الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: هذه تقوية في الجملة لمراسيل الحسن، وليست تصحيحاً لمفردات رواياتها، ولم تسلم هذه ليحيى القطان:
فعن عبد الله بن عون، وهو من تلامذة الحسن، قال:" كان الحسن يحدثنا بأحاديث، لو كان يسندها كان أحب إلينا "(1).
وقال أحمد بن حنبل: " ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح، فإنهما يأخذان عن كل أحد "(2).
قلت: ومن هذا جاءت شبهة رد المرسل، وأراد أحمد أن هذه أضعف المرسلات بالنظر إلى أهل هذه الطبقة، وهي الوسطى من التابعين، فما بالك بمن بعدها؟
قولهم في مراسيل جماعة آخرين:
وقوى العجلي مراسيل عامر الشعبي، وهو من أوساط التابعين، فقال:" مرسل الشعبي صحيح، لا يكاد يرسل إلا صحيحاً "(3).
قلت: وهذا مفيد في قوة الاعتبار بها لذاتها، ولا يصح أن يكون حكماً بصحة أفراد رواياته المرسلة دون شاهد، وظاهر العبارة أن العجلي تتبع مراسيل الشعبي فوجد أكثرها صحيحاً من وجوه أخرى، فعُلمت صحتها بأمر خارج عن نفس المرسل، ولذا قال:(لا يكاد)، ففيه أن ما لم تشهد له الشواهد أنه صحيح، فهو باق على الضعف.
(1) أخرجه ابن عبد البر في " التمهيد "(1/ 57) وإسناده صالح، وقع في اسم راويه عن ابن عون تحريف، وهو على الصواب:(الحسن بن عبد الرحمن)، وهو ابنُ العريان، بصْري لا بأس به.
(2)
أخرجه يعقوب بن سُفيان في " المعرفة والتاريخ "(3/ 239 _ 240) ومن طريقه: الخطيب في " الكفاية "(ص: 549، 571) وإسناده صحيح، وأخرجه نَحوه البيهقي في " الكبرى "(6/ 42) بإسناد صحيح .......
(3)
معرفة الثقات، للعجلي بترتيب الهيثمي والسبكي (2/ 12).
وممن ذهب بعض العلماء إلى تقوية مراسيله ممن جعلنا مراسيلهم في التحقيق معضلة لا مرسلة: إبراهيم بن يزيد النخعي.
قال يحيى بن معين: " مرسلات إبراهيم صحيحة، إلا حديث تاجر البحرين، وحديث الضحك في الصلاة "(1).
قلت: يعني لقيام الحجة على ضعف هذين الحديثين.
وقال أحمد بن حنبل: " مرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها "(2).
قلت: هذا دال على شدة تحري إبراهيم، حيث وجدوا أكثر مراسيله مروية من وجوه صحاح، وليس فيه تصحيح مرسله لذاته، ولذلك استثنوا بعض ما روى، فالصحة لها مكتسبة بأمر خارجي.
ومما استدل به بعض أهل العلم لتقوية مراسيل إبراهيم عن ابن مسعود، ما صح عن الأعمش، قال: قلت لإبراهيم النخعي: أسند لي عن عبد الله بن مسعود، فقال إبراهيم: " إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله، فهو
(1) تاريخ يحيى بن معين (النص: 958).
قلت: أماَّ حديث تاجر البحرين، فهو رواه الأعمش، عن إبراهيم، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني رجلٌ تاجرٌ أختلف إلى البحرين، فأمره أن يصلي ركعتين.
أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه "(2/ 448) وأبو داود في " المراسيل "(رقم: 72) من طريق وَكيع بن الجراح، وعباس الدوري في " تاريخ يحيى بن معين " (النص: 960) من طريق أبي يحيى الحِماني، كلاهما عن الأعمش، به.
وأما حديث الضحك في الصلاة، فرواه الأعمش أيْضاً عن إبراهيم، قال: جاء رجلٌ ضرير البَصر، والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فعثرَ، فتردَّى في بئرٍ، فضحكوا، فأمرَ النبي صلى الله عليه وسلم من ضحك أنْ يعيد الوضوء والصلاة.
أخرجه الدارقطني في " سننه "(1/ 171) ومن طريقه: البيهقي في " الكبرى "(1/ 146) من طريق أبي معاوية الضرير، حدثنا الأعمش، به.
(2)
أخرجه يعقوب بن سُفيان في " المعرفة والتاريخ "(3/ 239 _ 240) ومن طريقه: الخطيب في " الكفاية "(ص: 549، 571) وإسناده صحيح، وأخرجه نَحوه البيهقي في " الكبرى "(6/ 42) بإسناد صحيح أيضاً.
الذي سميت، وإذا قلت: قال عبد الله، فهو عن غير واحد عن عبد الله " (1).
قال ابن عبد البر: " في هذا الخبر ما يدل على أن مراسيل إبراهيم النخعي أقوى من مسانيده، وهو لعمري كذلك، إلا أن إبراهيم ليس بعيار على غيره "(2).
قلت: كذا قال، وهذا عجيب أن تكون الرواية فيه عن مجهول من أصحاب عبد الله بن مسعود، ولو كان أكثر من واحد، أقوى من قول إبراهيم:(حدثني علقمة عن ابن مسعود) !
كلا، فمعلوم أن في أصحاب عبد الله من كان مجهولاً لا يعرف، فكيف يجوز تنزيل المجهول منزلة المعروف، فضلاً عن تقديمه عليه؟
والتحقيق الذي فصلت أسبابه في غير هذا الكتاب: أن ما أرسله إبراهيم عن ابن مسعود ضعيف لذاته من أجل الانقطاع، وهو قوي للاعتبار به (3).
وتكلم أئمة الحديث في مراسيل طائفة من التابعين ممن هم أعلى من إبراهيم في القدم، كالذي تقدم في مراسيل الحسن وعطاء.
وقال يحيى بن سعيد القطان: " مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بن أبي رباح بكثير؛ كان عطاء يأخذ عن كل ضرب ".
وقال يحيى القطان: " مرسلات سعيد بن جبير أحب إلي من مرسلات عطاء ".
(1) أخرجه الترمذي في (العلل) آخر " الجامع "(6/ 249) وابن عبد البر في " التمهيد "(1/ 37 _ 38) وإسناده صحيح. وأخرجه يعقوب بن سفيان في " المعرفة "(2/ 609) مختصراً.
(2)
التمهيد (1/ 38) .......
(3)
شرحت ذلك في كتابي " الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام ".
قال علي بن المديني: قلت ليحيى: مرسلات مجاهد أحب إليك أم مرسلات طاوس؟ قال: " ما أقربهما "(1).
قلت: وقولهم: (مراسيل فلان أحب من مراسيل فلان) ليس تصحيحاً لها، وإنما هو ترجيح في القوة مقارنة بينهما.
وقال أبو عمرو بن العلاء: " كان قتادة لا يغث (2) عليه شيء، يروي عن كل أحد"(3).
وقال أحمد بن سنان الواسطي " كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً، ويقول: " هو بمنزلة الريح ". ويقول: " هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوا " (4).
وقال يحيى القطان: " مرسل الزهري شر من مرسل غيره؛ لأنه حافظ، وكلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يحسن _ أو يستجيز _ أن يسميه "(5).
قلت: ووجدت أبا حاتم الرازي سأله ابنه عن حديث يروى عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن جابر، فحكم بخطأ الرواية، وقال " يروى عن الزهري عن من سمع جابراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يسمي أحداً، ولو كان سمع من سعيد لبادر إلى تسميته ولم يكن عنه "(6).
قلت: وتلاحظ من هذا العلة التي لأجلها صار أئمة الحديث إلى رد المرسلات.
(1) أخرجه الترمذي في (العلل) آخر " الجامع "(6/ 247)، وابن أبي حاتم في " تقدمة الجرح والتعديل " (ص: 243، 244) والخطيب في " الكفاية " (ص: 550) وإسناده صحيح.
(2)
أي لا يرى شيئاً مما يَسمع غثاً لا يستحق أن يُروى، وإنما يروي كلَّ ما وقف عليه: الغث والسمين.
(3)
أخرجه الرَّامهرمزي في " المحدث الفاصل "(ص: 417) وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم في " التقدمة "(ص: 246)، وإسناده صحيح.
(5)
أخرجه ابن عساكر في " تاريخه "(55/ 368) وإسناده صحيح .......
(6)
علل الحديث (رقم: 573).
وقال يحيى بن سعيد القطان: " مرسلات أبي إسحاق (1) عندي شبه لا شيء، والأعمش، والتيمي (2)، ويحيى بن أبي كثير، ومرسلات ابن عيينة شبه الريح "، ثم قال:" إي والله، وسفيان بن سعيد ".
قال ابن المديني: قلت ليحيى: فمرسلات مالك؟ قال: هي أحب إلي ".
ثم قال يحيى: " ليس في القوم أحد أصح حديثاً من مالك "(3).
وقال يحيى القطان كذلك: " مرسل مالك أحب إلي من مرسل سفيان "(4).
وسُئل أحمد بن حنبل عن مراسيل يحيى بن أبي كثير؟ قال: " لا تعجبني؛ لأنه روى عن رجال ضعاف صغار "(5).
وقال يحيى بن سعيد القطان: " مرسلات ابن أبي خالد ليس بشيء، ومرسلات عمرو بن دينار أحب إلي "(6).
وقال يحيى كذلك: " مرسلات معاوية بن قرة أحب إلي من مرسلات زيد بن أسلم "(7).
قلت: وهذه نصوص في مراسيل طائفة من رواة الحديث مختلفي
(1) يعني السبيعي.
(2)
يعني سليمان بن طرخان التيمي.
(3)
أخرجه الترمذي في (العلل) آخر " الجامع "(6/ 247) وابن أبي حاتم في " تقدمة الجرح والتعديل "(ص: 244) والخطيب في " الكفاية "(ص: 550) وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه يعقوب بن سُفيان في " المعرفة "(1/ 686) ومن طريقه: الخطيب في " الكفاية "(ص: 549) وإسناده صحيح.
(5)
مسائل الإمام أحمد، رواية ابن هانئ (2/ 222).
(6)
أخرجه ابن أبي حاتم في " تقدمة الجرح والتعديل "(ص: 244) والخطيب في " الكفاية "(ص: 550) بإسناد صحيح.
(7)
أخرجه ابن أبي حاتم في " تقدمة الجرح والتعديل "(ص: 245) وإسناده صحيح .......