الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَسُولهِ صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} إِلَى قَوْلهِ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} .
(عن قصة) متعلِّقٌ بقوله (يُحدِّث).
(أبلاه) هو الابتلاء بالخير والشر، وفي بعضها:(ابتَلاهُ).
* * *
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ؛ مِنَ الرَّأْفَةِ
(باب: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128])
4679 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ: أَنَّ زيدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أتانِي، فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ، وإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرحَ اللهُ لِذَلِكَ صدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زيدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يتَكَلَّمُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ، وَلَا نتَّهِمُكَ،
كنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فتتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللهِ لَوْ كلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجبَالِ مَا كَانَ أثقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ، فتتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} إِلَى آخِرِهِمَا، وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.
تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَاللَّيْثُ، عَنْ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ. وَقَالَ مُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ.
وَتَابَعَهُ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ.
وَقَالَ أَبُو ثَابِتٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ: مَعَ خُزَيْمَةَ، أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ.
(اليمامة) بتخفيف الميم: مدينةٌ باليمَن، والمراد بمقتَلِهم: مُقاتلة الصحابة رضي الله عنهم مُسيلمةَ الكذَّابَ.
(استحر)؛ أي: اشتدَّ، وكثُرَ، وهو استَفْعَل من الحَرِّ، والمَكروه أبدًا يُضاف إلى الحَرِّ، والمَحبوب إلى البَرْد، ومنه المَثَل: يَتولَّى حَارَّها مَن تَولَّى قَارَّهَا.
(خير) يحتمل أنه أفْعَل تفضيلٍ، والمراد أفضليَّته باعتبار هذا الزَّمان، وترَك النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك لأنه خيرٌ في عَهْده؛ لعدَم تَمام النُّزول، واحتمال النَّسْخ ونحوِه.
(والعُسُب) بضم المهملتين: جمع عَسِيْب، وهو سُعُف النَّخْل، كانوا يَكتُبون فيها.
(آيتين مع خُزيمة) إنما ألحقَها بالقرآن وشَرْطُه التَّواتر؛ لأنَّ المعنى: لم أجدهما مَكتوبتَين عند غيره، أو المراد: لم أَجدْهما مَحفوظَتين، ولأنَّ المقصود بالتَّواتر العِلْم، وخبر الواحد إذا احتفَّتْ به القرائن المُفيدة لليقين أفادَ العِلْم، والقرائن هنا كتابتُهما، وأنَّ مثْله لا يَقدِر في مثْله بمحضَر الصحابة أنْ يقول إلا حقًّا وصِدْقًا، والجواب الأوَّل أَولى.
(تابعه عثمان) وصلَه أحمد، وإسحاق في "مسنديهما".
(والليث عن يونس) موصولٌ في (فضائل القرآن).
(وقال الليث) وصلَه البَغَوي في "معجمه".
(مع أبي خُزيمة)؛ أي: لم يقل: مَعَ خُزَيمة، أي: وهو ابن أَوْس البُخاري.
(وقال موسى)؛ أي: ابن إسماعيل، موصولٌ في (التوحيد).
(وتابعه يعقوب) وصلَه أبو يَعلَى، وابن أبي داود في "المَصاحف".
(وقال أبو ثابت) موصولٌ في (الأحكام)، والمراد أنَّه في هذه الطريق الثَّالث تردَّدَ بين خُزيمة وأبي خُزيمة.
قال (خ): هذا مما يَخفَى على كثيرٍ، فيتهمون أنَّ بعض القرآن أُخِذ من الآحاد، ولكن القُرآن كلَّه كان مجموعًا في صُدور الرِّجال في حياته صلى الله عليه وسلم بهذا التَّأْليف الذي نقرؤُه إلا سورةُ براءة، فإنَّها نزَلتْ آخِرًا لم يُبيِّن لهم صلى الله عليه وسلم موضعَه.
وثبَت أنَّ أربعةً من الصَّحابة كانوا يجمعون القُرآن كلَّه في زمانه، ولهم شُركاء، ولكن هؤلاء أكثَر تَجريدًا للقِراءة؛ فتبين أنَّ جمع القرآن كان متقدِّمًا على زمان أبي بكر، وأما جمْع أبي بكر فمعناه: أنَّه كان قبْل ذلك في الأَكتاف ونحوها، فهو قد جمعَه في المُصحَف، وحوّله إلى ما بين الدُّفَّتَين، ولعلَّ النبي صلى الله عليه وسلم ترَك الجمْع في مصحفٍ كما فعل الصحابة؛ لأنَّ النَّسْخ قد كان يَرِدُ على التِّلاوة، فلو جمَعه بين الدُّفَّتَين وسارتْ به الرُّكبان إلى البُلدان، ثم تُنسخ تلاوته لأَدَّى ذلك إلى اختِلافٍ عظيمٍ فيه، فحَفِظَه الله تعالى منه إلى أنْ خُتِم بوفاته صلى الله عليه وسلم، ثم قُدِّر لخُلَفائه باتفاق سائر الصحابة جَمْعُه بين الدُّفَّتَين عند الحاجة، وحين لم يكُن للنَّسْخ ترقُّبٌ.
فإن قيل: إذا كان محفوظًا في الصُّدور فما الحاجة إلى استخراجه من الرقاع ونحو ذلك؟، فجوابه: أنَّ ذلك استظهارٌ.
فإنْ قيل: فما معنى قول زيد: لم أَجدْهما إلا مع خُزيمة؟، قيل: ما سبَق أنَّهما لم يكونا محفوظتَين فيما بلَغ زيدًا إلا لخُزَيمة، وذلك لقُرب العَهْد بنُزولها، فألحقها زيا بآخِر السُّورة، وإذًا وافق ذلك المَكتوبَ في الظُّروف.
وأما الذي اعتمدَه الفقهاء في جمْع القرآن فهو أن جميع ما وُضع بين الدُّفَّتين إنما كان عن اتفاق الشَّيخين، ووافقَهما عُثمان عليه، وكان زيدٌ كاتبَ الوحي، وهو الذي وَلِيَ الجَمْع، ثم اتفاق المَلأ من الصحابة على أن ما بين الدُّفَّتين قرآنٌ، لم يَختلفوا في شيءٍ منه، فهذا هو الحُجَّة فيه، ولا يُنكر أنْ يكون غيرُ خُزَيمة أيضًا حَفِظَ الآيتين، وثبت العِلْم به عند الصَّحابة، حتى حصَل الإجماع عليه، وإنما كان ما ذكَره زيد حكايةً عن نفسه، ومَبْلَغ عِلْمه في الحال المتقدِّمة، ولا بُدَّ مع ذلك أن يكون قد تَظاهرَ به الخبَر من قِبَل غيره، ومن جِهاتٍ شتَّى اشتَركوا كلُّهم في علمه، فصار ذلك شهادةً من الجَمِّ الغَفير به، فثبَت به حُكم الإجماع، وزالَ اعتبارُ ما قبلَه من رواية الآحاد، ولله الحمد.
* * *