الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً: الزيادة في متن الحديث
.
وهي ما يقع في ألفاظ متن الحديث الواحد المتحد في أصله، كحديث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، من مفردة، أو مفردات، أو جملة، أو مقطع، أو قصة، أو ما يزيد حتى يبلغ أن يكون بمنزلة حديث آخر.
وهو كثير في الأحاديث، ويمكن أن يستفاد بعض مثاله مما بينته من مثال لفوائد المستخرجات على " الصحيحين "، وما يقع فيها من زيادات الرواة في المتون.
وربما كان تمام الحديث بتلك الزيادة، ومن لم يذكرها اختصره، ففوت باختصاره ما قد يدل عليه من العلم أصل سياقه.
وقد اعتنى به جماعة من فقهاء المحدثين، كأبي داود السجستاني في " السنن "، وأبي بكر النيسابوري في " الزيادات على كتاب المزني "، والبيهقي في " السنن ".
وجمع ألفاظ الحديث، وتبيين ما يزيد الثقات في متنه على بعضهم يحرر أصول كثير من الأحاديث، وربما أبان عن معنى يتحصل بتلك الزيادة، أو بتمام السياق لم يكن ليحصل بدونه.
بل في اختلاف الفقهاء مسائل كثيرة يعود سبب اختلافهم فيها إلى هذا المعنى كاختلافهم في كفارة المواقع في رمضان، وهل هي لإفطاره بأي سبب، أو لإفطاره بالمواقعة خاصة، وحكم القضاء له، أو عدمه، وكاختلافهم في صفة القعود للتشهد من صلاة الصبح بالتورك أو الافتراش، لما جاء به الرواة لحديث أبي حميد السَّاعديِّ في صفة الصلاة اختصاراً وتماماً، وغير ذلك.
ومن مثاله الذي يتنازع أئمة الحديث قبوله: زيادة " وإذا قرأ فأنصتوا " في حديثي أبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، من قبل بعض الثقات في حديث كل منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم:" إنما جعل الإمام ليؤتم به "، وهو حديث معروف الصحة، سوى هذه الزيادة، فقد اختلفوا فيها قبولاً وردا.
وقد أورد مسلم الحديث بها في " صحيحه "(1) من حديث أبي موسى، ولم يبال بما قاله غيره من تفرد سليمان التيمي بها عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن أبي موسى، من أجل ما عرف من إتقان التيمي.
بينما أحجم مسلم أن يسوق الحديث بها في " صحيحه " من حديث أبي هريرة مع حكمه بصحته، من أجل شدة إنكارهم لها على محمد بن عجلان، إذ تفرد بها عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
قال إبراهيم بن سفيان راوي " الصحيح " عن مسلم: قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث (2)، فقال مسلم:" تريدُ أحفظ من سليمان؟ "، فقال أبو بكر: فحديث أبي هريرة؟ فقال: " هو عندي صحيح "، فقال: لِمَ لم تضعه ههنا؟ قال: "ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه (3).
تنبيه:
ربما أطلق بعض العلماء عبارة: (زيادة الثقة) على ما يأتي به الصحابي من العلم في حديث يشاركه فيه صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا الآخر لا يذكر تلك الزيادة في حديثه.
مثل ما وقع في حديث عبد الله بن مغفل في غسل الإناء من ولوغ الكلب: " وعفروه الثامنة بالتراب"، فجعل غسلة التراب غير الغسلات السبع، وأبو هريرة حين روى ذلك جعل غسلة التراب من السبع، قال البيهقي:" أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره، فروايته أولى "، فتعقبه الناقد ابن
(1) صحيح مسلم (1/ 304).
(2)
يعني زيادة سُليمان التيميِّ في حديث أبي موسى.
(3)
صحيح مُسلم (1/ 304)، والكلام حول الحديثين تفصيلاً في كتابي " الإعلام بحكم القراءة خلف الإمام ".
التركماني الحنفي فقال: " بل رواية ابن مغفل أولى؛ لأنه زاد الغسلة الثامنة، والزيادة مقبولة، خصوصاً من مثله "(1).
وصاغ ذلك ابن حجر بصيغة أخرى، فقال:" هي زيادة ثقة، فيتعين المصير إليها "(2).
وكذلك وقع في كلام طائفة من العلماء (3).
وهذا من جهة الاصطلاح واسع، لكنه ليس المراد بكلامهم في زيادات الثقات عادة، وإنما يعنون بها زيادات الرواة الثقات فيمن دون الصحابي أصل الحديث، على اعتبار أن رواية الصحابي حديث مستقل لذاتة، بخلاف ما تتفرع به الأسانيد منه، فإنها جميعاً تنتهي إليه (4).
وكما يكون ذلك في الزيادة يكون كذلك في الموافقة والمخالفة، ففي الموافقة فكل منهما شاهد لحديث الآخر، وفي المخالفة يتبع طريق النظر في مشكل الحديث.
غير أنك لو استعملت هذه العبارة فقلت: (زيادة ثقة) فيما اتحدت فيه القصة مما يحدث به الصحابيان فأكثر يزيد بعضهم على بعض، فليس في ذلك من حرج، وإنما المقصود التنبيه على طريقة القوم.
(1) انظر: " السنن الكبرى " للبيهقي (1/ 242)، و " الجوهر النقي " لابن التركماني، بهامشها (1/ 241).
(2)
التلخيص الحبير (ا / 24)، وظاهر السياق نِسبة العبارة إلى ابن مندَه، وليست كذلك، وانظُر:" البدر المنير " لابن الملقَّن (2/ 329).
وذكرت هذا من أجل التمثيل، وفي تسليم القول بخصوص هذين الحديثين على وَفْقِ ما أوردت أن تكون هذه زيادة، نظرٌ، إذ الأبين تعارضُ الروايتين في بيان ليس هذا محله.
(3)
انظر مثاله في كلام بعض المتأخرين: ابن قدامة في " المغني "(1/ 419، 503، 553) و " الكافي "
(4)
نبَّه على شيء من معنى هذا ابن رجب في " شرح علل الترمذي "(424).