الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا تعريض بالأحناف في تفصيلهم بين ما جلس في الرابعة وبين ما لم يجلس فيها بأن فرقهم هذا مخالف للحديث فإن الرواية لم تفصل بينهما، والجواب أن واقعة الفعل لا عموم لها فإن قيامه صلى الله عليه وسلم من الرابعة إلى الخامسة لا يخلو من أن يكون قبل القعود أو بعده فإن كان بعده لم يثبت الحكم فيما إذا قام قبله وإن كان القيام إلى الخامسة قبله لم يثبت الحكم فيما إذا قام إلى الخامسة بعده فعليكم أن تثبتوا أحد هذين (1) الشقين أو وقوع الفعل الواحد منه صلى الله عليه وسلم بحيث يشملهما، ولنا أن نقول إن وضع السجدة لسهو إنما هو لانجبار ما يقع من النقصان في الواجبات كما هو مسلم للفريقين فلو تطرق نقص في الأركان لا ينجبر بسجدتي السهو ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الآتية للساهي أن يبن على أقل المرتبتين اللتين شك فيهما لئلا يلزم نقص في الأركان إذ لو كان كذلك لم ينجبر بسجدة السهو فلما كان كذلك كان الفرق بينما إذا جلس في الرابعة وبينما إذا لم يجلس بينها لا يخفي وجهه ومعنى كون التخليط حظ (2) الشيطان سروره بالإساءة بالمصلي وإنه يضيع فيه وقته وقد ينجر ذلك إلى مفاسد عديدة.
[باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو]
.
قوله [فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم] هذا ظاهر في إثبات ما ذهب إليه الإمام من إثبات (3) التشهد بعد سجدتي السهو ولا يخفى أن تركهم أحاديث
(1) ولا يشكل على الحنفية إلا بعد إثبات أنه صلى الله عليه وسلم لم يجلس على الرابعة وهو لم يثبت بعد بل هو محتمل ولا يحتاج الحنفية إلى إثبات القعدة كما هو ظاهر لأنهم قالوا إن القعدة فرض كما هو ثابت فلا يترك إلا بنص يخالفه صريحًا لا بمحتمل على أن حمل فعله صلى الله عليه وسلم على المتفق عليه أولى من الحمل على المختلف فيه كذا في الأوجز
(2)
وهذه اللفظة لم ترو في حديث الباب لكن تروى في روايات السهو ففسرها الشيخ تكميلاً للفائدة.
(3)
ومذاهب الأئمة في ذلك كما في الأوجز، قال ابن قدامة: يكبر للسجود والرفع منه سواء كان قبل السلام أو بعده فإن كان قبل السلام سلم عقبه وإن كان بعده تشهد وسلم سواء كان محله بعد السلام أو كان قبل السلام فنسيه إلى ما بعده وهذا مذهب الحنابلة وبه قال الشافعي وفي الاستذكار أن البويطي نقل عن الشافعي أنه رأى التشهد بعدهما واجبًا وأما إذا سجد بعد السلام فهل يتشهد بسط فيه الاختلاف، وقال في آخره نقل المزني في المختصر قال سمعت عن الشافعي يقول إذا كانتا بعد السلام تشهد وإن كانت قبل السلام أجزاه التشهد الأول وقال عياض ومذهب مالك إذا كانتا بعد السلام يتشهد، واختلف عنه هل يتشهد قبل السلام وقال العيني عندنا يتشهد وعند الشافعي في الصحيح لا يتشهد، انتهى ما في الأوجز مختصرًا، وفي الدر المختار: سجدتان وتشهد وسلام لأن سجود السهو يرفع التشهد قال ابن عابدين: أي يرفع قراءته حتى لو سلم بمجرد رفعه من سجدتي السهو صحت صلاته ويكون تاركًا للواجب، انتهى.
التشهد بعد اتفاقهم على أن زيادة الثقة معتبرة رفض للقاعدة المقررة ولذلك ترى الإمام قال بالتشهد بعد سجدتي السهو وحمل الروايات التي لم يذكر فيها ذلك على أن الراوي لم يذكره كما لم يذكر في حديث أبي هريرة السلام بل قال ثم سجد مثل سجوده أو أطول فليحفظ قوله [وقال أصح من الحديث إلخ] هذا تعريض بالحنفية في أخذهم حديث الأكل في الصائم دون المصلي (1) مع أن الثاني أصح من الأول والجواب (2) مشهور، وأيضًا ففيه تعريض بالفرق بين العمد والنسيان في أكل الصائم دون (3) أكل المصلي فهما سواء في الصلاة ثم إن هؤلاء استدلوا برواية
(1) أي دون حديث الكلام للمصلي وهو حديث أبي هريرة المذكور.
(2)
لعل الشيخ أراد ما هو المشهور بين العلماء أن حالة الصلاة مذكرة فاعتبر السهو فيها مفسدة بخلاف الصوم.
(3)
هكذا في الأصل والظاهر عندي دون الكلام للمصلي إذ لا تعرض في الرواية لأكل المصلي وإنما تعرضوا بكلام المصلي وحاصل قولهم تمثيل كلام المصلي بأكل الصائم في التفريق بين السهو والعمد فتأمل.
ذي اليدين الواردة في الباب على أنه لو تكلم أحد في صلاته (1) خطأ أو نسيانًا لم تفسد صلاته وأيضًا فإنهم احتجوا على مرامهم هذا (2) بما ورد من أن ابن مسعود حين قدم من الحبشة سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فلم يرد عليه وقد ثبت أن قدومه كان بمكة فعلم أن الكلام إنما كان نسخه بمكة، وأثبت الأحناف في جوابه أن قدومه كان بالمدينة والحق أنه قدم مرتين أتى أولاً بمكة ثم لما رأى المشركين لا يألون عن الإيذاء ولا يقصرون عن الذي كانوا عليه قبل رجع إلى الحبشة ثانيًا ثم لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مهاجرًا وشاع الخبر قدم ابن مسعود (3) هناك فلا
(1) هذا مذهب الشافعية وفي الأوجز أن الأئمة الأربعة بعدما أجمعوا على أن من تكلم في صلاته عالمًا عامدًا وهو لا يريد إصلاحها إن صلاته فاسدة، كما نقل عليه الإجماع ابن المنذر وغيره اختلفوا في بعض أنواع الكلام واختلفت الروايات عن الإمام أحمد كثيرًا والتي استقرت عليها الروايات عنه أن الكلام يفسد الصلاة مطلقًا وهو قول الحنفية قولاً واحدًا، وقالت الشافعية يبطلها الكلام العمد ولو لمصلحة الصلاة مع العلم بتحريمه وإنه في صلاة فلا تبطل بقليل الكلام ناسيًا للصلاة أو سبق إليه لسانه وجهل تحريمه فيها. وقالت المالكية في الراجح من مذهبهم أن قليل الكلام لإصلاح الصلاة لا يفسد وإن كان عمدًا وقال سحنون: ما في قصة ذي اليدين وقع على غير القياس فيقتصر به على مورد النص، انتهى ما في الأوجز مختصرًا.
(2)
رواه الشيخان وغيرهما ولفظ البخاري كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا وقال إن في الصلاة شغلاً وحقق الحافظ في الفتح أن رجوعه كان مرتين.
(3)
قال النيموي: أما ما زعمه ابن حبان من أن تحريم الكلام كان بمكة فهو باطل قد رده غير واحد من أهل العلم، وأما ما قال ابن مسعود أن ذلك وقع لما رجعنا من عند النجاشي فإنما أراد به الرجوع الثاني من أرض الحبشة إلى المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى برد وإليه ذهب الحافظ ابن حجر في الفتح، وأما ما زعمه البيهقي من خلافه فقد رده العلامة ابن التركماني في الجوهر النفي، انتهى.
يتم الجواب إلا بما نقلنا من العيني من أن مثل هذه القصة قد وقعت في أيام عمر فاستأنف الصلاة ولم ينكر عليه في ذلك أحد مع أن عمر نفسه كان في قصة ذي اليدين هذه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يتوهم خفاء القضية عليه أيضًا، إذ قد ورد في الروايات أنه كان فيهم أبو بكر وعمر (1) فهاباه أن يكلماه، وأما ما قالت الشافعية من أن أبا هريرة كان أسلم زمن خيبر وهو يروي حديث الكلام في الصلاة مع أن قوله تعالى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} كان نزوله بمكة فعلم أن المنهي عنه من الكلام هو الذي يكون من عمد وكلام الخاطئ والناس غير مفسد، فالجواب عنه أما أولاً فبأن الراوي كثيرًا ما يروي عن صحابي آخر ولا ينافيه لو وقع في إحدى الروايات نسبة الفعل إلى أبي هريرة نفسه بقوله صلينا (2) فإن ما فعله بعض
(1) كما ورد في رواية الشيخين وغيرهما.
(2)
مال إليه الطحاوي فحمله على المجاز واستشهد عليه بقول النزال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يدركه وبقول طاؤس: قدم علينا معاذ ابن جبل وهو لم يحضره وبقول الحسن: خطبنا عتبة بن غزوان وهو لم يشهده إنما يريدون بذلك قومهم قلت: وروى عن أبي هريرة بنفسه أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر إذا أصبح الرجل جنبًا ثم لما كرر السؤال قال: حدثني الفضل، ورواية مسلم بلفظ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال النيموي: ليس بمحفوظ، ثم ذكر الكلام عليه قلت: ويدل عليه أن ابن عمر نص بأن إسلام أبي هريرة كان بعد ما قتل ذو اليدين أخرجه الطحاوي قال النيموي: رجالهم كلهم ثقات إلا العمري فاختلف فيه، قواه غير واحد وضعفه النسائي وغيرهم ثم أثبت أن حديثه لا ينحط عن درجة الحسن سيما في نافع وهذا من روايته عن نافع.
قوم ينسب إليهم كلهم وهو غير قليل في المحاورات كما قال الله تعالى مخاطبًا ليهود زمانه صلى الله عليه وسلم {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ} الآية مع أن الاتجاه والأفعال التي ذكرت بعده لم تكن وقعت إلا من آبائهم (1) ولهم وكذلك قوله تعالى {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} الآية، وأما ثانيًا فبأن البقرة مدنية ولذلك ترى الشافعية يذهبون في تفسير هذه الآية إلى معان أخر غير ما هو الظاهر المطابق للروايات فإن زيد بن أرقمن روى (2) إنا كنا نتكلم خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة إلى أن نزلت هذه الآية ثم فرع على نزولها سكوتهم حيث قال فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام فكيف يمكن أن تكون الآية مدنية (3) وأما ثالثًا فلأن زيد بن أرقم راوى هذه الرواية التي ذكرناها لما كان من الأنصار وهو نفسه قائل بأنا كنا نتكلم خلفه فكيف يمكن تأويله وحمله على أن ذلك كان في مكة وكان النسخ هناك، فإن قيل إسناد الكلام إليهم كإسناد الصلاة إلى أبي هريرة فإن زيد بن أرقم لعله روى هذا الكلام عن غيره وإنما نسبه إلى كنيسة أبي هريرة الصلاة إلى نفسه قلنا هذا مع منافاته لكون الآية مدنية يرد أن الناس ما كانوا (4) بمكة كانوا يصلون لأنفسهم فرادى لا خلفه صلى الله عليه وسلم، ويقوى ذلك ما ورد في أبي داؤد من أنهم حين جاء بهم معاذ وهم في الصلاة أخذوا في الإشارة إليه وقال فيه أيضًا إن المسبوق كان يخبر في أثناء
(1) أي وقعت لآبائهم.
(2)
قال النيموي: رواه الجماعة إلا ابن ماجة قلت: وسيأتي عند المصنف في التفسير وسيأتي شيء من الكلام عليه في التقرير والحاشية.
(3)
كذا في الأصل والصواب على الظاهر بدله مكية.
(4)
أي ما داموا بمكة.