الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعضهم من مذهبه ظاهر إلا أنه يبعد من هذا البحر المدره التحرير أن يخفى عليه هذا الحكم الذي لا يكاد يخفى على جليل ولا حقير كيف، ومن أهل التفسير من ذهب إلى أن المراد باللمس في الآية هو الوطى لا المس ويروى هذا التفسير عن ابن مسعود أيضًا فالحق أنه رضي الله تعالى عنه لم ينكر أصل شرعية التيمم للجنب ومن في حكمه وإنما أراد رد العوام عما هم عليه من المبادرة إلى التيمم بأدنى ما يعتري لهم من المرض وغيره وإن لم يبلغ إلى حد يبيح التيمم وهذا الذي ذكرنا هو الظاهر لمن تتبع آثاره وأقواله وجعل يتفحص أحواله وأفعاله ثم في صنيعه رضي الله تعالى عنه دلالة على أن بعض المسائل الشرعية يجوز أن يخفى عن العوام إذا تضمن إظهاره عليهم مفسدة أو كان في إخفائه عنهم مصلحة مرصدة فأفهم.
[باب في المستحاضة
(1)] اعلم أن مسألة المستحاضة قد تحيرت فيها الأفهام (2) وزلت فيها الأقدام قد تشتت فيها آراء العلماء واختلفت فيها أقوال الفقهاء وقد
(1) أصلها من الحيض لحق الزوائد للمبالغة، وقيل للتحول من دم الحيض إلى غير الحيض ولا يستعمل فعلمها إلا ببناء المجهول يقال استحيضت المرأة فهي مستحاضة وحكمها حكم الطاهرات في العبادات إجماعًا وكذا في الوطى عند الجمهور، هكذا في الأوجز.
(2)
قد أقر العلماء الفحول بالتحير فيها وأفرادوا التصانيف فيها ومع ذلك كله لم تفتح بعد مقفلاتها ولم تنحل مشكلاتها، قال ابن العربي: وما أبصر بصري وبصيرتي في إقامتي ورحلتي من يقوم على مسائل الحيض إلا واحدًا من علمائنا وهو أبو محمد إبراهيم بن أمدية المقدسي فإنه كان جعلها سمير عينيه ولديم فكره حتى استقل بأعبائها وفتح مقفلاتها وحصل فروعها غير أن أحاديثها والقول عليها ربما قصد فيها، انتهى.
قرر الأستاذ العلامة والبحر النحرير الفهامة ههنا تقريرًا يشفي البال ويذهب البلبال فنلقيه عليك كما ألقاه علينا ونفيده لك كيما تقر عينًا (1) فنقول: إن المؤلف رحمه الله تعالى جزاه الله عنا وعن سائر أصحاب المذاهب خيرًا عقد لبيان هذه المسألة أربعة أبواب لما فيها من الاختلاف الوافر والأحاديث التي كل منها يقضي على خلاف الآخر فيما يبدو للناظر فالباب الأول معقود لبيان أن المستحاضة ليست في حكم الحائض حيث لا تمنعها الاستحاضة صومًا (2) ولا صلاة ولا غيرها بخلاف الحائض وهذا الباب وإن كان المقصود عنه ما ذكرنا إلا أنه ذكر فيه بعض أحكام المستحاضة الجارية عليها عند قوم ولكن هذا الذكر تبع واستطراد.
والباب الثاني معقود لبيان حكم المستحاضة عند قوم (3) وهو أنها تتوضأ
(1) أي كي تقر بهذا التقرير عينك.
(2)
وتقدم قريبًا أنه إجماع ولم يختلفوا في ذلك إلا في الوطي فكذلك عند الجمهور منهم الأئمة الثلاثة وهو رواية عن أحمد، وفي أخرى له لا يأتيها إلا أن يطول ذلك، وفي رواية لا يجوز إلا أن يخاف زوجها العنت، كذا في الأوجز.
(3)
وهم الجمهور مع الاختلاف فيما بينهم أنها تتوضأ لكل فرض صلاة أو لكل وقت صلاة وتوضيح ذلك أن الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء ذهبوا إلى أن المستحاضة لا يجب عليها الغسل إلا مرة واحدة عند انقضاء حيضها إلا المتحيرة ثم بعد الغسل اختلفوا في الوضوء فقالت المالكية لا ينقض وضوئها بدم الاستحاضة للعذر وما ورد في الروايات من الوضوء محمول عندهم على الندب وقالت الأئمة الثلاثة يجب عليها الوضوء ثم اختلفت الثلاثة في وقت وجوب الوضوء فقالت الشافعية يجب عند كل صلاة، وقالت الحنفية والحنابلة عند وقت كل صلاة، ووهم من حكى مسلك الحنابلة موافقًا للشافعية، كما بسط في الأوجز.
لكل صلاة ومستندهم في ذلك ما رواه في هذا الباب من أنها تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة.
والباب الثالث لما روى من حكم المستحاضة في رواية أخرى وهو الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر في غسل وبين المغرب والعشاء في غسل وإفراد صلاة الفجر بغسل وهو متمسك لقوم أيضًا كما سيذكره.
والباب الرابع لبيان حكمها عند آخرين واستدلالهم بحديث أم حبيبة المروي في هذا الباب هذا وقد اختار إمامنا الأعظم الهمام الأفخم رواية الوضوء لكل صلاة بحمل اللام فيها على الوقت كما هو الشائع فيها لوقوعه مفسرًا (1) في رواية أخرى فلم يكن للعدول عنه مساغ وسيرد عليك وجه ترجيحه إن شاء الله تعالى ثم اختلفوا في الجواب عما يخالف مذهب كل مجتهد من تلك الروايات فقال الإمام قدوة العلماء الأعلام أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت أبي حبيش بما يجب العمل به لسائر بنات حواء من غير فصل وليس في شيء من تلك الروايات ما يخالف مفهوم الرواية الثانية المثبتة للوضوء لكل صلاة بل الذي تثبته الروايات بأسرها إنما هو الوضوء لكل صلاة، وأما الغسل حيثما أمرت به فإنما هو معالجة لها لا تشريع كما سيرد عليك تفصيله إن شاء الله تعالى، والشافعي (2) رحمه الله تعالى وإن وافقنا في وجوب الوضوء لا الغسل لكل صلاة إلا أنه حمل الصلاة على معناها المصطلح ولم يحمل اللام فيها على الوقت وهو محجوج في ذلك بالرواية المفسرة للمراد وبكثرة
(1) فقد روى إمام الأئمة أبو حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش: وتوضئ لوقت كل صلاة ولذلك متابعات بسطت في الأوجز، وإن لم يحتج إليها بعد السند المذكور.
(2)
ولا يذهب عليك أن المصنف ذكر مالكًا أيضًا مع الشافعي مع الاختلاف بينهما في الوضوء فهو عند الشافعي واجب، وعند مالك مندوب كما تقدم قريبًا.