الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
41 - حم السَّجْدَةِ
وَقَالَ طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{ائْتِيَا طَوْعًا} أَعْطِيَا. {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} : أَعْطَيْنَا. وَقَالَ الْمِنْهَالُ: عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاس: إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْاَنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ: قَالَ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} ، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} ، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} ، {رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} ، فَقَدْ كتَمُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ، وَقَالَ:{أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {دَحَاهَا} ، فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إِلَى {طَائِعِينَ} ، فَذَكَرَ فِي هَذ خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَقَالَ:{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ، {عَزِيزًا حَكِيمًا} ، {سَمِيعًا بَصِيرًا} ، فَكَأَنَّهُ كاَنَ ثُمَّ مَضَى. فَقَالَ:{فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} : فِي النَّفْخَةِ الأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ، {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} عِنْدَ ذَلِكَ {وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الآخِرَةِ {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} ، وَأَمَّا قَوْلُهُ:{مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} ، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ} ، فَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ لأَهْلِ الإخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ: لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَخُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآيَةَ، وَ {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ، فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ، وَدَحْوُهَا: أَنْ
أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ الْجبَالَ وَالْجِمَالَ وَالآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{دَحَاهَا} ، وَقَوْلُهُ:{خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فَجُعِلَتِ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْء فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ. {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} سَمَّى نفسَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ؛ أَيْ: لَمْ يَزَلْ كذَلِكَ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَمْنُونٍ} : مَحْسُوبٍ. {أَقْوَاتَهَا} : أَرْزَاقَهَا. {فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} : مِمَّا أَمَرَ بِهِ. {نَحِسَاتٍ} : مَشَائِيمَ. {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} . {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} : عِنْدَ الْمَوْت. {اهْتَزَّتْ} : بِالنَّبَاتِ. {وَرَبَتْ} : ارْتَفَعَتْ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: {مِنْ أَكْمَامِهَا} : حِينَ تَطْلُعُ. {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} أَيْ: بِعَمَلِي أَنَا مَحْقُوقٌ بِهَذَا. {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} : قَدَّرَهَا سَوَاءً. {فَهَدَيْنَاهُمْ} : دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، كَقَوْلِهِ:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} ، وَكَقَوْلِهِ:{هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} ، وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ الإرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَصْعَدْناَهُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} . {يُوزَعُونَ} : يُكَفَّوْنَ. {مِنْ أَكْمَامِهَا} : قِشْرُ الْكُفُرَّى هِيَ الْكُمُّ. {وَلِيٌّ حَمِيمٌ} : الْقَريبُ. {مِنْ مَحِيصٍ} : حَاصَ: حَادَ. {مِرْيَةٍ} : وَمُرْيَةٍ وَاحِدٌ؛ أَيِ: امْتِرَاءٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} : الْوَعِيدُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} : الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَب وَالْعَفْوُ عِنْدَ الإسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلوهُ عَصَمَهُمُ اللهُ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
(سورة حم السجدة)
قوله: (أتينا طائعين: أعطينا) ليس هذا المَعنى مَعروفًا.
قال السَّفَاقُسي: لعلَّ ابن عبَّاس قَرأَ بالمَدَّ؛ لأنَّ الرُّباعي بمعنى: أَعطَى، وأما الثُّلاثي فبمعنى: جاءَ.
وقال السُّهَيلي في "أَمالِيه": إنَّ البُخاري كان يَهِمُ في القُرآن، وإنه أَوردَ في كتابه آياتٍ كثيرةً على خِلاف ما في التِّلاوة، فإنْ كان هذا المَوضع منها، وإلا فهي قراءةٌ بَلَغَتْه، ووجَّهَها، أي: أَعطَينا الطَّاعةَ كما يقال: فُلانٌ يُعطي الطَّاعة لفُلانٍ، والمراد: أتيْنا لمَا يُراد منا.
وقد قُرئ: {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا} [الأحزاب: 14]، وأتَوْها، والفِتْنة خِلافُ الطَّاعة، أو ضدُّها، وإذا جازَ الإيتاء في هذه جازَ في هذه.
(يختلف)؛ أي: يُشْكِل عليَّ إما لتَنافٍ بين ظاهر آيتَين، وإما إفادة الآية شيئًا لا يَصحُّ عقلًا؟، فأجاب ابن عبَّاس عن الأوَّل، وهو أنه في آيةٍ:{وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، وأُخرى {يَتَسَاءَلُونَ [الصافات: 27]، بأنَّ التَّساؤُل بعد النَّفْخة الثانية، وعدَمَه قبلَها، وعن الثَّاني، وهو أنه في آيةٍ:{يَكْتُمُونَ} ، وأُخرى {وَلَا يَكْتُمُونَ} [النساء: 42]، بأنَّ الكِتْمان
قبْل إنْطاق الجَوارح وعدمُه بعدَها، وعن الثالث، وهو أنه في آيةٍ خلَق السماءَ قبل الأرض، وفي أُخرى بعدَها بأن خلْق نفْس الأرض قبْل السَّماء، ودَحوُها بعدَه، وعن الرَّابع، وهو قوله: إنَّ قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96]، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]، يدلُّ على أنه كان مَوصُوفًا بهذه الصِّفات في المَاضي، وهو لم يَزَلْ كذلك بأنَّه سَمَّى نفسَه غفورًا رحيمًا، وهذه التَّسمية مضَتْ؛ لأنَّ التعلُّق انقطَع، وأما ذلك، أي: ما قال مِن الغَفورَّية والرَّحميَّة فمعناه: أنَّه لا يَزال كذلك، لا يَنقطعُ، فإن الله تعالى إذا أراد المغفرةَ من الأشياء في الحالِ أو الاستِقبال فلا بُدَّ من وُقوع مُراده قَطْعًا، ويحتمل أنْ يكون ما قالَه جوابَين:
أحدهما: أن التَّسمية التي كانتْ ثم مضَتْ لا الغَفوريَّة.
والثاني: أنَّ معناه الدَّوام، وأنه لا يَزال كذلك.
ووجه ثالث: وهو أنَّ السُّؤال يُحمَل على مُشكِلَين، والجَواب على دفْعهما بأنْ يقال: إنه مُشعِرٌ بأنه في الزَّمان القديم كان غفورًا، ولم يكُن في الأزَل ما يُغفَر، ولا مَن يُغفَر له (1) بأنَّه ليس في الحال غَفُورًا؟، فأجاب أولًا بأنه كان في الماضي مُسمًّى به، وعن الثاني: بأنَّ معنى (كان) الدَّوام، هذا مُحتملات كلامِه.
وأما النحاة فقالوا: (كان) هو لثُبوت خبرها ماضيًا دائمًا أو منقطِعًا.
(1)"له" ليس في الأصل.
وأَما مسأَلة الخَلْقَين؛ فأجاب بعضُهم عنها: بأنَّ (ثُمَّ) لتَقارُب ما بين الخَلْقَين لا للتَّراخي في الزَّمان، وقيل: إنَّ (ثُمَّ) لتَرتيب الخبَر، أخبَر أولًا بخلْق الأرض، ثم أخبَر بخلق السَّماء، وقيل: خلَق بمعنى: قدَّرَ، وقيل: استَوى ليس بمعنى: خَلَق.
(والسماء بناها) صوابه: أم السماء.
(فلا يختلف) بالجزم، فإن القرآن من عند الله:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
(عن المنهال) هو الذي علَّق عنه ذلك مِن قبلُ، فيحتمل أنَّه سَمعه أولًا مُرسَلًا، وآخِرًا مُسنَدًا، فنقَلَه كما سَمعه.
وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الإسناد ليس بشَرطٍ.
{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]) غرَضه أنَّ الهداية نَوعان: بمعنى الدَّلالة المُطلَقة، وهي عامةٌ، وبمعنى المُوصِلَة للنِّعمة، والآياتُ في هذه، وفي هذه.
وقيل: هو مشتركٌ بينهما، أو حقيقة ومجازٌ؟ خِلافٌ.
(الكُفَرّى) بضم الكاف، وفتح الفاء وقد تُضمُّ، وتشديد الراء، مقصورٌ: الطَّلْع، وقيل: وِعَاء كلِّ شيءٍ كافوره.
وقال (خ): قول الأكثَرين أنَّ الكُفَرَّى هو الطَّلْع بما فيه، وعن الخَليل أنَّه الطلْع، وقوله في الحديث:(قِشْر الكُفَرَّى) يُصحِّح ذلك.
(بمنزلة أسعدناه) قال السُّهَيلي: هو بالصاد أقْرب إلى تفسيرِ