح بها فيها أيضًا، قوله [أخبرني (1) بها ولا تضنن بها على] علم بذلك جواز الضنن بشيء من العلم عمن ليس له أهلاً، وكذا جواز الإحالة به من وقت إلى وقت فإنه أيضًا نوع من الضنن وذلك لأنه لو لم يجز الضن لما خاف أبو هريرة عنه الضن وهما صحابيان لا يظن بهما سوء أي العمل بما لا يجوز وهو الضن، والظن من أبي هريرة نسبة صحابي آخر: إنه يفعل ما لا يحل، قوله [والضنين البخيل] لما بين هذا، وقد ورد في الكتاب لفظ الضنين وفي قراءة الضنين بينهما معًا لمناسبة كونهما قرآنًا، قوله [من أتى الجمعة فليغتسل] هذا الأمر الآن كما كان ولم يكن وجوبًا عامًا حتى يقال بنسخه بل الأمر إنما كان لمن يتأذى برائحة أهل المسجد وهو الآن أيضًا كذلك، ولغيره على الاستحباب كما في زماننا هذا، قوله [كلا الحديثين صحيح] أي ليس هذا اضطرابًا كما يتوهم، بل له رواية عنهما أي عن سالم وعبد الله جمعيًا (2)[من اغتسل وغسل] أي بدنه عن الوسخ أو رأسه بشيء منق له امرأته بجماعها معها لئلا يتوشوش قلبه إذا حضر الجمعة وحضرت النساء، قوله غفر له ما بينه وبين الجمعة (3) وزيادة ثلاثة أيام] لأن الحسنة
(1) ولا يذهب عليك أن ما ذكره المصنف ((في الحديث قصة طويلة)) ذكرها النسائي في مجتباه ومالك في موطأه وغيرهما في غيرهما.
(2)
واختلفت أهل الفن في الترجيح بينهما ومال المصنف إلى تصحيح كليهما كل صرح به، وقال النسائي ما أعلم أحدًا تابع الليث على هذا الإسناد غير ابن جريج وأصحاب الزهري يقولون عن سالم بن عبد الله عن أبيه بدل عبد الله بن عبد الله بن عمر، انتهى.
(3)
وفي شرح أبي الطيب يحتمل أن يكون المراد من الجمعة الأخرى الماضية أو المستقبلة، قال الكرماني: في كلاهما محتمل، وقال العسقلاني: المراد التي مضت لما في صحيح ابن خزيمة بلفظ ما بينه وبين الجمعة التي قبلها، وقال ميرك ولما في أبي داؤد من حديث أبي سعيد وأبي هريرة بلفظ كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها لكن ما في أبي داؤد من حديث ابن عمر بلفظ كفارة إلى الجمعة التي تليها الحديث، يؤيد ما قاله الكرماني والمراد غفران الصغائر، انتهى.
بعشر (1) أمثالها، قوله من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة] أي كغسل الجنابة في مبالغته في الانقاء وهو على (2) حقيقة كما تقدم، [ثم راح] قال بعضهم الراح ههنا على حقيقته وحينئذ فابتداء الساعات بعد الزوال والساعة مطلق الزمان لا ساعة أهل النجوم، وأنت تعلم أنه ليس في ذلك حث على السعي والتكبير وقال (3) الآخرون بل المراد بالرواح هو مطلق الذهاب والساعة هي من ساعات أهل النجوم فيكون هذا من الفجر والطلوع، قوله [قرب بدنة] هي بفتحات والجمع بدن بضم الأول وسكون الثاني واستدل الشافعي بهذا الحديث على ما قال من أن البدنة لا تشمل البقر (4)، قلنا: عدم اشتمالها ههنا بقرينة ذكره في مقابلتها، قوله [أقرن] لما أنه يكون أسمن ر أشرف، [فكأنما قرب بيضة] من ههنا يستنبط طهارتها وحلتها، [حضرت الملائكة يستمعون الذكر] نبه
(1) وعلى هذا فيعد من الجمعتين: إحداهما والأوجه كما أفاده والدي المرحوم نور الله مرقده عند الدرس أن الاعتداد من صلاة جمعة إلى صلاة جمعة أخرى فتصير سبعًا ومع الثلاثة الزائدة عشرة أيام.
(2)
وهل يكفي غسل الجنابة عن غسل الجمعة؟ قالت الجمهور نعم خلافًا لبعض كما في الأوجز.
(3)
وإلى الأول مال والدي المرحوم عند الدرس وهو قول مالك وغيره وقالت الجمهور بالثاني والأوجه عندي أن بداية الساعات من ربع النهار كما بسطت الأقوال في ذلك في الأوجز.
(4)
والمسألة خلافية شهيرة وتظهر ثمرة الخلاف فيمن قال لله على بدنة ولا شك أن المراد بالبدنة في حديث الباب جزور، فقالوا حقيقة وقلنا مجاز بقرينة صارفة عن العموم ففيه اقتصار العام على بعض أفراده والبسط في الأوجز.