الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَفهُمُ الخالقون لأنفُسهم؟!، وذلك في الفَساد أكفَر، وفي البُطلان أشَدُّ، لأنَّ ما لا وجودَ له كيف يَخلُق؟!، وإذا أبطل الوَجْهان قامت الحُجَّة عليهم بأنَّ لهم خالقًا، ثم قال:{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الطور: 36]، أي: إنْ جاز لهم أن يَدَّعوا خَلْق أنفُسكم، فليَدَّعوا خلْق السماء والأرض، وذلك لا يُمكنُهم، فالحُجَّة لازمةٌ عليهم، ثم قال:{بَلْ لَا يُوقِنُونَ} ، فذكَر العِلَّة التي عاقتْهم عن الإيمان، وهي عدَم اليقين الذي هو مَوهبةٌ لهم من الله تعالى، ولا يُنالُ إلا بتَوفيقه، فلهذا انزَعجَ جُبَيرٌ حتى كاد قلْبُه يَطير، وهذا بابٌ لا يَفهمُه إلا أربابُ العُقول (1).
* * *
53 - وَالنَّجْمِ
(سورة والنَّجْم)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ذوُ مِرَّةٍ): ذُو قُوَّةٍ. {قاب قوسين} : حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ. {ضِيزى} : عَوْجَاءُ. {وأكدى} : قَطَعَ عَطَاءَهُ. {رَبُّ الشِّعرَى} : هُوَ مِرْزَمُ الْجَوْزَاءِ. {اَلَذى وَفَّى} : وَفَّى مَا فُرِضَ عَلَيْهِ. {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ. {سَامِدُون} : الْبَرْطَمَةُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يتَغَنَّوْنَ بِالْحِميَرِيَّةِ.
(1) في "ف" و"ت": "القلوب".
وَقَالَ إِبْراهِيمُ: {أفتمارونه} : أفتجَادِلُونه؟ وَمَنْ قَرَأَ: (أفتمرونه)؛ يَعْنِي: أفتجْحَدُونهُ؟
{مَا زَاغَ البَصَرُ} : بَصَرُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. {وَمَا طَغَى} : وَلَا جَاوَزَ مَا رَأَى {فتمَارَوا} : كَذَّبُوا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {إذا هَوَى} : غَابَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أغْنىَ وَأقنَى} : أَعْطَى فَأَرْضَى.
قوله: (ضيزى) أصلُه بضم الضاد؛ إذ ليس في كلامهم فِعْلى بالكسر نعت، فكُسرت الضاد لتَصحَّ الياءُ كما في: بِيْضٌ.
(وأكدى: قطع عطاءه) قال مُجاهد: هو الوليد بن المُغِيرة، أَعطى قليلًا، ثم قطَع عطاءَه.
(مِرْزَم) بكسر الميم، وسُكون الراء، وفتح الزاي: هو الكَوكَب الذي يَطلُع وراءَ الجَوزَاء.
وهما شِعرَيانِ: الغُمَيصاء مصغَّر: غَمصاء بمعجمةٍ، ثم مهملةٍ، ممدودٌ، والعبور، الأوَّل في الأَسَد، والثاني في الجَوزاء، وكانت خُزاعة تَعبُد الشِّعرى العبور.
وقال السَّفَاقُسي: مِرْزَم الجَوزاء هو الهنْعة؛ لأنَّ الشِّعرى كوكبٌ يُقابل الهَنْعة من جِهة القِبْلة لا يُفارقُها.
(البَرْطَمة) بفتح المُوحَّدة، وسكون الراء، وفتح المهملة،
وبميمٍ، وعند الأَصِيْلِي، والقَابِسِيِّ بنُونٍ بدَل الميم، وفسَّرَه الحمُّوي في الأَصل بأنَّه ضَرْبٌ من اللَّهو.
وقال الجَوْهري: هو الانتِفاخ من الغَضَب.
(يتغنون)؛ أي: كانُوا إذا سَمعوا القُرآن تغنَّوا، وهي لُغة اليمَن، يقول: اُسمُدْ لنا، أي: تَغَنَّ، وقيل: السَّامِد: الحَزِيْن.
(بالحِميَرية) بكسر المهملة، وسكون الميم، وفتح الياء.
(أفتمارونه: أفتجادلونه) ومن قرأ: (أفتَمرُونَه)، قال: معناه: أفتَجْحَدونَه، وهما قراءتان في السَّبْع.
* * *
4855 -
حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: يَا أُمَّتَاهْ! هلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَد قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ! أَينَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ؟ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ، فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} ، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَد كَذَبَ، ثُمَّ قرأَتْ:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} ، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كتَمَ، فَقَدْ كَذَبَ، ثم قَرَأَتْ:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآيَةَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عليه السلام فِي صُورتهِ مَرَّتَيْنِ.
(يا أمتاه) نداءٌ بزيادة ألفٍ وهاءٍ.
قال (خ): هم يقولون في النِّداء: يا أَبَه ويا أُمَّه إذا وقَفُوا، وإذا وصَلُوا قالوا: يا أَبَتِ، ويا أُمَّتِ، وإذا فتَحوا للنُّدبة، قالوا: أَبَتاهُ، ويا أُمَّتا، والهاء للوقْف.
قال (ك): ليس هذا من باب النُّدبة؛ إذ ليس ذلك تفجُّعًا عليها.
(قف شعري)؛ أي: اقشَعرَّ جِسْمي حتى قامَ ما عليه من الشَّعر.
واعلم أن هذا منها ليس إنْكارًا لجَواز الرُّؤية مطلقًا كما تَقولُه المُعتزلة، وإنما أنْكرتْ وُقوعَها في الدّنيا، ويدلُّ على صِحَّة قولها قولُ ابن مَسعود الآتي: رأَى جِبْريلَ له ستُّ مئةِ جَناحٍ.
نعَم، ما استَندتْ إليه عائشةُ أجاب عنه ابن عبَّاس لمَّا أَوردَه عليه عِكْرمة، فقال: ذاك نُوره، إذا تَجلَّى بنُوره لم يُدركْه شيءٌ.
وليس في قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَار} [الأنعام: 103] دليلٌ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَرَ ربَّه، ولا في:{أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]؛ لأنَّ الآيةَ دلَّت على أن البَشَر لا تَرى الله في حال التكلُّم، فنَفْيُ الرُّؤية مُقيَّدٌ بهذه الآية دُون غيرها، وإنما يكون مُخالِفًا أنْ لو قال: كلَّم الله في حالةِ الرُّؤية.
وقال بعض الأئمة: ثبَتَ عن ابن عبَّاس: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وليس ذلك مما يثبُت بالعُقول والآراء، وإنما يُدرَك من طريق النُّبوَّة.
قال مَعْمر بن راشد: ما كانتْ عائشةُ عندنا بأعلَم من ابن عبَّاس،
وهي لم تَروِ ذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنما تأَوَّلت الآيتين، وليس في واحدةٍ منهما ما يدلُّ على نفْي الرُّؤية.
وقال ابن عبَّاس، وأبو ذَرٍّ، وأنسَ: إنه رآه.
وذكر الحافظ أبو الشَّيْخ: أن العبَّاس بن عبد العَظيم قال: كُنَّا عند أحمد بن حَنْبَل، فتَذاكَروا ذلك، فقال أَبو تَوْبَةَ: رُوي عن ابن عبَّاس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأَى ربَّه بعَينِ رأْسه مَنْ شاءَ غَضِبَ، ومَن شاء رَضِيَ، وقد رُوي عن عائشة إنكارُ ذلك، فقال أبو تَوْبَة: قد صحَّ الخبَر أنه رأَى ربَّه، واختلَفوا في عَينيه، وقَلْبه، فقال أحمد: ما أَحسَن هذا. وأعجبَه ذلك.
(في صورته)؛ أي: التي خُلِق فيها، وهي أنَّ له ستُّ مئةِ جَناحٍ، رآه صلى الله عليه وسلم كذلك مرَّتين، وفي سائر الأَوقات كان يَراه في صُورة دِحْيَة الكَلْبيِّ، وغيرِه؛ لأنَّ الملَكَ يتشكَّل بأيِّ شكلٍ أرادَ.
* * *
(باب: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 9])
4856 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ زِرًّا، عَنْ عَبْدِ اللهِ:{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.
قوله (1): (حيث الوتر)؛ أي: القَاب: مَوضِع رَأْس الوَتَر.
قال الجَوْهري: القَابُ: ما بين المِقبَض والسِّيَة، ولكلّ قَوسٍ قَابَانِ.
وقيل: المراد من: {قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم: 9] قابَا قَوسٍ، فهو مِن بابِ القَلْب.
* * *
(باب: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10])
4857 -
حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ زِرًّا عَنْ قَولهِ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ: أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.
مِن رُؤية جِبْريل له ستُّمائةِ جَناحٍ، ولا يُنافي ما سبَق من ثُبوت رُؤيته صلى الله عليه وسلم.
قال (ن): الرَّاجِح عند أكثر العُلَماء أنَّه صلى الله عليه وسلم رأَى ربَّه بعَين رأْسهِ ليلةَ الإسراء، وأنَّ عائشةَ رضي الله عنها لم تَنْفِ الرُّؤْية بحديثٍ، ولو كان معَها حديثٌ لذَكَرتْ، إنَّما اعتَمَدت الاستِنْباطَ من القرآن، والصَّحابيُّ إذا قال قَولًا، وخالفَه غيرُه منهم لم يكُن ذلك حُجَّةً لا سِيَّما
(1) يعني في أول سورة النجم.