الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيما فعلته من تحسين روايته فنبه على تضعيف تضعيف مالك بعد حكايته.
[باب في المسح على الجوربين والنعلين]
أي على الجوربين مع النعلين وهذا يحتمل معنيين أحدهما أن يمسح على الجوربين مع كون النعلين ملبوستين له، والثاني المسح على الجوربين المنعلين أو الجوربين أو المنعلين أو الجوربين والمنعلين (والمنعل ما فيه جرم تحته كنعال العرب) وتفصيل (1) المقام أن في مسح الجوارب مذاهب جواز المسح عليها مطلقًا ثخانًا كانت أو لا، منعلة كانت أو لا، وهذا ما ذهب إليه شرذمة قليلة من أهل الظاهر ولا يصح عند أحد من أصحاب المذاهب المعتبرة بهم المأخوذة أقوالهم ومع هذا كله فدلالة الرواية على ما ادعوه مسلمة بعد فإن الجوربين مطلقة فيها وهذا إذا كان الواو للعطف لا بمعنى مع.
(1) اختلفت شراح الحديث وأصحاب الفروع الأربعة في تفسير الجورب ونقل مذاهب الأئمة في ذلك كثيرًا حتى قال ابن رسلان اضطرب فيه كلام الأصحاب أي الشافعية، وهكذا اختلفت نقلة المذاهب في بيان مذهب الإمام أحمد وذلك لاختلاف روايات عنه فقد ذكر ابن قدامة أقواله مختلفة نعم لم يذكر فيه الاختلاف صاحب الشرح الكبير من فروع المالكية بل شرط التجليد وتتابع المشيء ونفى جواز المسح بفقد هذين الشرطين ولم يشترط عامة أصحاب الفروع الشافعية شيئًا من التجليد والتنعيل بل شرطوا الثخانة بحيث لا يصل الماء وإمكان تتابع المشي وهكذا في فروع الحنابلة من النيل والروض وسيأتي مذهب الحنفية قريبًا.
والثاني (1) مذهب الإمام الهمام رضي الله تعالى عنه وهو جواز المسح عليهما إذا كانا ثخينين ومنعلين وإذا عدم وصف منهما لم يجز وإن وجد الآخر، والحاصل اشتراط اتصافه بكل من الثخانة والتنعل.
والثالث مذهب صاحبيه والشافعي وأحمد وإسحاق من جوازه إذا كانا ثخينين أو منعلين، وحاصل هذا الأخير أن كلاً من الثخانة كاف لجواز المسح عليهما فكل من أصحاب المذاهب الثلاثة ذهب بالرواية على حسب ما يوافق رأيه فقال الظاهرية: إن الواو على ظاهرها وهو ظاهر، وقال الإمام الهمام: الواو بمعنى مع أي مسح عليهما مع كونهما منعلين فلا يكفي أحد الوصفين بانفراده ولا يخفى أن جواز تخلل العاطف بين الأوصاف المتعددة للشيء الواحد كالشريعة المتفقهة عليها فلا يبعد إبقاء الواو على أصلها ويلتزم أنها متخللة بين وصفي موصوف واحد ويشهد له من كلامهم ما في اشتهاره استغناء عن ذكره وتكراره وقالت البقية معنى الحديث أنه رضي الله تعالى عنه مسح على الجوربين ومن المعلوم المتفق عليه بين أصحاب
(1) وتوضيح مسلك الحنفية كما في الدر المختار ((أو جوربيه)) ولو من غزل أو الشعر ((الثخينين)) ويثبت على الساق بنفسه ولا يرى ما تحته ولا يشف ((والمنعلين والمجلدين)) انتهى، قال ابن عابدين قوله الثخينين أي الذين ليسا مجلدين ولا منعلين وهذا التقييد مستفاد من عطف ما بعده عليه وما ذكره المصنف من جوازه على المجلد والمنعل متفق عليه عندنا، وأما الثخين فهو قولهما وعنه أنه رجع إليه وعليه الفتوى، كذا في الهداية وأكثر الكتب، وفي حاشية أخي جلبي: إن التقييد بالثخين مخرج لغير الثخين ولو مجلدًا ولم يتعرض له أحد قال والذي تلخص عندي أنه لا يجوز المسح عليه إذا جلد أسفله فقط لأن منشأ الاختلاف بين الإمام وصاحبيه اكتفائهما بمجرد الثخانة وعدم اكتفائه بها بل لا بد عنده مع الثخانة من النعل أو الجلد، انتهى.
الاجتهاد والذين على آرائهم تعويل واعتماد أن المسح لا يجوز إلا على الثخينين فوجب تقييده لئلا يلزم مخالفة قضية الإجماع وبقى قوله ((نعلين)) بمعنى منعلين على انفراده فلزم القول بجواز المسح عليهما إذا كانا منعلين وإن لم يكونا ثخينين لما في الرواية من التصريح به فأما المعنى (1) الذي ذكرناه قبل الكل فلا يخفى موافقته لرأي أصحاب المذاهب كلها فأفهم إذ لا ضير فيه وغاية ما يلزم فيه انقطاع أثر الأنامل بشراك النعل أو سيورها ولا يلزم ترك واجب بل ولا مستحب إذ المسح المسنون قد حصل قبل هذا، ولهذا الحديث معنى آخر (2) وهو أنه صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين ومسح على النعلين لكنه ليس مما ذهب إليه غير أهل الظاهر وهو منسوخ عندنا والله ولي التوفيق.
[باب المسح على الجوربين (3) والعمامة] هذا (4) الذي يروي من المسح على العمامة يجب حمله على ما في بعض طرق تلك الرواية من أنه عليه الصلاة والسلام
(1) وهو الذي ليس فيه النعل بمعنى المنعل ويكون المعنى على هذا التقدير أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين مع أنه كان لابسًا نعليه.
(2)
قلت: وللحديث معنى آخر بعيد من الكل وهو أنه يرجع إلى أحاديث مسح القدمين مجازًا بإرادة الحال بذكر المحل وعلى هذا فهو مؤول عند الكل بأن يراد بالمسح الغسل الخفيف ذكره أبو الطيب المدني.
(3)
قد سبق التبويب بذلك قبله ولا ذكر له في حديث الباب ولا يوجد ذلك في بعض النسخ ولم يذكره ابن العربي في ترجمته فالأوجه حذفه وللتأويل فيه مساغ.
(4)
قال مولانا عبد الحي في التعليق الممجد: اختلفت فيه الآثار فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على عمامته من حديث عمرو بن أمية وبلال وابن مغيرة بن شعبة وأنس، وكلمها معلولة، انتهى.
قلت: ومن قال بذلك صحح بعضها.
مسح على ناصيته وعمامته ولا يلزم مخالفة (1) المذاهب كلها ومخالفة الروايات
(1) هذا مشكل لأن مذهب بعض الصحابة والتابعين وأحمد وداؤد جواز المسح على العمامة يدون الناصية كما صرح به ابن قدامة وغيره مع الاختلاف فيما بينهم هل يحتاج الماسح على العمامة إلى لبسها على طهارة أم لا وهل فيه توقيت أم لا وهل يحتاج إلى تعميم الرأس أم لا وغير ذلك قال ابن قدامة: ومن شرط جواز المسح على العمامة أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين فإن كان تحت العمامة فلنسوة يظهر بعضها فالظاهر جواز المسح عليهما لأنهما صارا كالعمامة الواحدة ومن شرط الجواز أيضًا أن تكون على صفة عمائم المسلمين بأن يكون تحت الحنك منها شيء أو يكون لها ذوابة وإن لم يكن هذا ولا ذا لم يجز المسح لأنها على صفة عمائم أهل الذمة وإن كان بعض الرأس مكشوفًا مما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس يمسح المكشوف أيضًا لحديث المغيرة بالمسح على الناصية والعمامة وجوبًا أو ندبًا وجهان: وهل يجب استيعاب العمامة بالمسح وجهان، والتوقيت في مسحها كالتوقيت في المسح على الخف، انتهى مختصرًا، ومذهب الجمهور كما قاله الحافظ في الفتح عدم جواز الاقتصار على مسح العمامة وبه قالت الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري وابن المبارك وعروة والقاسم والشعبي والنخعي وحماد بن أبي سليمان وغيرهم، قال الترمذي: وهو قول غير واحد من الصحابة، قال ابن رسلان: مذهب الشافعي لا يجوز الاقتصار على العمامة بلا خلاف عند أصحابه وأجابوا عن الحديث بأن فيه اختصارًا والمراد مسح الناصية والعمامة كما في حديث المغيرة فإن قيل كيف يظن بالراوي حذف مثلها يقال إنه كان معلومًا عندهم، وقال الخطابي: فرض الله المسح وحديث المسح على العمامة محتمل التأويل فلا يترك المتيقن بالمحتمل، وقال الحافظ اختلف السلف في معنى الحديث فقيل إنه كمل عليها بعد مسح الناصية وفي رواية مسلم ما يدل على ذلك، قال العيني أوله البعض بأن المراد ما تحته من قبيل إطلاق اسم الحال على المحل وأوله البعض بأن الراوي كان بعيدًا فتوهم، وقال عياض أحسن ما حمله عليه أصحابنا لعله كان لمرض منعه كشف رأسه فصارت العمامة كالجبيرة، انتهى، قلت: وأحسن الأجوبة عندي أن مسح الرأس قطعي لا يترك بأخبار الآحاد حتى يأتي كأحاديث المسح على الخفين إلا أن الاستيعاب سنة يكفي لها أحاديث مسح العمامة أفاده الشيخ الوالد.
الصحيحة أيضًا ويبطل موجب الكتاب الذي هو مسح الرأس لا ما يستره، فأما أن يجاب عنه بأن كان زائدًا على أصل الفرض فكان قد مسح عمامته بعد مسح مقدار الفرض من رأسه فلا يخفى أن المسح على العمامة إن كان اتفاقًا بأن يكون قصده صلى الله عليه وسلم تسوية العمامة فظنه الراوي مسحًا فلا بعد فيه وإن كان المعنى أنه صلى الله عليه وسلم مسح عليها قصدًا فهو غير معقول المعنى لكونه إكمالاً في غير محله هذا ما هنا وقد وجهه (1) الأستاذ أدام الله علوه ومجده وأفاض على العالمين بره ورفده بما ذكرناه في تعليقات أبي داؤد (2) فانتظره فإنه أدق وألطف وإن أجاب أحد عن أصل الأشكال
(1) ولا يتوهم منه تقدم درس أبي داؤد عل الترمذي فإنه قدس سره نبه بذلك عند التبيض بعد ختم الكتب كلها.
(2)
قلت: ذكر حضرة الشيخ في تقرير أبي داؤد عدة توجيهات لم تذكر ههنا والذي أشار إليها بقوله أدق وألطف ما ذكره بقوله أو المراد المسح على الناصية ومقدار الفرض من الرأس وإتمام باقي المسح على العمائم فإن الله تبارك وتعالى وضع في الطاعات والعبادات وشروطها وأركانها آثارًا وبركات لها عند الله مقادير فبإتيان ما ناب مناسب بعضها وإن لم يحصل كل ما كان يترتب على الأصل كملاً ولكنه لا ينكر حصول شيء منها ولذلك نظار وأمثال لا تخفى بعد التأمل أما في الشرعيات فاستلام الحجر الأسود فإنه عند تعذره ينوب عند لمس العصا بل الإشارة، وأما في الحسيات فالضرب على الجسم اللابس أثوابًا فإنه وإن لم يفد مفاد الضرب على الجسم العاري عن الملابس إلا أنه لا شك أنه لا يخلو عن إيلام فلما كان كذلك أمكن أن يصير المسح على العمامة بدلاً من إتمام مسح الرأس وعائدًا على الماسح ببعض ما وضع الله تبارك وتعالى فيه فلا يمكن أن يقال لما لم تكن محل فرض كان المسح على العمامة لغوًا كيف وقد تأيد ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم وأمره إياهم غاية الأمر أن الاكتفاء بالمسح على العمامة لما كان مخالفًا للآية والمشهور من الرواية قلنا بوجوب مسح الناصية مع المسح على العمامة، انتهى.
بأن ذلك كان قبل تزول المائدة لكان له وجه صحة أيضًا إلا أنه يرد عليه ما ورد في غير حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي فإن المشار إليه ثمة كل ما هو مشروع منه يومنا هذا من غير استثناء ويبطله اتفاقهم على وجوب الصلوات بمكة وأن المائدة مدنية وأن سنة الوضوء متلقاة من شريعة من قبلنا وأن فائدة إنزال الآية التوكيد وأمثاله لا إفادة الحكم باشتراط الطهارة فإن كأنه حاصلاً من قبل.
[سمعت أحمد بن حنبل إلخ] أراد بذلك توثيق يحيى بن سعيد المذكور في الرواية المارة من قبل لئلا يظن به سوء حفظ وعدم إتقان وغيره لإتيانه بالرواية على ما يخالفه رواية الثقات ويرده اتفاق الروايات والآيات.
[وهو قول غير واحد إلخ] أي المسح على العمامة بعد المسح على الناصية (1)
(1) قد عرفت فيما سبق أن هذا البعض لم يقولوا بمسح الناصية بل قالوا بجواز الاكتفاء على مسح العمامة ولعل الباعث للشيخ على هذا الكلام قول الترمذي إن هذا البعض قالوا بحديث المغيرة، وفي حديثه مسح العمامة والناصية معًا نعم الذين قالوا بعدم كفاية المسح عليها اختلفوا في ذلك فأنكره المالكية مطلقًا وصرح الشافعية قاطبة بأن السنة تتأدى بإكمال المسح على العمامة والحنفية لم أر التصريح في كتبهم بذلك لكن أشار ابن العربي إلى اتفاق الحنفية والشافعية وإليه يشير ما تقدم عن تقرير الشيخ علي أبي داؤد.