الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرَّمها على نَفْسه، وقال لحَفْصة: لا تُخبري عائشةَ، فلم تَكتُم السِّرَّ، وأَخبَرتْها، وفي ذلك نزل:{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} [التحريم: 3].
(قال: لا)؛ أي: ما أكَلْتُها، ولكنْ شَربتُ عسلًا عندها، ولنْ أَعودَ لشُربه، وقال: حلَفتُ أنا على عدَم العَود، فلا تُخبري أحدًا لا عائشةَ ولا غيرَها يَبتَغي صلى الله عليه وسلم بذلك مَرضاتَ أَزْواجه، وإنما وقَع منها ذلك مع أنَّه حرامٌ، والمُواطَأَة أيضًا فيه -مع ما فيه مِن إِيذاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم - لغلَبَة الغَيرة على النِّساء، وهي صغيرةٌ.
وباقي المباحث مذكورةٌ في التفاسير.
* * *
(باب: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُم} [التحريم: 2])
4913 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحيَى، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، أنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُحَدِّثُ أَنَّهُ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هيْبةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ: فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهرتا عَلَى
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللهِ إِنْ كنْتُ لأُرِيدُ أَنْ أَسْألكَ عَنْ هذَا مُنْذُ سَنَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ هيْبَةً لَكَ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْم فَاسْأَلْنِي، فَإِنْ كَانَ لِي عِلْم خَبَّرتُكَ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللهِ إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نعدُّ لِلنِّسَاءِ أَمرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي أمرٍ أتأَمَّرُهُ إِذْ قَالَتِ امرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَقُلْتُ لَها: مَا لَكِ وَلمَا هاهنا فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمرٍ أُرِيدُهُ. فَقَالَتْ لِي: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنَّ ابْنتَكَ لترَاجِعُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ. فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِداءَهُ مَكَانه حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ لَها: يَا بُنَيَّةُ! إِنَّكِ لترَاجِعِينَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ. فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللهِ إِنَّا لنرَاجِعُهُ. فَقُلْتُ: تَعلَمِينَ أنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللهِ وَغَضَبَ رَسولهَ صلى الله عليه وسلم، يَا بُنَيَّةُ! لَا يَغُرَّنَّكِ هذِهِ الَّتِي أَعجَبَها حُسْنُها، حُبّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاها -يُرِيدُ عَائِشَةَ- قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْها فَكَلَّفتُها. فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيءٍ، حَتَّى تَبْتَغِي أَنْ تَدخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ. فَأَخَذَتْنِي وَاللهِ أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كنْتُ أَجِدُ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِها، وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ أتانِي بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ كنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ، وَنَحْنُ نتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ
أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا، فَقَدِ امتَلأَتْ صُدُورُناَ مِنْهُ، فَإِذَا صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ، فَقَالَ: افْتَح افْتَحْ. فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ، فَقَالَ: بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، اعتَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجَهُ. فَقُلْتُ: رَغَمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ. فَأَخَذْتُ ثَوْبِيَ فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يرْقَى عَلَيْها بِعَجَلَةٍ، وَغُلَامٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: قُلْ: هذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَأذِنَ لِي، قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هذَا الْحَدِيثَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وإنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُها لِيْفٌ، وإنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ:"مَا يُبْكِيكَ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ".
(الأراك)؛ أي: عدَلَ عن الطَّريق مُنتهيًا إلى شَجَر الأَراك لقَضاء حاجتِه.
(تظاهرتا)؛ أي: تَعاونتَا عليه للإِفْراط في الغَيرة بما يَسُوءُه، وبالإفِشاء لسِرِّه.
(إن كنا) فإنْ قيل: (إنْ) ليستْ مخفَّفةً لعدَم اللام، والا) نافيةً، وإلا لَزِم أنْ يكون العدُّ ثابتًا؛ لأن نفْي النَّفي إثْبات؛ قيل:(ما) تأْكيدٌ
للنَّفي المُستفاد منه.
(أمرًا)؛ أي: شَأْنًا بحيث يَدخُلْن في المَشُورة.
(حتى أنزل الله فيهن)؛ أي: مثل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعرُوفِ} الآية [النساء: 19]، {فإِن أَطعنكُم} الآية [النساء: 34].
(وقسم)؛ أي: مثل: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12]، {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233].
(أتامّرُه)؛ أي: أتفكَّرُ فيه.
(ولما هاهنا)؛ أي: للأَمر الذي نَحنُ فيه.
(وحب) هو المُناسب للرِّوايات الأُخرى، وهي:(لا يَغُرنَّكِ إنْ كانَتْ جارتك أَوْضَأَ منكِ وأَحبَّ)، وفي بعضها:(حَبُّ) بلا واوٍ، فيكون رفعُه على أنه بدَلٌ، أو اشتِمالٌ.
قال أبو القاسِم بن الأَبْرَش: أو معطوفٌ على (حُسنها) بغير واوٍ كقولهم: أكلْتُ تَمرًا زَبِيْبًا أَقِطًا، وحذْف حرف العَطْف جائزٌ.
قال (ش): ويُؤيِّدُه رواية مسلم بالواو.
وقال السُّهيليُّ: إنما هو بدَلٌ من الفاعِل الذي في أوَّل الكلام، وهو: لا يَغرنَّكِ هذه، فـ (هذه) فاعلٌ، و (التي) نَعتٌ لصِلَته، و (حَبُّ) بدلُ اشتِمالِ كما تقول: أَعجبَني يومُ الجمُعة صَومٌ فيه، وسَرَّني زيدٌ حُبُّ النَّاسِ له.
قال (ع): أو رفع على أنه بدَل اشتِمالٍ، أو عطْف بَيانٍ.
قال: وضبَطَه بعضُهم بالنَّصب على إسقاط الخافِض.
قال السَّفَاقُسي: أو مَفعولًا لأَجْله، أي: لأَجْل حُسنها.
وقيل: الحُسن مرفوعٌ، والحُبُّ بدَلٌ منه، وهو فاسدٌ، لأنَّ الضَّمير في (أعجَبها) منصوبٌ، لا يصحُّ بدَل الحُسن منه، ولا الحبُّ، لأنَّهما لا يُعقَلان فيَصحَّ أن يَتعجَّبا، ويَجوز أن يكون من بدَل الغَلَط، لكنَّه شاذٌّ.
(فأخذتني)، أي: أُمُّ سلَمة بكلامها، أو مَقالتها أخْذًا كسَرتنِي عن بعض مَوجِدَتي، ونقَصَتْ من غضَبي.
(إذا غبت) أي: عن مَجلِس رسول الله صلى الله عليه وسلم أَتاني بخبَر ما وَقَع في مَجلسه.
(غسان) بفتح المعجمة، وشدَّة المهملة، وهم كانوا في الشَّام.
(اعتزل) سبَق في رواية في (السلم) وغيره: (طلَّقَ)، كأنه ظنَّ أنَّ الاعتِزال طلاق.
(رَغِم) بكسر المعجمة.
(حفصة وعائشة) خصَّهما بالذِّكْر وإنْ كان الاعتِزال للكُلِّ؛ لأنَّ حفْصة بِنتُه، وعائشة بنت صَديقِه، فاهتِمامه بهما زائدٌ على غيرهما.
(مَشْرُبة) بضم الراء، وفتحها: الغُرفة.
(يُرقى) مبنيٌّ للمفعول.
(بِعَجَلة) بفتح المهملة، والجيم، أي: الدَّرَجة.