الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدخول فيها، وفي الفضاء قبل كشف العورة.
قوله [أمتي يوم القيامة غر من السجود محجلون من الوضوء] هذه علامة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقيل: لم يكن في الأمم السابقة وضوء، بل كان الوضوء لأنبيائهم فقط، وقيل المختص بهذه الأمة هو التحجيل من آثار الوضوء فحسب لا الوضوء أيضًا، وأيًا ما كان فهذا سيماء هذه الأمة يوم القيامة يعرفون بها، وهذا ترغيب على الوضوء وحث على لزوم الصلوات، إذ لا يفيد الطهارة دونها، وتخصيص الغرة بالسجود ليس لأن أثر الطهارة لا يكون في الجبهة بل لأن الغالب في الجبهة هو أثر السجود، لما أن الجبهة أصل في السجود، وأما في غير الجبهة من الأعضاء فعل (1) أثر الطهارة أعلى من أثر السجود وأغلب، أو هو مساو له، فلذلك لم يذكر ههنا لفظ السجود، بل قال: غر من السجود محجلون من الوضوء، والتحجيل، بياض في قوائم الفرس.
[باب ما يستحب من التيمن في الطهور]
.
التيامن ثابت منه صلى الله عليه وسلم في كل ما فيه شرف من الأفعال كالترجل والتنعل وغيرهما، وما ليس كذلك فالمستحب فيه التياسر كنزع الخف والثوب ودخول الكنف وغير ذلك، وأما مسح الأذنين فسقط فيه التيامن لما أنه تابع مسح الرأس ولا تيامن فيه لعدم اليمين (2) واليسار، فلا يكون حكم التبع على خلاف الأصل.
[باب ما يجزئ من الماء]
.
(1) لغة في لعل كما صرح به أهل النحو إذ عدوا في لعل إحدى عشرة لغة.
(2)
أي في مسح الرأس فإنه يمسح مرة واحدة ولا يغسل الجهة اليمنى قبل اليسرى.
قد بينه أولاً لكنه معنون بعنوان (1) آخر، مع أن علماء هذا الشأن عمومًا والحافظ الترمذي خصوصًا لا يبالون بالتكرار، قوله [يجزئ في الوضوء رطلان] المراد بإيراده ههنا بيان أن ما قدمنا في بيان مقدار الماء في الوضوء ليس (2) تحديدًا لا يجوز الزيادة عليه أو النقص منه، إذ قد ثبتت الزيادة على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يعلم من ههنا صحة ما ذهب إليه الإمام من أن الصاع ثمانية أرطال لأنه أربعة أمداد، والمد مختلف فيه، فبيانه صلى الله عليه وسلم ماء الوضوء بقوله رطلان، بيان مراده بالمد، فقد قال الراوي ابن جبر عن أنس راوي حديث: يجزئ في الوضوء رطلان من ماء، عن أنس أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمسة مكاكي، والمكوك مشترك بين المد والصاع، وقرينته مقابلته بخمسة مكاكي، يعين المد ههنا، فهل لا يلزم من ذلك كون المد رطلين وإلا خولف بين روايتيه عن أنس، وحاصله أن ابن جبر روى عن أنس أن ماء الوضوء رطلان، وهو يروي عن أنس وضوءه بالمكوك ولا يمكن حمل المكوك ههنا على الصاع، لأن وضوءه بالصاع لم يثبت في شيء من الروايات فوجب حمله على المد فكان المد رطلين، ولا تخالف رواياته، ولكن للمخالف أن يقول: إن أنسًا إنما روى عنه فعلين مختلفين فلا يجب حملهما على محمل واحد، فإنه صلى الله عليه وسلم توضأ بالمد مرة وبرطلين أخرى، والصحيح في الاستدلال ما روى عنه أنه توضأ بالمد (3)
(1) فإنه بوب في كتاب الطهارة باب الوضوء بالمد.
(2)
حكى القارئ الإجماع على ذلك، وحكاه ابن قدامة عن أكثر أهل العلم وذكر فيه خلاف أبي حنيفة ولا يصح، وحكى ابن رسلان فيه خلاف ابن شعبان من المالكية.
(3)
أخرجه الطحاوي وغيره، وبسط الشيخ في البدل الكلام على هذه الروايات.
رطلين أو نحوه، وأيضًا علم بذلك أن صاع العراق رائج من زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وليس نسبته إلى هشام لأنه (1) وضعه بل لما أنه شاع بين البلاد في زمانه، قوله [ويغسل بول الجارية (2)] لما فيه من اللزوجة دون بول الغلام فيكفي فيه الغسل الخفيف المعبر عنه بالرش دون بول الجارية.
قوله [أن يتوضأ وضوءه للصلاة] وهذا لخروجه عما هو خلاف الأولى وإلا فكيفيه المضمضة وغسل يديه إلى رسغيه، قوله [ولا يرد على الحوض] الرواية بدون ياء المتكلم بحر الحوض وبياء المتكلم بنصب الحوض، والمراد به الورود في أول وهلة، ومعنى قوله: ليس مني أنه لم يفعل فعلي ولا فعل أمتي فكأنه ليس مني أو أنه ليس في ظاهره مني لأنه ارتكب ما لم يرتكبه من كان مني، [والصلاة برهان] أي على الإسلام والإيقان، قوله [والصوم جنة حصينة] لأن اختياره حرارة العطش والسغب في دنياه يمنعه عن لبس حرارات النار.
[فقال اتقوا الله ربكم] هذا أصل كبير يدخل فيه الامتثال بالأوامر كلها والاجتناب عن المعاصي جلها، ولكنه خص من ذلك بعض الأحكام تنبيهًا على
(1) وهو كان صاع عمر كما أخرجه الطحاوي بعدة طرق، وبسطه الشيخ في البذل.
(2)
اختلفت العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب، وهي ثلاثة أوجه للشافعية الصحيح المختار عندهم يكفي النضح لبول الصبي دون الجارية، بل لا بد من غسلها كسائر النجاسات، وبه قال أحمد وإسحاق وداؤد، والثاني: يكفي النضح فيها وهو مذهب الأوزاعي، والثالث: أنهما سواء في وجوب الغسل، وهو المشهور عن إمام دار الهجرة والإمام الأعظم وأتباعها وسائر الكوفيين، هكذا في الأوجز.
عظمة شأنها والاهتمام ببيانها فكأنها لم تدخل فيما سبق حتى احتيج إلى التصريح بها، ولم يذكر الحج، لا لأنها لم تفرض بعد، فإن الخطبة واقعة في حجة الوداع بل لأن المخاطبين بذلك الأمر كانوا قد فرغوا من حجهم فلو قيل لهم: وحجوا بيت ربكم لربما أوهم تكرار الحج عليهم في العام المقبل فتركه اتكالاً على ما بينه في غير هذا المقام أو لأن الحج لا يجب على كل أحد بخلاف هذه الأحكام، قوله [قلت: منذ كم سمعت؟ قال: سمعت وأنا ابن ثلاثين] أي لم أك طفلاً لا يعتد بكلامي أو يظن بي عدم الفهم أو قلة الحفظ إلى غير ذلك.
وهذا آخر أبواب الصلاة ويليه الجزء الثاني وأوله أبواب الزكاة.