الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحاديث المطرحة الساقطة، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة لعلها نحو الألف " (1).
وقال ابن حجر: " هي حكاية لا تصح؛ لانقطاعها، وإن كانت محفوظة فلعله أراد ما فيه من الأحاديث الساقطة إلى الغاية، أو كان ما رأى من الكتاب إلا جزءاً منه فيه هذا القدر، وقد حكم أبو زرعة على أحاديث كثيرة منه بكونها باطلة أو ساقطة أو منكرة، وذلك محكي في كتاب (العلل) لابن أبي حاتم "(2).
قلت: فبعد هذا كيف يصلح تسميته (صحيحاً) عند من أطلق عبارة (الصحاح الستة)؟.
شرط أحمد في " المسند
":
قال ابن تيمية: " نزه أحمد مسنده عن أحاديث جماعة يروي عنهم أهل السنن، كأبي داود والترمذي، مثل نسخة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه عن جده، وإن كان أبو داود يروي في سننه منها، فشرط أحمد في مسنده أجود من شرط أبي داود في سننه "(3).
وقال في موضع آخر: " وليس كل ما رواه أحمد في المسند وغيره يكون حجة عنده، بل يروي ما رواه أهل العلم، وشرطه في المسند: أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف، وشرطه في المسند مثل شرط أبي داود في سننه "(4).
ونقل ابن القيم حكاية حنبل بن إسحاق قال: جمعنا أحمد بن حنبل،
(1) سير أعلام النبلاء (13/ 279).
(2)
النكت على ابن الصلاح (1/ 486).
(3)
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص: 162).
(4)
منهاج السنة النبوية (7/ 96 _ 97) .......
أنا، وصالح، وعبد الله، وقرأ علينا المسند، وما سمعه منه غيرنا، وقال لنا:" هذا كتاب، جمعته من سبع مئة ألف وخمسين ألف حديث، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه، وإلا فليس بحجة "، ثم قال ابن القيم: " هذه الحكاية قد ذكرها حنبل في تاريخه، وهي صحيحة بلا شك، لكن لا تدل على أن كل ما رواه في المسند فهو صحيح عنده، فالفرق بين أن يكون كل حديث لا يوجد له أصل في المسند فليس بحجة، وبين أن يقول: كل حديث فيه حجة، وكلامه يدل على الأول، لا على الثاني.
وقد استشكل بعض الحفاظ هذا من أحمد، وقال: في الصحيحين أحاديث ليست في المسند، وأجيب عن هذا: بأن تلك الألفاظ بعينها وإن خلا المسند عنها، فلها فيه أصول ونظائر وشواهد، وأما أن يكون متن صحيح لا مطعن فيه ليس له في المسند أصل ولا نظير، فلا يكاد يوجد البتة " (1).
قلت: وهذه حقيقة لا يتجاوزها من درس هذا الديوان العظيم وتأمله.
دعوى (ما سكت عنه أحمد في " المسند " فهو صحيح):
قال الحافظ أبو موسى المديني: " ما أودعه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده، قد احتاط فيه إسناداً ومتناً، ولم يورد فيه إلا ما صح عنده "(2).
وهذه الدعوى ردها ابن القيم، فقال: " هذه المقدمة لا مستند لها البتة، بل أهل الحديث كلهم على خلافها، والإمام أحمد لم يشترط في
(1) الفروسية (ص: 69).
(2)
خصائص المسند، لأبي موسى المديني (ص: 24) ونقله بمعناه ابن القيم في " الفروسية "(ص: 66 _ 67).
مسنده الصحيح ولا التزمه، وفي مسنده عدة أحاديث سئل هو عنها فضعفها بعينها وأنكرها " (1).
وذكر ابن القيم ما زاد على عشرين حديثاً، جميعها مما خرجه في (المسند) وهي عنده إما ضعيفة أو منكرة (2).
ثم قال: " وهذا باب واسع جداً، لو تتبعناه لجاء كتاباً كبيراً، والمقصود أنه ليس كل ما رواه وسكت عنه يكون صحيحاً عنده "(3).
قلت: وهذا هو التحقيق، إنما فيه الصحيح وهو الغالب، وفيه الحسن وهو كثير، وفيه الضعيف وهو أقل بكثير من الصحيح والحسن، وفيه المنكر وهو قليل، وهل فيه موضوع؟.
قال ابن تيمية: " تنازع الحافظ أبو العلاء الهمذاني والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: هل في المسند حديث موضوع؟ فأنكر الحافظ أبو العلاء أن يكون في المسند حديث موضوع، وأثبت ذلك أبو الفرج، وبين أن فيه أحاديث قد علم أنها باطلة.
ولا منافاة بين القولين، فإن الموضوع في اصطلاح أبي الفرج: هو الذي قام دليل على أنه باطل، وإن كان المحدث به لم يتعمد الكذب، بل غلط فيه؛ ولهذا روى في كتابه في الموضوعات أحاديث كثيرة من هذا النوع. . وأما الحافظ أبو العلاء وأمثاله، فإنما يريدون بالموضوع: المختلق المصنوع الذي تعمد صاحبه الكذب " (4).
(1) الفروسية (ص: 64) وذكر ابن القيم في هذا المعنى حكاية عن أحمد مما أورده أبو موسى المديني في " خصائص المسند "(ص: 27)، هي رواية أبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش العُكْبري، وهو شيخٌ متهم، لم يكن ثقة.
(2)
انظر: الفروسية (ص: 64 _ 66).
(3)
الفروسية (ص: 66) .......
(4)
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص: 160) .......
وأدخل ابن الجوزي في كتاب " الموضوعات " من تلك الأحاديث عدداً، تعقبه فيها الحافظ أبو الفضل العراقي، ثم تلميذه ابن حجر في " القول المسدد في الذب عن المسند "، وبينا أنها لا تبلغ الوضع.
قال ابن حجر: " ادعى قوم فيه الصحة، وكذلك في شيوخه، وصنف الحافظ أبو موسى المديني في ذلك تصنيفاً، والحق أن أحاديثه غالبها جياد، والضعاف منها إنما يوردها للمتابعات، وفيه القليل من الضعاف الغرائب الأفراد، أخرجها، ثم صار يضرب عليها شيئاً فشيئاً، وبقي منها بعده بقية. وقد ادعى قوم أن فيه أحاديث موضوعة، وتتبع شيخنا إمام الحفاظ أبو الفضل (1) من كلام ابن الجوزي في (الموضوعات) تسعة أحاديث أخرجها من المسند، وحكم عليها بالوضع، وكنت قرأت ذلك الجزء عليه، ثم تتبعت بعده من كلام ابن الجوزي في (الموضوعات) ما يلتحق به، فكملت نحو العشرين، ثم تعقبت كلام ابن الجوزي فيها حديثاً حديثاً، وظهر من ذلك أن غالبها جياد، وأنه لا يتأتى القطع بالوضع في شيء منها، بل ولا الحكم بكون واحد منها موضوعاً، إلا الفرد النادر، مع الاحتمال القوي في دفع ذلك، وسميته (القول المسدد في الذب عن مسند أحمد) "(2).
قلت: واعلم أن في ثناياه زيادات كثيرة من رواية ابنه عبد الله عن غير أبيه، هي على القسمة السابقة أيضاً بين الثابت وغيره، وفيه كذلك من زيادات أبي بكر القطيعي راوي " المسند " عن عبد الله.
* * *
(1) يعني العراقي.
(2)
تعجيل المنفعة (1/ 240 _ 241).