الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أن يترك أحدًا محرومة عما كان يحل له وهو محتاج إليه فلا حاجة إلى تأويل أن يقال حلت معناه وجبت أو يقال إن ذلك حاصل ما يؤل إليه معناه والفرق بين المعنيين أن الحل في التوجيه الأول على معناه المشهور وهو أنه لم تحرم عليه الشفاعة إلا أن النبي عليه السلام يفعل ذلك الحلال لا محالة لاضطرار هذا المرء إليه فلا يتركه النبي عليه السلام خاليًا عنها وهو محتاج إليها فليس في هذا الوجه لزوم عليه صلى الله عليه وسلم، وأما في الثاني فعليه صلى الله عليه وسلم لزوم ما لأنه كان أوجب على نفسه مكافأة من أحسن إليه فلما أحسن إليه بالدعاء فإنه يحسن إليه بالشفاعة لا محالة إن شاء (1) الله تعالى.
[باب كم فرض الله على عباده من الصلوات]
.
[قوله ثم إنه نودى يا محمد] وقد وقعت تلك القصة ليلة أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة من الهجرة (2) ثاني شهر ربيع الأول وقيل ثانية عشر منه.
[لا يبدل القول لدي] فيه تأويلان أحدهما أن النسخ والتبديل إنما هي بالنسبة إلى فهم العبد، وأما نحن فتعلم أن وجوب هذا الحكم إلى أي حين هو فالله جل جلاله كان يعلم أن فرض الصلاة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أول الأمر خمسين ثم
بعد مدة كذا يكون خمسًا وأربعين ثم هكذا وهكذا إلى أن يستقر الأمر على خمس صلوات حتى القيام ويمكن توجيهه بأن فرض الصلاة في علمنا كان خمسة وأجرها أجر خمسين لكنك فهمت أن فريضة الصلوات إنما هي خمسون ولم ننبهك على ذلك في أول ما سألت التخفيف عنا ويكون هذا تسلية لما أن النبي عليه السلام لعله يحزن في نفسه من سؤاله التخفيف أن يكون نقص من أجر الأمة شيئا كثيرًا وأن الكريم تعالى شأنه إنما خفف عنا لما رأى فينا من ضعف في امتثال الأوامر فأزاله تعالى عن قلبه فقال يا محمد إنه لا يبدل القول لدي أي لم نكن فرضنا خمسين وخففنا لما رأى في أمتك من الضعف وقلة الامتثال بل المفروض في علمنا إنما كان خمس صلوات لا غير وهذه الخمس أجربها أجر خمسين والنكتة في أمره تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأداء خمسين ثم التنزل منها إلى خمس هو إظهار غاية امتثاله صلى الله عليه وسلم لأمره تعالى شأنه واعتماده على أمته المرحومة فيما أتى به من الأوامر والنواهي لا
(1) ذكر في الجامع بعد ذلك ((باب الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة)) لكن الشيخ كتب تقريره بين أبواب الجماعة فاقتفينا أثره لنكتة توجبه.
(2)
هذا سبقة قلم والصواب من النبوة.
كما كان موسى عليه الصلاة والسلام يخاف في كل أمر نزل من الله تعالى قبول قومه ورده فإن النبي عليه السلام قبل من الله تعالى وتبارك على أمته هذه الطاعة الكثيرة في تلك الساعات القليلة ولم يخش وقوعهم في الهرج (1) لكثرة ما بهم من الحوائج والأشغال وكان القصور في أدائها منسوبًا إلينا لو وقع وذنبًا منا إلا إليه سبحانه وتعالى وتبارك بأنه أوجب ما يشق وفرض ما يسر أداؤه وكان مثال ذلك ما ينقل من أياز (2) أن السلطان اشترى جام بلور قيمتها ألف (3) ثم أمر أياز أن يكسره فكسره فقال لما كسرت ذلك أياز قال أذنبت يا مولاي وأجرمت فأعف عني واصفح فكان ذلك كله إظهار ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مرتبة العبودية ونهاية التسليم وغاية الامتثال والقبول في كل باب والله أعلم، ويمكن في توجيهه أن يقال هذا دفع ما يتوهم من التخفيف
(1) هكذا في الأصل بالهاء فلو صح يكون بمعنى الفتنة.
(2)
لما أراد محمود أن يظهر على لوامه كمال أدبه وغاية امتثاله لأمره.
(3)
وفي تقرير مولانا رضي الحسن عشرة آلاف.