الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر:
الحديث الموضوع
تعريفه:
هو الحديث المختلق المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ركب له إسناد أو جاء بغير إسناد.
وهذا النوع يدرج في ألقاب الحديث الناتجة عن جرح الراوي، ويذكر في أنواع الحديث الضعيف، وإن كان الضعف فيه ليس حقيقيا؛ فإن الضعف لا يمنع الاحتمال المرجوح، بخلاف (الموضوع)، فإنه المقطوع بكذبه.
والكذب في الحديث من جهة التعمد وعدمه، يعود إلى سببين:
الأول: التعمد والقصد.
وهذا ظاهر، وعرفت به طائفة من الهلكى، لأغراض سيأتي التنبيه عليها.
مثل: محمد بن سعيد الشامي المصلوب، وكان من أجرأ الناس على وضع الحديث، حتى جاء عنه أنه يسمع الكلام يستحسنه فيضع له إسناداً (1).
(1) سيأتي تخريجه عنه.
مثل: أبي البختري وهب بن وهب القاضي، فقد كان يكذب يضع الحديث بلا حياء، اتفقت على ذلك عبارات جميع النقاد، وأمثلة ما وضعه أسانيد ومتوناً كثيرة في كتب المجروحين.
ومثل: جعفر بن الزبير، قال محمد بن جعفر غندر: رأيت شعبة (يعني ابن الحجاج) راكباً على حمار، فقيل له: أين تريد يا أبا بسطام؟ قال: أذهب فأستعدي (1) على هذا (يعني جعفر بن الزبير)؛ وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مئة حديث كذباً " (2).
ومثل: محمد بن أحمد بن عيسى الوراق، قال ابن عدي:(يضع الحديث، ويلزق أحاديث قوم لم يرهم، يتفرد بها، على قوم يحدث عنهم ليس عندهم "، قال: " عندي عنه آلاف الحديث، ولو ذكرت مناكيره لطال به الكتاب " (3).
وهذا الصنف نفوسهم مريضة عرية من الورع، رخيصة، يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغاية من الوقاحة وسوء الأدب ورقة الدين.
وفيهم طائفة ربما تذرعوا بجهل أنهم قصدوا نصر الدين، فقالوا: نكذب له صلى الله عليه وسلم لا عليه، ونكذب لمصلحة لا لمفسدة، والكذب المحرم إنما هو في حق من كذب عليه يريد بذلك شينه وشين الإسلام، كما يتنزل على هذا حال نوح بن أبي مريم وشبهه.
وهذا الصنف من الرواة هم المعنيون بالوعيد الشديد الوارد في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، كالحديث الصحيح المتواتر:" من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "(4).
(1) أسْتنْصر عليه، كأنه يعني يَشكو أمره إلى السلطان ليَدفع سوءَه.
(2)
أخرجه ابن عدي في الكامل " (1/ 182) وإسناده صحيح .......
(3)
الكامل (7/ 559، 562).
(4)
جمع طرقه الحافظ الطبراني في " جزء "، وابن الجوزي في صدْر كتاب " الموضوعات ".
والثاني: الغفلة والخطأ.
كمن لا يفهم الحديث، فيحدث فيشبه له، أو يكون أتي من تغير حفظه واختلاطه، أو من قبوله التلقين، أو أن يدس في كتبه وهو لا يعلم.
وهذا مما يصاب به كثير من الرواة ليسوا متهمين، لكن الحديث يكون موضوعاً.
كقصة ثابت الزاهد (1)، وكمن جعل الأثر عن بني إسرائيل حديثاً، وهماً منه، كحديث:" الربا سبعون باباً "، والذي صوابه مما حدث به عبد الله بن سلام، وابن سلام كان من أحبار أهل الكتاب فأسلم (2).
وفي الرواة عدد ذكروا في الكذابين، وعلتهم من جهة الغفلة.
مثل: عباد بن كثير الثقفي، فقد قال أبو طالب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: " عباد بن كثير أسوأهم حالاً "، قلت: كان له هوى؟ قال: " لا، ولكن روى أحاديث كذب لم يسمعها، وكان من أهل مكة، وكان رجلاً صالحاً "، قلت: كيف كان يروي ما لم يسمع؟ قال: " البلاء والغفلة "(3).
ومثل: عطاء بن عجلان العطار، قال يحيى بن معين:" لم يكن بشيء، وكان يوضع له الحديث: حديث الأعمش، عن أبي معاوية الضريرة غيره، فيحدث بها "(4).
وبسبب الغفلة ربما وضع للراوي الحديث، فحدث به على أنه من حديثه وهو لا يعلم، مثل (محمد بن ميمون الخياط المكي)، قال أبو حاتم الرازي:" كان أميا مغفلاً، ذكر لي أنه روى عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن شعبة حديثاً باطلاً، وما أبعد أن يكون وضع للشيخ؛ فإنه كان أميا "(5).
(1) وذكرتها في (الحديث المدرَج).
(2)
شرحت علل هذا الحديث في كتابي " علل الحديث ".
(3)
أخرجه ابن عدي في " الكامل "(5/ 538) وإسناده جيد .......
(4)
تاريخ يحيى بن معين (النص: 5270).
(5)
الجرح والتعديل (4/ 1 / 82). قلت: علل بالأمية وأراد الجهْل؛ لأنه المعنى المناسب للغفلة.