الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسنون. قوله [وحدثتني حفصة] وإنما زاد ذلك (1) لأنه لم يكن يحضر وقتئذ حتى يرى النبي صلى الله عليه وسلم في حالة صلاته لهذين، وزاد قوله قال لئلا يظن أن حفصة حدثت نافعًا، كما حدثه أول الحديث ابن عمر، لكن يبقى ههنا شيء، وهو أنه ماذا أراد الترمذي بإيراد هذا الحديث في هذا الباب، وكذا الذي بعد وهو حديث الحسن بن علي قال أنا عبد الرزاق، إلخ، إذ الباب معقود لبيان أن يصليها (2) في البيت وأين هذان من ذاك غير أنه أثبت بهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعض صلاته النافلة في البيت.
قوله
[باب ما جاء في فضل التطوع
إلخ] الأحاديث الواردة في فضل التطوع بعد صلاة المغرب ضعاف إلا أن الرواية الضعيفة معتبرة في فضائل الأعمال، ولا يذهب عليك أن المراد بقولهم هذا ليس اعتبار الرواية الضعيفة في كل ما ورد من الفضائل مطابقًا للأصول أو مخالفًا مثبتًا فضل العمل الجائز أو الغير الجائز حتى يرد عليه أن ذلك يخالف ما مهدوا من قاعدتهم أن الحديث الضعيف لا يثبت به حكم بل (3)
(1) وهو نص رواية البخاري بلفظ وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها ويشكل عليه ما تقدم في باب ما جاء في تخفيف ركعتي الفجر عن ابن عمر قال: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهر الحديث والعجب أن الحافظ ابن حجر لم يتعرض لذلك في الفتح، وفي حاشيتي على الشمائل عن القارئ يمكن أن يجاب بأنه لم يره قبل أن تحدثه وعن اليجوري عن الشبراملسي أن النفي محمول على الحضر والرؤية محمولة على السفر.
(2)
قلت: والأوجه عندي أن المصنف ذكره لما في بعض طرقه زيادة لفظ في البيت بعد المغرب أيضًا.
(3)
والندب أيضًا حكم ولذا قال صاحب الدر المختار شرط العمل بالحديث الضعيف عدم شدة ضعفه وأن يدخل تحت أصل عام وأن لا يعتقد سنية ذلك الحديث، انتهى.
المراد أنه إذا كان الأمر جائزًا في نفسه من حيث الشرع كالنفل بعد المغرب في مسألتنا ثم وردت في إثبات فضله رواية قبلت على ضعفها فأنا لم نثبت الحكم بهذه الرواية بل فضل الصلاة مطقًا ثابت بالروايات الصحيحة، ولما رجا من الله نيل مرتبة واجتهد في تحصيله بظنه نرجو أن يناله بفضله، وفي الباب أحاديث لا يبعد بلوغها درجة الحسن لتعدد طرقها والله أعلم قوله [كان يصلي قبل الظهر ركعتين] وجوابه ما مر من إن أكثر الروايات على أنها أربع وزيادة الثقة معتبرة قوله [صلاة الليل مثنى مثنى] وفي بعض الروايات [صلاة الليل (1) والنهار مثنى مثنى] لعل معناه مثل ما مر من أن بعد كل اثنتين تشهدًا (2)، وليس هذا نصًا في إثبات التسليم بعد كل ركعتين وإذ قد ثبت أنه صلى في النهار أربعًا يحمل أن صلاة النهار مثنى أيضًا كما أنها رباع، وأما قوله [فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة] صريح فيما ذهب إليه الشافعي، قال علماؤنا رحمهم الله تعالى: أوتر كل ما صليت قبل من الركعات بواحدة وهذا لأنه لما كان صلى قبل ستًا ثم جعلها وترًا بزيادة الثلاثة صارت الكل وترًا وأنت تعلم أن ذلك لا يخلو عن تكلف (3) إذ الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم وأوتر بواحدة هو انفرادها لا اجتماعها باثنين معها إذ على هذا (4) يلزم
(1) تكلم المحدثون على زيادة النهار في هذه الروايات كما بسط في محله.
(2)
بل هو المتعين لئلا يخالف ما ثبت من صلاته صلى الله عليه وسلم رباعًا، وتوضيح ذلك أن الأئمة مختلفة في مراده صلى الله عليه وسلم بقوله مثنى مثنى فحمله الشافعي وأحمد على بيان الأفضل وحمله الإمام مالك على الجواز فقال لا يجوز الزيادة على الركعتين للحصر في الحديث وقال الحنفية أن الحصر باعتبار التشهد كما أفاده الشيخ أو باعتبار القلة أي لا يجوز الاقتصار على الأقل من الركعتين ويؤيد قولهم مقابلة الوتر بقوله مثنى كما ترى والبسط في الأوجز.
(3)
قلت لكن مثل هذا التكلف القليل يتحمل عند تعارض الروايات.
(4)
قلت لكنه يلزم إذا ينضم ركعة الوتر بشفعة التطوع، والحنفية قالوا بانضمامها بشفعة الوتر فلا محظور إذ ذاك على أصول الحنفية لأنه يكون معنى الحديث على أصلهم فأوتر بواحدة منضمة إلى الشفعة وذكر الواحدة لأنها هي الأصل الممتاز في الوتر على أنه يمكن حمل الحديث على زمان كان الوتر تطوعًا.
أن يتأذى الوتر من غير نية الوتر فإنه إذا صلى ركعتين نافلتين فلا أقل أن يكون بنية مطلق الصلاة أو بنية النفل وأيًا ما كان فلا يجزى بتلك النية الوتر الواجب إذ النية فيه واجبة من أول التحريمة، فالركعة التي صلاها بعد خشية الفجر وإن كانت بنية منه للواجب إلا أن الأجزاء بهذه الثلاث من الوتر لا يصح على أصول الحنفية، فالحق في الجواب أن الإيتار بواحدة كان في الأول ثم نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم لا بتيراء أو نحوه ما قال إذ لو حمل على ما حملوا لزم توجيه القول بما لا يرضى به قائله (1) إذ الراوي لذلك الحديث وهو ابن عمر كان يوتر بواحدة فكيف يحمل روايته على ما هو خلاف ما اختاره، وأما الروايات الأخر كرواية عائشة وغيرها مع كونها نصًا في الإيتار بثلاث من غير ارتكاب تكلف تأيدت بعمل روايتها بالإيتار بثلاث.
قوله [واجعل آخر صلاتك وترًا] ذهب (2) بهذا الحديث بعض من تقيد بالعمل على ظاهر الحديث إلى النهي عن الصلاة بعد الوتر ويرده الروايات
(1) لكن القائل ليس بابن عمر بل القائل هو غيره وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم الوتر بركعة قال القارئ: لا يوجد مع الخصم حديث يدل على ثبوت ركعة مفردة في حديث صحيح ولا ضعيف، وقد ورد النهي عن البتيراء ولو كان مرسلاً والمرسل حجة عند الجمهور، انتهى، قلت وبسط الشيخ في البذل طرق حديث البتيراء فأرجع إليه لو شئت.
(2)
فقد ذهب إسحاق وغيره إلى أن من أوتر ثم بدا له أن يتطوع فليصل ركعة يشفع بها وتره السابق ثم يصلي ما بدا له ثم يوتر ثالثًا عملاً بهذا الحديث خلافًا للجمهور كما بسطه الشيخ في البذل في باب نقض الوتر.
الصريحة الواردة في ذلك وعمل الصحابة، ومعنى الأمر إما على الاستحباب أو المراد به وهو الحق أنه قال: اجعل آخر صلاتك المفروضة عليك وترك فيثبت بذلك الترتيب بين الفرائض والوتر ووجوب الوتر، وإن امرؤ صلى الوتر قبل العشاء فإنه يعيده لتركه وجوب التأخير الثابت بقوله اجعل آخر صلاتك، وأيضًا فقد علم بهذا الحديث على هذا المعنى كون الوتر فرضًا عمليًا لإدخاله في إعداد الفرائض. قوله [أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم] هذا مخالف لما قد ثبت أن صوم عرفة أجره أجر صوم سنتين، وصوم المحرم أجره أجر سنة، فأجاب بعضهم بأن البعدية ليست بمتصلة فلا ينافي كون شيء آخر في الترتيب بين رمضان ومحرم، وهذا ليس بشيء بل الجواب (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عرفة بعدما قال الحديث المذكور فلا حرج فيه حينئذ.
قوله [إنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان] هذا السائل كان يظن أنه صلى الله عليه وسلم لعله يجتهد بكثرة الركعات فيه، وكان له حال صلاته في غير رمضان معلومًا، ولذلك خصص رمضان في سؤاله، فكأنه حمل ما سمع من اجتهاده صلى الله عليه وسلم وتشميره عن ساق الجد في ليالي رمضان، كما ورد في أكثر الروايات على أنه يكثر من الركعات في رمضان ما لا يكثر في غيره، ولذلك ترى عائشة أجابت بنفي زيادة الركعات دون ما هو مصرح في سؤاله عن لفظ كيف، وسكت السائل عليه واقتنع به ولم يرد عليه أنه سائل عن كيفيتها ولا يبعد أن يقال إنها أجابت صريح سؤاله بقولها فلا تسأل عن حسنها وطولها، وإنما زادت أول كلامها دفعًا لما رأت من رغبتهم في كثرة الركوع والسجود وما ينبغي أن يعلم أن نفيها
(1) قلت: ويمكن أيضًا أن يجاب بأن المراد في حديث الباب صوم الشهر بتمامه فباعتبار الشهور يفضل المحرم على ذي الحجة، كما قال به جمع من الشافعية ففي الأنوار الساطعة من مسالك الشافعية إن رمضان أفضل الشهور، ثم المحرم ثم رجب ثم ذو الحجة ثم ذو القعدة ثم شعبان ثم باقي الشهور.
هذا إنما هو نفي لما هو أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم وإلا فقد ثبت عنه الزيادة على هذا (1) العدد وما رام به البعض من التطبيق بين هذه الروايات يجمع الركعتين بعد العشاء معها وعدمه فيرده أن المتبادر من صلاة الليل لا سيما صلاته صلى الله عليه وسلم التي كانت بعد نومه وبعد صلاة العشاء بكثير هي صلاة التهجد فكيف يجمع معها.
قوله [ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن] هذا ما استدلت به الأحناف على كون صلاة الليل أربعًا بنية، فإنها قالت كان يصلي أربعًا، فلما ذكرت أربعًا بلفظ واحد، وذكرت أربعًا أخرى بعدها بلفظ، ثم علم أن هذه الأربعة منفصلة عن الأربع الأول ولا فصل إلا بسلام بخلاف الأربع نفسها، فإنها لا فصل فيما بينها بتسليم حتى يكون الصلاة مثنى مثنى، وكذلك قولها ثم يصلي ثلاثًا فإنه يقتضي أن لا فصل فيما بينها حتى يلزم الوتر بواحدة مع أن عائشة رضي الله عنها كانت توتر بثلاث وأنت تعلم أن استدلالهم هذا غير تام، فإن الفصل بعد الأربع هو الفصل بعد الثمان قبل الوتر وهو فصل نوم وتحديث مع أهله واضطجاع لا فصل تسليمة وإلا فكيف يصح قولها أتنام قبل أن توتر فلا ينافي الفصل بين كل ركعتين بتسليمة فأفهم.
وأما قولها [أتنام قبل أن توتر] فإنها لما رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعًا ثم
(1) حتى من رواية عائشة بنفسها أيضًا، فقد روى عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، كما أخرجه مالك في موطأه برواية عروة الروايات عنه، وكذلك روى ثلاث عشرة ركعة من حديث أم سلمة وجابر وزيد بن خالد الجهني، وروى عن علي أنه صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ست عشرة ركعة، كما بسط في الأوجز قال القارئ قوله في رمضان أي في لياليه وقت التهجد فلا ينافيه زيادة ما صلاها بعد صلاة العشاء من صلاة التراويح، انتهى.