الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[قوله أمنى جبرئيل إلخ] استدلت الشافعية بذلك على ما اعوه من جواز اقتداء المفترض بالمتنقل فإن من المعلوم أن جبرئيل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لم يكن عليه شيء من الصلوات مفروضًا والجواب أنه لما أمر (1) بصلاته به عليه الصلاة والسلام صار مأمورًا به وصارت الصلوات العشر مفروضة عليه وإن لم يكن مكلفًا بها من قبل ومن بعد فهذا ليس من صلاة المفترض خلف المتنقل في شيء وما قيل (2) من أنه صلى الله عليه وسلم لعله أعادها بعد الائتمام به في كل صلاة فمع بعده محتمل.
[قوله عند البيت] وكان هذا للإشارة (3) إلى أن المكي فرضه في الاستقبال إصابة عينها إلا الاكتفاء بجهتها ومما ينبغي أن يتنبه له أن الصلاة وإن افترضت ليلة الإسراء إلا أنها بما لا يتعين حينئذ لم يلزم أداء صلاة الفجر لعدم الإحاطة بكيفيتها وفائدة الإيجاب اعتقاد حقيته من غير أن يجب الأداء فلما صلى جبرئيل معه الظهر وحصل العلم بكيفيتها صار الأداء فرضًا فأفهم.
(1) وقد ورد نصًا في حديث الإمامة بهذا أمرت وضبط بفتح التاء وضمها معًا كما صرح به النووي وغيره.
(2)
وفيه توجيه ثالث وهو أنه صلى الله عليه وسلم أيضًا كان متنقلاً إذ ذاك لما أنه لم ينزل عليه بعد تفصيل الصلاة ثم رأيت الشيخ أشار إلى ذلك التوجيه قريبًا.
(3)
قلت لكنه موقوف على ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم صلى إذ ذاك متوجهًا إلى الكعبة والمعروف أنه صلى متوجهًا إلى الشام نعم قال بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم صلى متوجهًا إلى الكعبة والشام معًا.
[حين كان الفتى مثل الشراك] أي سوى فتى الزوال أراد ذلك بإيراده مطلقًا اتكالاً على الفهم وما وقع مفسرًا في غير هذه الرواية أو نظرًا إلى معناه اللغوي لأن فيه معنى الرجوع فلا يصح إطلاقه بهذا المعنى على ما هو للأشياء عند استواء ذكاء في وسط السماء ويمكن توجيه الكلام بأنه لم يكن للأشياء ظل أصلي في تلك الأيام هناك.
[ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله (1)] أي سوى الفتى أو المراد تقريبًا وإن لم يكن ثمة فتى فالأمر أظهر وأيًا ما كان فالمراد بقوله صلى العصر أخذه فيها وشروعه لا فراغه منها وإتمامه إياها وقتئذ فأفهم.
[حين وجبت الشمس] أي فور سقوطها.
[وقوله أفطر الصائم] توكيد لعدم التأخير وتبيين لكون المدار مجرد الغروب من غير لبث بعده وذلك لأن قوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} يدل دلالة واضحة على أن الصوم هو الإمساك النهاري وأنه لا يدخل فيه شيء من أجزاء الليل فذكر الإفطار ههنا لبيان أنه لا ينتظر بعد الغروب شيئًا لدخول وقت الصلاة
(1) يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله عند الأئمة الثلاثة وبه قال صاحبا أبي حنيفة وأبو ثور وداؤد وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة والمشهور عنه رواية المثلين كما سيأتي، وقال عطاء لا تفريط للظهر حتى تدخل الشمس صفرة وقال طاؤس وقت الظهر والعصر إلى الليل وحكى عن مالك وقت الاختيار إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ووقت الأداء إلى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يؤدى فيه العصر كذا في المعنى لابن قدامة، وفي الأوجز قال مالك: وطائفة يدخل وقت العصر بمصير ظل الشيء مثله ولا يخرج وقت الظهر وقالوا يبقى بعد ذلك قدر أربع ركعات صالحة للظهر والعصر، وقال بعض الشافعية وداؤد بالفاصلة بينهما أدنى فاصلة وقال الجمهور لا اشتراك ولا فاصلة.
كما لا ينتظر لدخول وقت الفطر.
[ثم صلى العشاء حين غاب الشفق] واختلاف العلماء في معنى الشفق أورث اختلافًا في آخر وقت المغرب المترتب عليه اختلافهم في أول وقت العشاء.
[ثم قوله صلى الفجر حين يرق الفجر] ظاهره يؤيد قول من قال المعتبر في الصوم هو الانبلاج لا التبين كما ذهب إليه بعض الآخر وإن التبين في قوله تعالى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} الآية هو التيقن والانفصال الحقيقي القطعي لا التخميني ولهم (1) العذر بأن إدارة الإباحة في الأكل والشرب على عدم التبين وتحديد النهي بالتبين أبقى الفجر داخلاً في حكم الليل في باب الصوم خاصة لعلة قامت مقام الفارق بين فرض الصلاة وفرض الصوم فما ههنا لا يمكن إجراؤه إلى ما ثمة كما أن ما ثمة لا يمكن إجراؤه ههنا فيحمل كل من النصوص الواردة في الصلاة والصوم على معانيها ولا يترك ظواهرها بحسب ملاحظة ما ورد في غيرها مع أن الانبلاج ليس نصًا في أول البدو فيحتمل أن يراد به الظهور كالتبين ومثله البروق نعم (2) قوله وحرم الطعام يفسر الوارد في الصوم أن المراد بالتبين ثمة ليس هو الظهور بل التبين ههنا بمعنى أول انشقاق الفجر وذلك لأنهم مجمعون بأسرهم أن وقت صلاة الفجر لا يتوقف دخوله على الظهور فوجب حمل التبين في آية الصوم عليه لقوله صلى الله عليه وسلم المذكور.
[وصلى الظهر المرة الثانية] حين كان ظل كل شيء مثله يعني به مع فتى الزوال وقوله لوقت العصر بالأمس يعني به قريبًا منه لأعينه قال الأستاذ أدام الله علوه ومجده وأفاض على العالمين بره ورفده قوله صلى يستعمل كأكثر الأفعال للشروع في الفعل وللفراغ منه فقوله صلى في أحد الوقتين للفراغ من الصلاة، وفي الثاني للشروع فيها فصار المعنى أنه صلى الله عليه وسلم فرغ من صلاة الظهر في اليوم الثاني وقت شروعه
(1) أي للبعض الآخر القائلين بأن المعتبر في الصوم هو التبين.
(2)
هذا جواب لاعتذارهم المذكور قبل.
في العصر في اليوم الأول ولا يخفى لطفه ولله الحمد (1).
[ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه] هذا يشير إلى أن الوقت المستحب للعصر إنما ينتهي إلى بلوغ الظل إلى المثلين ولا يخفى أنه ليس في شيء من المواقيت كراهة في الاول ففيه دلالة على أن الوقت المستحب لصلاة العصر يبتدئ بعد المثل إلى المثلين وهذا يؤيد مذهب المثل (2) في صلاة الظهر فأفهم.
[ثم صلى المغرب لوقت الأول] هذا تنبيه (3) على أن المستحب من وقت
(1) وعلى هذا التوجيه فلا يحتاج إلى ما اضطر إليه بعض المالكية وطائفة من أن يقدر أربع ركعات مشترك بين الظهر والعصر والجمهور على أن لا اشتراك ولا إهمال بين وقتي الظهر والعصر لروايات وردت بلفظ وقت الظهر ما لم تحضر العصر كما في الأوجز.
(2)
وهو مذهب الصاحبين ورواية للإمام وروايته الثانية المشهورة أن الظهر يبقى إلى المثلين والعصر يبتدئ من المثلين لروايات بسطت في محلها والأحوط أن يصلي الظهر قبل المثل والعصر بعد المثلين كما سيأتي في كلام الشيخ أيضًا.
(3)
قال النووي: ذهب المحققون من أصحابنا إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت وهذا هو الصحيح أو الصواب الذي لا يجوز غيره، والجواب عن حديث جبرئيل عليه السلام بثلاثة أوجه أحدها أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز وهذا جار في كل الصلوات سوى الظهر، والثاني أنه متقدم في أول الأمر بمكة وهذه الأحاديث بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في أواخر الأمر بالمدينة فوجب اعتمادها، الثالث إن هذه الأحاديث أصح إسنادًا من حديث بيان جبرئيل عليه السلام فوجب تقديمها، انتهى، قلت: ولقائل أن يقول إن هذه الوجوه ونحوها لا بد أن تتمشى في وقت الظهر والتفريق مكابرة.
المغرب غير موسع وإلا لصلاهما في اليومين في الوقتين.
[ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل] فعلم منه بقاء وقتها المستحب إليه وهو المذهب عندنا].
[ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض] هذا تعيين لوقته المستحب وللشافعية أن يقولوا هذا انتهاء له فلا يستلزم عدم استحباب الأول وأيًا ما كان ففيه دلالة على أنه مستحب أيضًا فيترجح الأسفار بعده لما فيه من تكشير الجماعة الموجبة لكثرة الفضل.
[هذا وقت الأنبياء من قبلك] الظاهر منه وجوب الصلوات الخمس على الأمم السابقة مع أن في بعض الروايات تصريحًا باختصاص هذه الأمة بصلاة العشاء والجواب أن الاختصاص بالنسبة إلى الأمم دون الأنبياء فالأنبياء كانوا مأمورين (1) بالصلوات الخمس دون أممهم أو الإشارة واردة (2) على اعتبار أكثرها دون جملتها والمعنى أن أوقات الأنبياء في جملة ما بيناه لك ولا يتوقف صدقه على أن يكون كل ما بين له صلى الله عليه وسلم من الأوقات وقتًا لمن قبله نعم يتوقف صدقه على أن لا يتجاوز وقت الأنبياء عما وقته له صلى الله عليه وسلم.
ومعنى [قوله والوقت فيما بين هذين] أن الوقت المستحب فيما بين هذين والذي ينبغي أن يعلم أن التجديد بحسب الاستحباب إنما هو في الجانب الآخر لا الأول
(1) أو كانوا يصلونها تطوعًا.
(2)
ومال ابن العربي إلى أن الإشارة إلى الوقت الموسع المحدود بطرفين الأول والآخر يعني ومثله وقت الأنبياء قبلك أي صلاتهم كانت واسعة الوقت وذات طرفين، وقال الحافظ ابن حجر: هذا باعتبار التوزيع عليهم بالنسبة لغير العشاء إذ مجموع هذا الخمس من خصوصياتنا وأما بالنسبة إليهم فكان ماعدا العشاء مغرقًا فيهم، وقال القارئ أو يجعل هذا إشارة إلى الأسفار فإنه قد اشترك فيه جميع الأنبياء الماضية والأمم الدارجة، كذا في البذل.
إذ ليس قبل تلك الأوقات التي ذكرت وقت لا ناقص ولا كامل حتى ينبغي الاستحباب وإنما المنفى فيه أصل الوقت وفيما بين هذين الإشارة واقعة على أول آن الشروع في اليوم الأول وآخر آن الفراغ في اليوم الثاني وليست إلى الوقت الذي صلى فيه أولاً والذي صلى فيه ثانيًا فلا يرد أن هذا يستلزم أن لا يكون الوقت الذي صلى فيه في اليومين معدودًا في الوقت وذلك لأنه غير داخل فيما بين هذين لأنه عين هذين وأجيب عنه بأن دخول هذين الوقتين فيه وإن لم يصح بلفظة ما بين إلا أنه معلوم بالضرورة إذ لو لم يكن الوقتان داخلين في الوقت المعتبر لما صلى معه صلى الله عليه وسلم فيهما.
[وحديث جابر في المواقيت قد رواه إلخ] يعني أن مشهور (1) على اصطلاح المحدثين لكثرة من رواه عن جابر.
[إن للصلاة أولاً وآخرًا] إما أن يحمل (2) على إطلاقه ثم بيان أول الوقت
(1) فالمشهور في الاصطلاح ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين ولم يبلغ حد التواتر كذا في كتب الأصول إلا أن الحديث مرسل عندهم (جزم بإرساله ابن القطان وتبعه صاحب القوت وتبعهما الشيخ أبو الطيب في شرحه ويشكل عليه أن سياق الترمذي في حديث جابر بلفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ترى ويمكن أن يقال عن ابن القطان ومن تبعه أن المعروف في حديث جابر أن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي وهكذا ذكره الزيلعي في نصب الراية وتبعه الحافظ في الدراية ونسباه إلى الترمذي والنسائي وأحمد وغيرهم فتأمل) لأن جابرًا لم يذكر من حدثه بذلك وجابر لم يشاهد ذلك صحيحة الإسراء لأنه أنصاري مدني.
(2)
يعني يحتمل أن يكون المراد بقوله إن للصلاة إلخ وقت الصلاة بعلائق يأتي ذكرها فيكون قوله إن أول وقت الظهر إلخ تفصيلاً لهذا الإجمال ويحتمل أن لا يراد في قوله إن للصلاة الوقت بل يحمل على ظاهره وعمومه ثم بين الوقت خاصة من هذا العموم كما بين التحريمه والتسليم في موضع آخر والحديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة كما قاله السيوطي في الدر.
وآخره لكونه من جملته كما أن التحريمة والتسليمة من جملة ذلك أو يخص بالوقت إما على حذف المضاف إلى بإرادة السبب بإطلاق المسبب أو إرادة المحل باللفظ الموضوع للحال إلى غير ذلك من العلائق.
[حين تزول الشمس] هذا إشارة إلى أن التشبيه بالشراك حيث وقع في الرواية المتقدمة خارج مخرج العادة وبيان لأدنى مقادير الفتى وإلا فالمعتبر زوال الشمس لا غير فأفهم.
[وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر إلخ] وهذا يحتمل أن يكون متروكًا من أحد الرواة أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذكره لما علم أن الحاضرين قد علموه وتحققوه حق العلم].
[وأن آخر وقتها حين تصفر الشمس] يجب حمل الوقت ههنا على الوقت المستحب (1) أيضًا أعم من أن يبقى بعده وقت مكروه كما في العصر أو لا يبقى كباقي الأوقات سوى وقت العشاء فإن الوقت فيها باق بعد نصف الليل ولا كراهة فيه أيضًا إلا أن التأخير إلى ما بعد الانتصاف لما كان مكروهًا سببًا للفوات بحسب العادة الأكثرية أورده على هذا المنوال فأفهم ثم لا يخفى عليك أنه يلزم على مقتضى هذا الحديث استحباب الوقت الذي فهم من الحديث المار كراهته كالعشاء بعد الثلث إلى الانتصاف والعصر بعد المثلين إلى حين الاصفرار وغاية ما يجاب عنه أن المستحب منه ما هو غاية في الاستحباب ومنه ما هو دونه إلى أن يكون بعض الأوقات المستحبة غاية في الدنو حتى إنه لا يتصور دون استحباب فالأول محمول على أعلى مراتبه، والثاني على أدناها فلا إشكال ولا معارضة فيهما ويمكن أيضًا أن يقال في روايتي الثلث والنصف أن المراد في حديث النصف، الليل الشرعي من الغروب إلى طلوع الفجر، وفي حديث الثلث، الليل العرفي وهو منه إلى طلوع الشمس فلا يجب
(1) لما أنه إن لم يحمل على الوقت المستحب يجب أن لا يبقى بعد الاصفرار وقت والحال أن الوقت يبقى إلى الغروب بإجماع الأئمة الأربعة.
أن يكون بينهما بون بعيد ومقتضى الروايتين متقارب أو المراد في حديث الثلث آن الشروع وفي حديث النصف آن الفراغ فتتفق الروايتان والله أعلم (1).
[فأقم معنا إن شاء الله] تعالى أمره بالإقامة لأن العلم بأوقات الصلاة الحاصل بالصلاة معه أصح وأوضح من الحاصل بيانه صلى الله عليه وسلم ولا يخفى الاهتمام بشأن الصلاة لكونها أحد أركان الإسلام ولعل الرجل كان رسول قومه فخيف لو اكتفى على مجرد البيان بالكلام التباس الأمر عليهم بتغيير بعض الألفاظ أو في فمهم المراد بها فيقع بذلك ضرر عظيم.
[حاجب الشمس] طرفها الأعلى وذلك لأنها لا يبقى بعد غروب أكثرها إلا على صورة الحاجب.
[قوله فأخر المغرب إلى قبيل] غروب الشفق لئلا يقع آخر أجزاء الصلاة خارجًا عن وقتها.
[كما بين] تلك الكاف زائدة.
ثم اعلم أن الإمام وصاحبيه اختلفا في آخر وقت الظهر ما هو فآخر وقتها عند الإمام إذا صار ظل كل شيء مثليه سوى فتى الزوال وقال صاحباه إذا صار مثله سواه والذي بعد المثل وقت العصر عندهما وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه
(1) ومما يجب التنبه عليه أن الترمذي حكم على الحديث أنه خطأ أخطأ فيه محمد بن فضيل والحديث رواه الدارقطني، وقال إنه لا يصح مسندًا وهم فيه ابن فضيل وغيره يرويه عن الأعمش عن مجاهد مرسلاً وهو أصح، وقال ابن الجوزي في التحقيق: ابن فضيل ثقة يجوز أن يكون الأعمش سمعه من مجاهد مرسلاً وسمعه من أبي صالح مسندًا، وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال وهم فيه ابن فضيل إنما يرويه أصحاب الأعمش عنه عن مجاهد قوله وقال ابن القطان: لا يبعد أن يكون عند الأعمش في هذا طريقان قاله الزيلعي.
الله تعالى أيضًا وما روى (1) أن ما بعد المثل إلى المثلين وقت مهمل ليس بشيء من الصلاتين فغير معتبر بها ولا هي مشهورة عن الإمام ولا تساعدها رواية ولا دراية فلا ينبغي أن يتكل عليه نعم الأحوط الفراغ من الظهر قبل انقضاء المثل والاشتغال بالعصر بعد انقضاء المثلين مع الاعتقاد بأن هذا إما وقت العصر كما هو رأي الثاني والثالث أو وقت الظهر كما هو رأي الأول والمشهور عن الإمام رواية المثلين في آخر وقت الظهر والوجه في اشتهارها عنه وقوعها في المتون فإن أكثرها من تصانيف أهل خراسان وهم قد اعتمدوا عليها فأورودا في المتون ورواية المتون مقدمة كما تقرر إلا أن الدليل يرجحهما (2) وقد رجحه في البحر والفتح وما استدل به على رواية المثلين لا يخلو شيء منها (3) عن شيء فمن جملته ما في الهداية وغيرها
(1) هي رواية عن الإمام ففي البدائع وروى أسد بن عمر وعنه إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فتى الزوال خرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر ما لم يصر ظل كل شيء مثليه فعلى هذه الرواية يكون بين وقت الظهر والعصر وقت مهمل كما بين الفجر والظهر، انتهى، وبالفاصلة بين الوقتين قال بعض الشافعية وداؤد وللجمهور ما في رواية مسلم وقت الظهر ما لم تحضرالعصر كما في الأوجز وهذه الرواية كما تنكر الفاصلة بين الوقتين كذلك تأبى الاشتراك بينهما كما روى عن مالك وطائفة أن قدر أربع ركعات مشترك بين الوقتين.
(2)
هكذا في الأصل ولعل الضمير إلى الصاحبين أي يرجح قولهما.
(3)
قلت: ولو سلم ما أفاده الشيخ فلا أقل من أن مجموع هذه الروايات أورث شبهة في خروج الوقت والثابت بالتيقن لا يزول بالشك على أن ظاهر القرآن يؤيدهم فقد قال عز اسمه ((أقم الصلاة طرفي النهار)) وقال تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} ويطلق عليه طرف النهار ولا قبل الغروب بل كلاهما يوميان إلى قرب الغروب.
من أن بلالاً أذن فأراد أن يقيم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أبرد وله ألفاظ أخر منها أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم والإبراد في ديارهم إذ ذاك لا قبله وأنت تعلم ما فيه فإنها دعوى غير مستظهرة (1) بالدليل مع أن الإبراد شيء إضافي لا يمكن أن ينكر حصوله بعد زوال الشمس بقليل نعم لا يحس بهذه الإبراد ولإحاطة الحر لأكناف الأرض وجوانبها فلا يحس الإبراد المعتد به إلا قبيل الغروب ولم يذهب إليه أحد وأما الإبراد الحاصل بالنظر إلى نفس حرارة جرم الشمس فهو حاصل وما يقال إن أوقات إمامة جبرئيل نسخت بفعله عليه الصلاة والسلام في المدينة فأمر دون إثباته خرط القتاد (2) إذ لا بد للنسخ من حجة يعتمد عليها واستدل على صحة رواية المثلين أيضًا بما رواه مالك في موطأه من أن رجلاً سأل أبا هريرة عن وقت الظهر والعصر فقال صل الظهر إذا كان ظلك مثلك والعصر إذا كان ظلك مثليك فإنه صريح في أن وقت العصر إنما يبتدئ بعد المثلين وأن وقت الظهر باق بعد المثل لأنه لما أمره بالصلاة عند صيرورة الظل مثله يلزم منه أن يفرغ منها بعده ولو بقليل ولا يخفى ما فيه إذ المطلوب أن أبا هريرة إنما أمره بأمر فصل لا يفتقر معه إلى السؤال عن وقت الصلاة بعد ذلك في فصول السنة كلها فإنه إذا أخذ في الصلاة وظله مثله مع فتى الزوال فإن كان صيفًا يحصل الامتثال بأمر الإبراد ويقع الفراغ
(1) لكنها مستظهرة بالتجربة فإن الحرارة التي تكون عند الزوال لا تبقى بعد المثل كما لا يخفى وأما مجرد الحرارة في زمان شدة الصيف تبقى إلى طلوع الفجر فليس بمراد بداهة.
(2)
قلت: لكنهم أجمعوا على أنها منسوخة في آخر وقت الفجر إذ يبقى إلى الطلوع وآخر وقت العصر إذ يبقى إلى الغروب وآخر وقت المغرب إذ يبقى إلى غروب الشفق وآخر وقت العشاء إذ يبقى إلى طلوع الفجر فإذا نسخها في آخر الأوقات الأربعة مجمع عليه فليت شعري ما المانع في نسخ آخر وقت الظهر.
إذا صار ظله مثله سوى فتى الزوال وإن كان شتاء ففتى الزوال حينئذ قريب من المتل فيقع صلاته في أول وقت الظهر فلم يثبت (1) به المدعي، والحاصل أن الاستدلال بتلك الرواية متوقف على إثبات أن المراد بالمثل فيها سوى الفتى الأصلي ولا يثبت فلا يتمشى حجة. ومن متمسكاتهم في هذا الباب ما رواه أكثر أصحاب الحديث من رواية تمثيل أجر هذه الأمة بمن استعمل أجيرًا من الفجر إلى الظهر ثم آخر منها إلى العصر ثم آخر منها إلى الغروب والأولان اليهود والنصارى، والثالث أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال الأولان حين رأوا كثرة عطاءهم مع قلة عملهم مالنا أقل عطاء وأكثر عملاً فهذا يدل على أن وقت العصر أقل من وقت الظهر وإلا لم يصح التمثيل والقلة في وقت العصر لا تستبين إلا إذا ابتدئ بعد المثلين وفيه أن زيادة وقت الظهر على وقت العصر لازمة على كل حال (2) كما يظهر بالتفحص
(1) لكن في الصيف لا يكون في هذا الإقليم فتى مطلقًا ففي هامش الزيلعي إن لكل شيء ظلاً وقت الزوال إلا بمكة والمدينة وصنعاء اليمن في أطول أيام السنة فإن الشمس فيها تأخذ الحيطان الأربعة ولو سلم فلا يكون أكثر من شراك النعل كما تقدم في كلام الشيخ أيضًا فإذا تضمن أثر أبي هريرة لأيام السنة كلها كما أفاده الشيخ بنفسه ففي الصيف يكون صلاة الظهر بعد المثل بداهة فثبت المقصود إذ لا قائل بالفصل بين الصيف والشتاء من أن في الأول يبقى الوقت إلى المثلين وفي الثاني إلى المثل.
(2)
هذا مسلم كما يظهر بملاحظة الفصل بين الزوال إلى المثل ومنه إلى الغروب لكنه دقيق لا يظهر إلا بمعاناة التعب ولذا قال الزيلعي لا يقال من وقت الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله أكثر من ثلاث ساعات ومن وقت المثل إلى الغروب أقل من ثلاث ساعات فقد وجد كثرة العمل لطول الزمان لأنا نقول هذا القدر اليسير من الوقت لا يعرفه إلا الحساب ومراده صلى الله عليه وسلم تفاوت يظهر لكل أحد من أمته على أنه في صورة المثل يكون وقت العمل للفرقة الثانية والثالثة قريبًا من السواء ومقتضى السياق أن يكون وقت الفرقتين الأوليين قريبًا من السواء كما لا يخفى وهذا لا يتمشى إلا على اختيار المثلين.