الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعتبار كونهما حديثين، ولا يُعل أحدهما بالآخر، هو على طريقة ابن المديني والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم الرازيَّين وأكثر الحفَّاظ.
أما الدارقطني، فقد كان يعل الحديث بمثل هذا الاختلاف، إذا تقارب المعنى بين الحديثين، كأحاديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد (1)
الصورة الثالثة: ما أطلق عليه مسمى (العلة)، وهو من العلل الظاهرة
.
وهي العلَّة العائدة إلى انقطاع ظاهر، أو مجيء الرواية من طريق مجروح، أو اشتراك اسم بين راوٍ ثقة وآخر مجروح.
والطريق لتمييز هذه العلة معرفة المراسيل، وتواريخ الرواة لمعرفة الإدراك، والجرح والتعديل، والمتفق والمفترق أو مشتبه الأسماء.
ومن أمثلة العلل الظاهرة:
أولاً: أن يختلف ثقة ومجروح، فليس هذا من خفي العلل، إذ رواية المجروح مرجوحة ضعيفة من جهة ضعفه المتميز، وهو لو تفرَّد فهو واهٍ، فكيف به وقد خالف؟
نعم، يستثنى من ذلك اختلاف الرواية بين ثقة أو ثقات ومن هو ثقة أو صدوق في الأصل، يُلين في بعض شيوخه لا مطلقاً، إذا كان وقع الاختلاف على شيخه الذي هو فيه ضعيف، إذ هذا مما قد يخفى، إجراء على أصل ثقته، كرواية بعض الثقات من أصحاب الزهري عنه، وقد ضُعِّفوا فيه، وسأذكر له مثالاً بمخالفةٍ من هشام بن سعد لسائر أصحاب الزهريِّ، عنه.
ثانياً: تعليل الحديث براوٍ غير منسوب، يشترك في إطلاقه راويان: ثقة ومجروح.
(1) انظر: شرح العلل، لابن رجب (2/ 729 _ 730).
وذلك كرواية وكيع بن الجراح عن النضر، لا يبينه: وهو يروي عن النضر بن عربي وهو ثقة، وعن النضر الخزاز وهو ضعيف.
ورواية حفص بن غياث عن أشعث عن الحسن البصري، وهو يروي عن أشعث بن عبد الملك وهو ثقة، وعن أشعث بن سوار وهو ضعيف.
فهذا وإن كان فيه خفاء من أجل تعيين الراوي المهمَل، لكن ليس ذلك الخفاء علة بنفسه، واعتبار عدالة الرواة وضبطهم يوجب تمييزه، فيصار فيه إلى رواية العدل الضابط فتقبل الرواية، أو رواية المجروح فترد بالعلة الظاهرة.
وجدير أن تعلم بخصوص التعليل بالعلة الظاهرة مسألتين تتصل إحداهما بالأخرى:
المسألة الأولى: الإسناد فيه أكثر من مجروح، والأعلى أشد ضعفاً ممن دونه، فعلى من تُحمل النكارة في ذلك الحديث؟
والمسألة الثانية: إذا جاء المجروحون في الإسناد على نسق، فبمن تلصق النكارة؟
الجواب: إذا توالى في الإسناد أكثر من مجروح، ألصقت النكارة بأشدهم ضعفاً، إلا أن يتابع بما يقوم دليلاً على أن النكارة ليست من جهته، فيصار إلى من فوقة.
قال يعقوب بن سفيان: حدثني عبيد بن إسحاق العطار الكوفي، حدثنا سيف بن عمر، قال: كنت عند سعد الإسكاف، فجاءه ابنه يبكي، فقال: ما لك؟ قال: ضربني المعلم، قال: أما لأخزينهم اليوم، حدثني عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " معلمو صبيانكم أشراركم، أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المسكين "(1).
(1) أخرجه في " المعرفة والتاريخ "(3/ 58) ومن طريقه: ابن عَدي في " الكامل "(4/ 507).