الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن أحمد الروياني)، وهو شيخه الثقة الحافظ أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي، نسبه إلى (القطيعة) محلة ببغداد نزلها لا يعرف بالنسبة إليها، ونسبته (الروياني) صحيحة لكنه غير مشهور بها كذلك (1).
ومن مظان كشف هذا النوع من التدليس، كتاب " الموضح لأوهام الجمع والتفريق " للحافظ الناقد أبي بكر الخطيب البغدادي.
واعلم أن تدليس الأسماء يصير إلى الجهالة بها، والجهالة سبب لرد الحديث أصلاً، فإذا لم تتبين حقيقة ذلك الراوي فهو مجهول، لكن تكمن الخطورة في إيهام هذا التدليس أن الراوي ثقة إذا التبس باسم أو كنية شيخ له من الثقات، لذا يوجب تيقظاً زائداً.
وكذلك ينبغي الاعتناء بمعرفة أسماء من كان يفعل هذا من الشيوخ، فإنه يورد ريبة في كل شيخ لأحدهم غير معروف.
تحرير الفرق بين (التدليس) و (الإرسال الخفي):
تقدم تعريف (تدليس الإسناد) عن أبي بكر الخطيب، وأنه شامل لما يرويه الراوي عمن لم يلقه ولم يسمع منه، وقد أدرك زمانه.
وأشرت إلى أن هذه صورة (الإرسال الخفي) لا التدليس.
وذكر ابن عبد البر عن طائفة تسميتها لرواية الرجل عمن لم يدركه تدليساً أيضاً، لكن تعقبه بقوله:" إن كان هذا تدليساً، فما أعلم أحداً من العلماء سلم منه، في قديم الدهر ولا في حديثه، اللهم إلا شعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان "(2).
قلت: وهذه الصورة إنما هي انقطاع ظاهر، وليست تدليساً، ولا إرسالاً خفيا.
(1) وانظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (17/ 603) .......
(2)
التمهيد (1/ 15).
وتحرير القول في الإرسال الخفي، أنه: رواية الراوي عمن أدركه بصيغة العنعنة، وثبت أنه لم يسمع منه البتة، أو سمع منه شيئاً معيناً ولم يسمع منه غيره.
وهذا يعود إلى أسباب:
أولها: صغر الراوي، فلم يتهيأ له السماع من الشيخ البتة، أو سمع منه أو رأى شيئاً معيناً فبقي يذكره، فرواه.
مثل جماعة من التابعين رأوا بعض الصحابة ولم يسمعوا منهم، كالأعمش، وأيوب السختياني، وعبد الله بن عون، رأوا أنس بن مالك ولم يسمعوا منه.
وممن سمع لهذه العلة حرفاً أو شيئاً يسيراً ولم يسمع غيره، ما رواه الحسن البصري عن عثمان أنه رآه يصنع أشياء، أو يأمر بأشياء فمن ذلك: قوله: رأيت عثمان يخطب وأنا ابن خمس عشرة سنة قائماً وقاعداً (1).
وعنه: أنه رأى عثمان بن عفان يصب عليه من إبريق (2).
وعنه قال: شهدت عثمان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام (3).
(1) أخرجه ابنُ سعد في " الطبقات "(7/ 157) وإسناده حسن.
(2)
أخرجه ابن سعد (7/ 157) وإسناده صحيح .......
(3)
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد "(رقم: 1301) وابنُ أبي الدنيا في " ذمِّ الملاهي "(رقم: 138) _ ومن طريقه: البيهقي في " الشعب "(5/ 245 رقم: 6536) _ وعبد الله بن أحمد في " زوائد المسند "(رقم: 521) والذهبي في " السير "(10/ 317) من طرق عن المبارك بن فَضالة، عن الحسن، به، وبيَّن مُبارك سماعه من الحسن، وإسناده صحيح.
وتابعه عليه: يونس بن عبيدٍ عن الحسن أن عثمان، ولم يقل: شَهدت، أخرجه عبد الرزاق (11/ 3 رقم: 19734) وإسناده صحيح.
كما تابعه: يوسف بن عبدة قال: حدثنا الحسن، قال: كان عثمان لا يخطب جُمعة إلا أمرَ .. الأثر. أخرجه البخاري في " الأدب "(رقم: 1301) وإسناده حسن، يوسف صالح الحديث.
كما ذكره الذهبي في " السير "(4/ 568) من طريق قتادة وشعيب بن الحبحاب عن الحسن، قال في رواية قتادة: سمعت عثمان، وفي رواية شُعيب: شَهدت عُثمان.
فالخبر بهذه الطرق صحيح بلا ريبة عن الحسن عن عثمان.
تنبيه: من غريب ما وقفت عليه من التحريف: أن البيهقي أخرج هذه الرواية في " السنن "(2/ 413) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن يونس، عن الحسن، أن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، كان يأمر بغسل الكلاب في الحمام. كذا وقعَ في المطبوعة، وفي هامشها تنبيه على الرواية الصحيحة عن أكثر من نسخة:(يأمر بقتل الكلاب والحمام)، لكن يبدو أن الناشر أبقى على هذه الرواية في أصل الكتاب من أجل الباب الذي أوردها البيهقي تحته، حيث قال:" باب نجاسة الأبوال والأرواث وما خرج من مخرج حي " مع ما ذكره تحته من الرواية فإنه لا يُناسبه إلا هذه الرواية المحرَّفة.
وثانيها: أن يكونا تعاصرا لكن لا يثبت اللقاء من أجل اختلاف البلد، وعدم قيام الدليل على اجتماعهما في محل.
ومن أمثلته:
قال علي بن المديني: " الحسن لم يسمع من الضحاك (يعني ابن سفيان)؛ فكان الضحاك يكون بالبوادي ولم يسمع منه "(1).
وقال الدارقطني: " لا يثبت سماع سعيد (يعني ابن المسيب) من أبي الدرداء؛ لأنهما لم يلتقيا "(2).
قلت: فكأنه يقول: لأن أبا الدرداء سكن الشام وأقام بها، وسعيداً كان بالمدينة.
وفي معناه، ما نقله ابن أبي حاتم عن أبيه، قال: سئل أبي عن ابن سيرين: سمع من أبي الدرداء؟ قال: " قد أدركه، ولا أظنه سمع منه، ذاك بالشام، وهذا بالبصرة "(3).
(1) العلل، لابن المديني (ص: 55)، والمراسيل لابن أبي حاتم (ص: 42).
(2)
العلل، للدارقطني (6/ 204).
(3)
المراسيل (ص: 187).
وعن أحمد بن حنبل، قال:" لم يسمع زرارة بن أوفى من تميم الداري، تميم بالشام، وزرارة بصريٌّ "(1).
قلت: وهذا من هذا القبيل، لكن صح عن زرارة قال:" حدثني تميم الداري "(2)، وهذا نص لا يقبل التأويل في عدم ثبوت السماع، بل فيه دليل على أن عدم اللقاء في رأي أحمد كان مبنيا على مجرد المظنة، فحيث ثبت سماعه منه فقد اندفعت بذلك تلك المظنة.
ثالثها: أن يكون اللقاء ممكناً، ولكن الراوي عن ذلك الشيخ لا يذكر في شيء من حديثه عنه ما يدل على السماع، وثبت أنه أحياناً يروي عنه بعض حديثه بالوسائط.
وهذا مثل سالم بن أبي الجعد عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حدث عنه بأحاديث، وعامة النقاد كأحمد بن حنبل والبخاري على أنه لم يسمع منه، وأن روايته عنه في مواضع جاءت بواسطة معدان بن أبي طلحة.
نعم، قال أبو حاتم الرازي مرة:" لم يسمع من ثوبان شيئاً، يدخل بينهما معدان "، وهو كقول أحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما، وقال مرة:" لم يدرك ثوبان "(3)، واللفظ الأول في نفي السماع أولى، من أجل قوة مظنة الإدراك في الجملة، ولذا قال يعقوب بن سفيان:" لم يسمع سالم من ثوبان، إنما هو تدليس "(4).
واستُعمل هذا الطريق في التعليل نقاد الحديث، وهو من خفيه ومشكله، ويحتاج إلى فطنة وبحث، وتقدم في (النقد الخفي).
وأعل الدارقطني بمثله ما يرويه الحسن البصري عن أبي بكرة، من
(1) نقله ابن رجب في " شرح العلل "(1/ 368).
(2)
أخرج ذلك البُخاري في " التاريخ الكبير "(2/ 1 / 439) بإسناد صحيح إلى زُرارة .......
(3)
المراسيل (ص: 80).
(4)
المعرفة والتاريخ (3/ 236).