الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فعله صلى الله عليه وسلم مما يدل على سوى ذلك فهو عنده من خصوصياته المبنية على كونه صلى الله عليه وسلم أملك لأربه فلا يكون فعله هذا تشريعًا لسائر أفراد أمته ممن ليس بتلك المثابة إذ لا يخفى أن مباشرة ما تحت الأزار في أكثر الأمر يفضي إلى ارتكاب ما هو حرام قطعًا فيكون حرامًا لأن سبب الشيء في حكمه فيون سبب (1) الحرام كما أن تحصيل أسباب المفروض من الصلاة فرض، ومنهم من قال إن المنهي عنه الاستمتاع بموضع الدم لا غير فإصلاح الأزار عند هؤلاء كناية عن عقده ليتقي به شعار الدم وأنت تعلم أن من يرعى حول الحمي يوشك أن يقع فيه والله المسول للعصمة عن معاصيه.
[قوله سألت النبي صلى الله عليه وسلم] والحامل على المسألة ما أثرت فيهم مجاورة اليهود وملابستهم تشدد في أمر الحيض فإن اليهود كانت إذا حاضت (2) فيهم المرأة اعتزلوا عنها فلم يواكلواها ولم يشاربوها ولم يخالطوها فاستثبتوا من حكم النساء في حيضها ليكونوا على بصيرة منه وأما حكم سورها وطهورها فلعلي ذكرته من قبل (3).
[باب الحائض تتناول الشيء من المسجد]
.
(1) هكذا في الأصل وظاهر السياق أنه سقط من القلم خبر يكون وأصل العبارة فيكون سبب الحرام حرامًا ويحتمل أن يكون الخبر محذوفًا لظهوره ويحتمل أيضًا أن يكون قوله سبب الحرام خبرًا، والاسم ضمير يرجع إلى مباشرة ما تحت الأزار.
(2)
أخرجه وسلم أبو داؤد وغيرهما مفصلاً.
(3)
قلت: تقدم في باب الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل.
[إن حيضتك ليست في يدك] لما علمت عائشة رضي الله تعالى عنها أن النهي عن دخول الحائض المسجد لمعنى يعم الجسم كله فلا بد وأن يكون اليد متلبسة بشيء منه أيضًا فإن حلول هذا المعنى في الجسم يقتضي حلوله في جزء جزء منها، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم بأن النهي عن الدخول لا يستلزم النهي عن إدخال اليد وغيرها مما لا يعد دخولاً عرفًا أو لغة أو شرعًا فإدخال سائر تلك الأجزاء منفردة لا يكون متهيأ عنه لعدم دخوله تحت الدخول ولعل الوجه في ذلك أن الحدث بنوعيه يسري في الجسم كله بحيث اتصف به المجموع كله اتصافًا واحدًا ولذا اشتهر فيما بينهم أن الحدث غير متجز كنقيضه فليس الجسم كله إلا متصفًا بمعنى واحد جعل سببًا لترتب النهي عليه لا أن حدث الرأس مثلاً وراء حدث الرجل وحدث اليد سوى حدث الوجه فإذا أدخل شيئًا من أجزائه في المسجد مثلاً لم يلزم دخول هذا المعنى المبني عليه النهي عن الدخول بل دخول شيء منها وذا لا يضر لا يقال على هذا التقرير أن الداخل في المسجد إذا أبقى رجله أو يده خارجة يعد غير داخل فيه لعدم دخول الجسم كله فلا يلزم دخول المعنى المبني عليه النهي لكون الجزء الحال منه في اليد أو الرجل غير داخل فيه لأنا نقول لما أمكن اتصاف الجسم بالحدث ونقيضه مع عدم بعض هذه الأجزاء كمن قطعت يده ورجله أو كلتاهما لم تعتبر تلك الأجزاء في مقابلة الجسم كله وكذلك الرأس فإن الجسم يتصف بالطهر ونقيضه من دون الرأس ولذلك إذا وجد الميت بغير الرأس غسل وصلى عليه وإذا وجد الرأس فقط لم يغسل ولم يصل عليه وما ذلك إلى لاتصافه بالطهارة في الصورة الأولى دون الثانية، والصلاة مترتبة على الغسل فهذا كله يدل على أن انعدام بعض هذه الأجزاء لا يمنع صحة اتصاف الجسم بالحدث والطهارة فلذلك قلنا من دخل المسجد وهو جنب، ورأسه أو رجله أو غيره من الأجزاء خارج منه كان أثمًا لوجود الدخول لا يقال يلزم من هذا الذي ذكرتم جواز مس المصحف للجنب والمحدث كليهما إذ ليست المماسة إلا بجزء من الجسم كإدخال اليد في المسجد ولا يظهر بينهما فرق والجواب
أن مماسة المصحف لا يمكن بحسب العادة إلا بجزء منه ولا يعقل مس المصحف بالجسم كله أو بعضه فكان النهي عن المس الوارد فيه واردًا على هذا المس لا غير إذا المس بمعنى ماسة سائر أجزاء الجسم فممنوع من قبل فلو حمل النهي ههنا عليه أيضًا لم يبق للنهي فائدة لوروده على ما هو ممتنع عادة وما يتوهم من مضمون الحديث من جواز استعمال آلات المسجد وأسبابه فباطل إذ البورياء (1) لم تكن ههنا من أوقاف المسجد إذ لم تجر العادة بذلك بعد بل الخمرة كانت له صلى الله عليه وسلم كان يفرشها في المسجد تارة وفي البيت أخرى ومما يدل عليه قوله الخمرة بتعريف العهد ولولا أنه معروف معهود لتعينه لقيل ناوليني خمرة من المسجد لا يقال كانت واحدة فتعينت لذلك لأنا نقول لو كان كذلك لقيل ناوليني خمرة المسجد مع أن الخمرة الواحدة وهي البورياء الصغيرة ماذا تغني في المسجد النبوي ومما ينبغي أن يتنبه له أن الظاهر مما ذكرناه كونه صلى الله عليه وسلم خارج المسجد في حجرته وأن قوله من المسجد متعلق بقوله من المسجد (2) وأنه لا حاجة إلى ما نقله النووي عن القاضي أن قوله من المسجد متعلق بقوله قال ونص عبارة القاضي على ما في النووي هذا معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك من المسجد أي وهو في المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخرجها له من المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم كان في المسجد معتكفًا وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض لقوله صلى الله عليه وسلم إن حيضتك ليست في يدك فإنما خافت من إدخال يدها المسجد ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى انتهى كلامه، وأنت تعلم أن الذي جعله القاضي رحمه الله تعالى
(1) قال المجد: البوري والبورية والبورياء والباري والبارياء والبارية الحصير المنسوج وإلى بيعه ينسب الحسن بن الربيع البواري شيخ البخاري ومسلم.
(2)
كذا في الأصل وفيه تحريف من الناسخ، قال صاحب المجمع قوله من المسجد متعلق بناوليني أو يقال، انتهى، قلت: والأوجه عندي أنه على الاحتمال الأول متعلق بمحذوف أي آخذه من المسجد.