الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب السفر
قوله [لا يصلون قبلها ولا بعدها] أي تأكدًا وإلا فقد ثبت الرواية عن ابن عمر (3) أيضًا أنه كان يصلي السنن ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قوله [وقال لو كنت مصليًا قبلها أو بعدها لأتمتها] يعني أن التخفيف لما أثرت في الفرائض أثرت في السنن أيضًا إلا أن التخفيف في السنن ليس في تقليل أعداد الركعات إنما التخفيف فيها بنقض تأكدها الذي كان في غير السفر، فمراده أن السنن لو كانت باقية على ما كانت قبل من التأكد لم يخفف في الفرائض أيضًا، فلما ثبت بنص قطعي تخفيف في المفروض ثبت نوع منه آخر في النافلة وكان رضي الله تعالى عنه رأى من رجال معه تكلفًا في أداء السنن
فعلم أنهم يؤكدونها تأكد الإقامة فقال ذلك، قوله [وعثمان صدرًا من خلافته] ثم أتم عثمان بعد ذلك، واختلفوا (1) في الجواب عنه فقيل
(1) اعلم إنهم اختلفوا في حكم القصر على عدة أقوال: أما الحنفية فإنهم قالوا بوجوبه قولاً واحدًا واختلفت الروايات عن الإمام الشافعي وأشهرها المنصور عند أصحابه أنه رخصة وكذلك اختلفت الروايات عن الإمام مالك فروى عنه أشهب أنه فرض، وروى أبو مصعب عنه أنه سنة وهو أشهر الروايات عنه، وأما الإمام أحمد فروى عنه أنه فرض، وعنه أنه سنة، وعنه أنه أفضل، وعنه أحب العافية عن هذه المسألة، كذا في الأوجز.
إنما أتم لئلا يظن الحاضرون افتراض الركعتين وفيه أنه يلزم بذلك فساد صلاة كل من خلفه من أهل هذه الناحية لم أنهم صلوا خلفه فرائضهم وهو متنقل في شفعته تلك، فكيف لم ينبههم على ذلك وسكت عن ذكره، وقيل لأنه كان تأهل بمكة، وفي ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد منعهم عن العود في الدار التي هاجر عنها، فكيف ارتكب عثمان رضي الله تعالى عنه مع جلالة قدره، والحق (1) في الجواب أنه كان يرى ما ترى عائشة من جواز التقصير، والاتمام كليهما عملاً بقوله {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} وقد كان اختيار السياق المذكور في هذه الآية مع أن الحنفية لم يقولوا بمفهوم المخالفة، ما كانوا يظنون في هذا التقصير من الإثم الكبير، وقد ثبت برواية عائشة أن فرض الصلاة إنما كان في الأول اثنان، ثم زيد في الحضر ولم يزد في السفر، وعلى هذا فلا يلزم كونه رخصة بل الأربع لم تكن فريضة أصلاً حتى تكون الرخصة وتسميته قصرًا في الآية بإضافته (2) إلى الحضر لا إلى أصل ما فرض منها، وإن كان نسخًا فالعمل لا يجوز بالمنسوخ أصلاً فكيف يجوز الاتمام.
قوله [إلا أن الشافعي يقول التقصير رخصة له في السفر، فإن أتم الصلاة أجزأ عنه] هذا الاستثناء يدل على أن مذهب الأئمة المذكورين ههنا هو التقصير ولا يجوزون (3) الاتمام، قوله [بذي الحليفة العصر الركعتين] هذا يدل على
(1) ويحتمل أنهما يريان القصر عند الخوف لقوله تعالى {إِنْ خِفْتُمْ} فتأمل.
(2)
وبسطه الشيخ في البذل.
(3)
وعلى هذا فما حكى عن الإمام أحمد يكون مبنيًا على إحدى الروايات عنه كما تقدم قريبًا.
أن التقصير في الصلاة ليس منوطًا على اتمام مدة السفر بل يكفي في ذلك مطلق أخذه في السفر، ولا يدل على أكثر من ذلك، فإن ذا الحليفة على ستة أميال من المدينة، قوله [لا يخاف إلا رب العالمين] هذا إشارة إلى أن قيد إن خفتم في الكريمة ليست مدار القصر، وهذا السفر كان عام حجة الوداع.
قوله [باب ما جاء في كم تقصر الصلاة] هذا يعم مدة الإقامة ومدة السفر فإن لفظة كم وضعها لبيان الكمية، وهي ههنا (1) تعم القسمين كما ذكرنا، وإن لم يذكر الترمذي بعد إيراد الحديث إلا بيان الاختلاف في مقدار الإقامة، وأما أن مقدار الذي يعد به مسافرًا شرعًا ما اخترناه، فالدليل عليه ما رواه مالك مرفوعًا لا نقصر من أقل من أربعة برد أو نحو ذلك، والبريد أربع فراسخ، والفرسخ قريب من ثلاثة أميال إلى الزيادة، قوله [إنه أقام في بعض أسفاره تسع من روى ثماني عشرة أو سبع عشرة أو ست عشرة، وقد ورد خمس عشرة أيضًا، وطريق الجمع أما في الثلاثة الأول فظاهر، فإن من عد (2) يومي النزول والخروج عد تسعًا، ومن لم يعدهما قال في روايته سبعًا، ومن ذكر أحدهما ذكر ثمان عشرة، وأما الجمع بين الخمس والست ففيه إشكال.
قوله [روى عن علي أنه قال من أقام عشرة أيام إلخ] هذا مع ما ينافيه
(1) أي باعتبار الحديث وإلا فظاهر غرض الترمذي أنه أراد الأول إذ ذكر أقوال العلماء في ذلك دون الثاني.
(2)
وبهذا جمع البيهقي بين هذه الروايات، وأما رواية خمسة عشر فضعفها النووي وليس بجيد لأن رواتها ثقات ولها متابعة، وإذا ثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبع عشرة فحذف منها يومي الدخول والخروج، انتهى ما في البذل مختصرًا.
عمل الأصحاب الأخر يرده عمل النبي صلى الله عليه وسلم بخلافه، فإنه أقام بمكة عشرة أيام أو أكثر، ومع هذا لم يتمم (1) ولا يتوهم أنه أقام هذا القدر من غير قصد، وكان يريد الارتحال في أقل من ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة رابع ذي الحجة لم يكن له قصد إلا الرواح بعد الفراغ من الحج، وليس الفراغ (2) إلا في الرابع عشر، فالقصد للإقامة كان لعشرة أيام أو أكثر من ذلك، قوله [وروى عن ابن عمر] الروايات عن ابن عمر مختلفات فكيف يعمل بإحداها دون الآخر، [وروى عن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا أقام أربعًا] هذا ما يرده أيضًا عمل الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فإنهم كانوا على يقين وإزماع من الإقامة أربع أيام قوله [إلى توقيت خمسة عشرة] لما روى في رواية (3) من روايات إقامته يوم فتح مكة، ولما روى في رواية عن ابن عمر أيضًا، قوله [ثم ناوله (4) هكذا] في رواية الترمذي في نسختنا، وأما ما أقرءناه الأستاذ أدام الله علوه فتناوله بلفظ التاء الفوقانية المثناة دون النون، قوله [فصلى تسعة عشر يومًا ركعتين ركعتين] إقامته وهي هذه (5) لم تكن بإزعامه لإقامة هذا القدر، لأنه قد اجتمعت عليه حينئذ
(1) يحتمل أن يكون من التفعيل فإن التتميم والاتمام في اللغة واحد، والأوجه أنه من الاتمام فيجوز في الجزم الفك والادغام.
(2)
هذا معلوم إلا أن قيام هذه الأيام العشرة لم يكن في محل واحد بل بمنى وعرفات ومكة وغيرها، فلا يتم الاستدلال على أصول الحنفية، وأجيب عن هذا الإشكال في تقرير عمي الشيخ مولانا رضي الحسن المرحوم أن هذه المواضع كلها داخلة في مكة انتهى، أي باعتبار كونها فناء له فتأمل.
(3)
وهو أقل ما ورد في ذلك، فالأخذ بالمتيقن أولى.
(4)
أي بالنون ذكر في هامش ((شرح السراج)) من المناولة بمعنى الأخذ وفي بعض النسخ بالتاء أي عمل به.
(5)
هكذا في الأصل، والظاهر أنها جملة معترضة بين المبتدأ والخبر فتأمل.