الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصادر المتون الموضوعة:
متون الأحاديث الموضوعة ترجع إلى واحد من مصادر ثلاثة:
الأول: من ذات واضعه، وذلك بأن يصنعه بألفاظ نفسه.
والثاني: أن يكون مأثورا عن صحابي أو تابعي قولهما، أو قولا من الحكمة أو أمثال الناس السارية، إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والثالث: أن يكون من الأخبار المستوردة من بني إسرائيل، والتي تسمى (الإسرائيليات)، فتضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الأسانيد لتلك المتون، فإن من وضع المتن فلا يعجزه أن يركب له الإسناد، وقد يكون إسناداً لا يعرف إلا لذلك الخير، يكون الواضع قد صنعه كما صنع المتن، وهذا قليل (1)، وقد يكون إسناداً معروفاً نظيفاً، ركب عليه الواضع ذلك المتن، وهذا هو الأكثر، ويفعلون لما يقع من الإغراء به لنظافة الإسناد في الظاهر.
فإن كان الواضع صير ما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم عنه كالآثار والإسرائيليات، فتلك ربما مروية بإسناد، فيزيد فيه الواضع النسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، أو يصله إليه بزيادة ما يقتضيه الوصل، وربما وضع لتلك الآثار الإسناد أيضاً وركبها عليه.
ومن تلك المتون ما لا سند له، وشاع بين الناس منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم
(1) مثل ما قاله ابنُ عدي في (الحسن بن علي بن صالح العدوي): " يضع الحديث، ويسرق الحديث، ويُلزقه على قوم آخرين، ويُحدث عن قوم لا يُعرفون، وهو متهم فيهم، فإن الله لم يخلقهم "، قلت: ومن أمثلة هؤلاء ممن ذكر ابنُ عدي رجلٌ يُقال له: (خِراشُ بن عبد الله) اصْطنعه العَدوي هذا وزَعم أنه خادِم أنس بن مالك، وبعد أن ساق ابن عدي له أحاديث عنه قال:" وهذه الأحاديث أربعة عشر حديثاً، وخِراش هذا لا يُعرف، ولم أسْمع أحداً يذْكر خراشاً غير العدوي "(الكامل 3/ 195، 204 _ 205) .......
وهذا أظهر في الوضع مما صيغت له الأسانيد؛ لأن الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل بدون الإسناد.
والكذب في الحديث يعلم بطرق، تعود جملتها إلى ما يلي:
الأولى: أن يقر واضعه بأنه وضعه.
ووقع من بعض من عرفوا بالكذب اعترافهم بذلك، كنوح بن أبي مريم، وعبد الكريم بن أبي العوجاء، وزياد بن ميمون، وغيرهم.
قال أبو داود الطيالسي: " أتينا زياد بن ميمون، فسمعته يقول: أستغفر الله، وضعت هذه الأحاديث "(1).
قلت: لكن كشف الحديث الموضوع المعين بهذا الطريق فيما في أيدي الناس من الحديث المروي لا يكاد يوجد، إنما كان طريقاً تكشف به حال أولئك المخذولين.
الثانية: أن يكون ظاهراً منه بحيث كأنه ينزل منزل إقراره بوضعه.
وذلك كما قال يحيى بن معين في (أبي داود النخعي): " رجل سوء كذاب، يضع الأحاديث، انصرفنا من عند هشيم في أبواب من الطلاق، فقال: ليس منها شيء إلا وعندي بإسناد، كان يدخل فيضع الحديث ثم يخرج "، قال يحيى " سمعت أبا داود يقول: حدثني خصيف وخصاف ومخصف، كذب كله " (2).
قلت: كأن ابن معين يقول: كان الكذب ظاهراً في وجهه.
وانكشف لكثير من النقاد حال طائفة من هؤلاء الكذابين، فقضوا بأنهم وضعوا الحديث المعين أو الأحاديث، مثل قطعهم بوضع ميسرة بن عبد ربه
(1) أخرجه عبد الله بن أحمد في " العلل " لأبيه (النص: 2997) بإسناد صحيح.
(2)
من كلام أبي زكريا يحيى بن مَعين (النص: 218) .......
كتاباً في أحاديث في فضل العقل، سرقه منه داود بن المحبر وغيره، وحكمهم على نسخ مجموعة من قبل بعض الكذابين بكونها موضوعة، كنسخة أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط، وغيره.
الثالثة: أن يظهر من حال الراوي عند تحديثه به ما يدل على أنه وضعه.
كالذي وقع من غياث بن إبراهيم حين دخل على الخليفة المهدي في زيادته في حديث: " لا سبق إلا في خف " ذكر الجناح، حين علم أن المهدي يحب الحماح، فأراد التزلف له، فكشف المهدي حقيقة أمره من ساعته (1).
وهذا طريق كان معتبراً في كشف روايات الكذابين لمن كان يقظاً عند مباشرة السماع منهم.
الرابعة: أن يستدل بما عرف عن الراوي من أنه كان يكذب، بكون حديثه موضوعاً، وذلك حين تثبت نكارته، ولا يعرف له ما يدل على أن له أصلاً من غير طريقه.
وهذا طريق يستعمله عامة النقاد في الحكم على كثير من الأحاديث الموضوعة، وهو الطريق الواجب اعتباره فيما لم تقم قرينة أخرى على اعتباره كذباً؛ وذلك لإمكان إجرائه في الواقع.
وبيانه: أنك تجد الحديث يرويه رجل من المعروفين بالكذب بإسناد له، لا يوجد له أصل من وجه آخر بحيث لا تبرأ عهدة ذلك الكذاب منه، فتقول: هذا حديث موضوع، آفته من جهة هذا الكذاب.
مثل: ما رواه أحمد بن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق
(1) وتقدم في هذا المبحث سِياق قصته.
المروزي، قال: حدثنا الحسين بن عيسى، قال: أنبانا عبد الله بن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" من سقى مسلماً شربة من ماء في موضع يوجد فيه الماء فكأنما أعتق رقبة، فإن سقاه في موضع لا يوجد فيه الماء فكأنما أحيا نسمة مؤمنة ".
قال ابن عدي: " هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وحكم على (أحمد بن علي) رواية بقوله: " يضع الحديث عن الثقات "(1).
وهكذا ترى أحكامه وأحكام ابن حبان وابن الجوزي وغيرهم على الأحاديث الكثيرة بالوضع، فإنما هو لكونها لم تعرف إلا من طريق من هو مذكور بالكذب، وربما يكون كذب ذلك الراوي لهم قد انكشف بالمجيء بمثل تلك الأحاديث، فصح لهم أن يستدلوا على كذبه بها، وعلى كذبها به.
الخامسة: أن يكون الحديث شبيهاً بحديث الكذابين، وإن كان لا يتهم بوضعه معين في إسناده، بل ربما كان من رواية مجهول، أو مما أدخل على بعض الرواة الضعفاء، أو دلس اسم الكذاب الذي تلصق به التهمة.
وقد ذكرت في (تفسير الجرح) من نماذج الرواة من لزمه الجرح بسبب إدخال الموضوعات عليه وهو لا يعلم، ومن أجله رد من المدلس المعروف بالتدليس عن المجروحين ما لم يبين فيه السماع لو كان ثقة.
ومن مثال هذه الصورة ما ذكره عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثت أبي بحديث حدثنا خالد بن إبراهيم أبو محمد المؤذن، قال: حدثنا
(1) الكامل (1/ 338) .......
سلام بن رزين قاضي أنطاكية، قال: حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود، قال:
بينما أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرقات المدينة، إذا أنا برجل قد صرع، فدنوت فقرأت في أذنيه، فاستوى جالساً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" ماذا قرأت في أذنه يا ابن أم عبد؟ "، قلت: فداك أبي وأني، قرأت:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم:" والذي بعثني بالحق، لو قرأها موقن على جبل لزال "؟ أحمد من جهة
قال أحمد بن حنبل: " هذا الحديث موضوع، هذا حديث الكذابين، منكر الإسناد "(1).
قلت: هو حديث لم يتعين واضعه، أو واضع إسناده، وجائز أن تكون حجة أحمد من جهة أن الأعمش معروف الحديث، وليس هذا عند أحد من أصحابه، فكيف صار مثله إلى رجل مجهول كسلام هذا، وجائز أن تكون الحجة أن الحديث معروف من حديث عبد الله بن لهيعة، رواه عن عبد الله بن هبيرة، عن حنش الصنعاني، عن عبد الله بن مسعود (2).
ولم يأت من ابن لهيعة ذكره السماع في روايته، ومعروف أنه وقعت في روايته المنكرات، تارة من جهة حفظه، وتارة من مظنة التدليس.
ومن أثبت الروايات عنه رواية عبد الله بن وهب، وقد رواه عنه بإسناده إلى حنش، مرسلاً (3).
(1) العلل (النص: 5979) وعنه: العقيلي في " الضعفاء "(2/ 163) وابن الجوزي في " الموضوعات "(رقم: 498).
(2)
أخرجه أبو يعلى (رقم: 5045) وابن السني في " اليوم والليلة "(رقم: 631) والحكيم: الترمذي في " نوادر الأصول "(رقم: 847 _ تنقيح) والطبراني في " الدعاء "(رقم: 1081) وأبو نُعيم في " الحلية "(1/ 38 رقم: 11) من طريقين عن ابن لهيعة به .......
(3)
كذلك أخرجه ابنُ أبي حاتم في " تفسيره "(8/ 2513)، وأيضاً هوَ مرسلٌ عند الخطيب في " تاريخه "(12/ 312) من طريق عفيف بن سالم الموصلي عن ابن لهيعة.
السادسة: أن يدل جمع الطرق وتتبع الروايات على عورة الكذاب فيه.
وهذا طريق كشف عن حال كثير من الموصوفين بالكذب، وخصوصاً أولئك الذين عرفوا بالكذب في الأسانيد، كتوصيل منقطع يضع له أحدهم الإسناد يوصله به أو وضع إسناد مختلف لحديث صحيح معروف مروي بإسناد آخر صحيح.
ومثل هذا لا يقدح في متن الحديث، ولا يحكم بسببه بكونه موضوعاً، وإنما الموضوع هو الإسناد.
وذلك كحال (خالد بن القاسم أبي الهيثم المدائني)، قال يحيى بن معين:" كان يزيد في الأحاديث الرجال، يوصلها لتصير مسندة "، ويفسر ذلك أبو زرعة الرازي فيقول:" هو كذاب، كان يحدث الكتب عن الليث عن الزهري، فكل ما كان: الزهري عن أبي هريرة، جعله: عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وكل ما كان: الزهري عن عائشة، جعله: عن عروة عن عائشة، متصلاً "(1).
وترى الحكم بالوضع بهذا الطريق وقع من طائفة من متقدمي الحفاظ، كأبي حاتم الرازي في " علل الحديث ".
السابعة: أن يعرف بالتاريخ، كأن يوجد من الراوي ذكر السماع من قوم لم يدركهم، فيكون قرينة على كون ما حدث به عنهم كذباً، وهو معدود فيمن يسرق الحديث.
ولا يلزم منه أن يكون المتن أو حتى سائر الإسناد موضوعاً، إنما قد يكون الكل موضوعاً، وقد يكون حكم الوضع مقصوراً على رواية ذلك الكذاب عن ذلك الشيخ الذي لم يلقه، فتكون روايته تلك من طريقه ساقطة لا اعتداد بها؛ لأجله.
(1) الجرح والتعديل (1/ 2 / 347، 348).
والتاريخ من أبرز طرق كشف الكذب والكذابين في الحديث: يحدث الراوي عمن مات قبله، أو كان يوم مات الشيخ في سن لا يحتمل السماع منه.
قال حفص بن غياث: " إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين " يعني: احسبوا سنه وسن من كتب عنه (1).
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين وذكر المعلى بن عرفان: " قال: حدثنا أبو وائل قال: خرج علينا ابن مسعود بصفين " فقال أبو نعيم: " أتراه بعث بعد الموت؟ "(2).
قال البخاري: " وهذا لا أصل له؛ لأن عبد الله مات قبل عثمان، رضي الله عنه، وقبل صفين بسنين "(3).
وقال إسماعيل بن عياش: " كنت بالعراق، فأتاني أهل الحديث، فقالوا: هذا رجل يحدث عن خالد بن معدان، قال: فأتيته، فقلت: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ قال: سنة ثلاث عشرة، فقلت: أنت تزعم أنك سمعت من خالد بعد موته بسبع "، قال إسماعيل:" مات خالد سنة ست ومئة "(4).
(1) أخرجه الخطيب في " الكفاية "(ص: 193) ومن طريقه: ابن عساكر في " تاريخه "(1/ 54) وإسناده لا بأس به.
وروُي في هذا المعنى عن سفيان الثوري قال: " لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ " أخرجه ابنُ عدي في " الكامل "(1/ 169 _ 170) ومن طريقه: الخطيب في " الكفاية "(ص: 193) وابنُ عساكر (1/ 54) وفي إسناده من لم أقف عليه .......
(2)
أخرجه مسلم في " مقدمته "(ص: 26) وعنه: ابنُ أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(4/ 1 / 330) وإسناده صحيح إلى أبي نعيم.
(3)
التايخ الأوسط (2/ 78).
(4)
أخرجه ابن حبان في " المجروحين "(1/ 71) والحاكم في " المدخل إلى كتاب الإكليل "(ص: 60 _ 61) والخطيب في " الجامع "(رقم: 145) وإسناده جيد.
وقال صالح بن محمد الأسدي المعروف بـ (جزرة) في (محمد بن مهاجر الطالقاني أخي حنيف): " أكذب خلق الله، يحدث عن قوم ماتوا قبل أن يولد هو بثلاثين سنة، وأعرفه بالكذب منذ خمسين سنة "(1).
وقال ابن أبي حاتم الرازي في (محمد بن منده الأصبهاني): " لم يكن عندي بصدوق، أخرج أولاً عن محمد بن بكير الحضرمي، فلما كتب عنه استحلى الحديث، ثم أخرج عن بكر بن بكار، والحسين بن حفص، ولم يكن سنه سن من يلحقها "(2).
وقال ابن عدي في (أحمد بن محمد بن الصلت أبي العباس): " رأيته في سنة سبع وتسعين ومئتين يحدث عن ثابت الزاهد وعبد الصمد بن النعمان وغيرهما من قدماء الشيوخ، قوم قد ماتوا قبل أن يولد بدهر، وما رأيت في الكذابين أقل حياء منه، وكان ينزل عند أصحاب الكتب يحمل من عندهم رزماً، فيحدث بما فيها، وباسم من كتب الكتاب باسمه، فيحدث عن الرجل الذي اسمه في الكتاب، ولا يبالي ذلك الرجل متى مات، ولعله قد مات قبل أن يولد "(3).
ومثاله أيضاً: محمد بن عبدة بن حرب العباداني، أدركه ابن عدي وكتب عنه، وقال:" قوله: كتبت عن بكر بن عيسى كذب عظيم، وذاك أنه كان يقول: ولد سنة ثماني عشرة، وبكر مات أربع ومئتين، فكيف يكتب عنه؟ "(4).
وقال ابن حبان في (أبي العباس أحمد بن محمد بن الأزهر) وقد أدركه: " قد روى عن محمد بن المصفى أكثر من خمس مئة حديث، فقلت
(1) أخرجه الخطيب في " تاريخه "(3/ 303) وإسناده صحيح.
(2)
الجرح والتعديل (4/ 1 / 107).
(3)
الكامل (1/ 327 _ 328).
(4)
الكامل (7/ 565) .......
له: يا أبا العباس، أين رأيت محمد بن المصفى؟ فقال: بمكة، فقلت: في أي سنة؟ قال: سنة ست وأربعين ومئتين، قلت: وسمعت هذه الأحاديث منه في تلك السنة بمكة؟ قال: نعم، فقلت: يا أبا العباس، سمعت محمد بن عبيد الله بن الفضيل الكلاعي عابد الشام بحمص يقول: عادلت محمد بن المصفى من حمص إلى مكة سنة ست وأربعين، فاعتل بالجحفة علة صعبة، ودخلنا مكة، فطيف به راكباً، وخرجنا في يومنا إلى منى، واشتدت به العلة، فاجتمع علي أصحاب الحديث، وقالوا: أتأذن لنا حتى ندخل عليه؟ قلت: هو لما به، فأذنت لهم، فدخلوا عليه، وهو لما به لا يعقل شيئاً، فقرأوا عليه حديث ابن جرير عن مالك في المغفر، وحديث محمد بن حرب عن عبيد الله بن عمر: ليس من البر الصيام في السفر، وخرجوا من عنده، ومات فدفناه. فبقي أبو العباس ينظر إلي " (1).
قلت: فرواية الواحد من هؤلاء شيئاً عمن لم يدركوه يدعون السماع منه، كذب، وإسناد ذلك الراوي عن ذلك الشيخ موضوع.
الثامنة: أن يختبر الراوي بسؤاله عن المكان الذي سمع فيه من شيخ معين، أو عن صفة ذلك الشيخ، فيذكر ما يخالف الحقيقة، فيكون تحديثه بما حدث به عن ذلك الشيخ كذباً.
مثل: سهيل بن ذكوان، فقد ادعى أنه سمع من أم المؤمنين عائشة، فسئل: أين لقيت عائشة؟ قال: بواسط، وعائشة ما دخلت واسط (2).
كما قيل له: صف عائشة، فقال: كانت أدماء، أو: سوداء (3)، وكذب في ذلك.
(1) المجروحين من المحدثين (1/ 164).
(2)
الجامع لأخلاق الراوي، للخطيب (رقم: 151).
(3)
التاريخ الكبير، للبخاري (2/ 2 / 104)، العلل، لأحمد بن حنبل (النص: 988)، تاريخ يحيى بن مَعين (النص: 2486) .......
التاسعة: أن يكون معلوماً أن زيداً من الرواة غير معروف بالرواية عن فلان، فيروي رجل حديثاً يذكر فيه رواية لزيد عن فلان هذا، فيستدل به على تركيبه الأسانيد، وأن ذلك الإسناد موضوع مركب.
مثل: (عبد الله بن حفص الوكيل) روى بإسناده عن سليمان التيمي عن حميد عن أنس حديثاً منكراً، فقال ابن عدي:" هذا موضوع المتن والإسناد، وذاك أن سليمان التيمي لا يحفظ له عن حميد شيء "(1).
والوكيل هذا متهم بالكذب ووضع الحديث، ومثل هذه العلة دليل على أنه كان يركب الأسانيد.
العاشرة: أن يستدل بطراوة الخط في الكتاب العتيق أو بلون الحبر مثلاً على أن الراوي أضاف اسمه في طباق السماع، فادعى لنفسه السماع واتصال ما بينه وبين من روى عنه ذلك الحديث أو الكتاب، وإنما هو يكذب.
وصنيع هذا وقع من طائفة من المتأخرين بعدما صارت الرواية إلى الكتب، ولذا يلزم تتبع ذلك من النقلة لكشف صحة السماع أو عدمه، قال الحاكم:" يتأمل أصوله: أعتيقة هي أم جديدة، فقد نبغ في عصرنا هذا جماعة يشترون الكتب فيحدثون بها، وجماعة يكتبون سماعاتهم بخطوطهم في كتب عتيقة في الوقت فيحدثون بها "(2).
قلت: ومن أمثلة من فضحه الله بتزوير السماع: محمد بن عبد الخالق اليوسفي (3)، وأبو البقاء محمد بن محمد بن معمر بن طبرزد (4).
(1) الكامل (5/ 435).
(2)
معرفة علوم الحديث (ص: 16).
(3)
انظر ترجمته في: ميزان الاعتدال (3/ 613) ولسان الميزان (5/ 246) وتكملة الإكمال لابن نُقطة (4/ 486).
(4)
انظر ترجمته في: ميزان الاعتدال (4/ 30 _ 31) ولسان الميزان (5/ 365) .......
ومنهم: محمد بن أيوب بن سويد الرملي، قال أبو زرعة الرازي:" أتيناه، فأخرج إلينا كتب أبيه أبواباً مصنفة بخط أيوب بن سويد، وقد بيض أبوه كل باب، وقد زيد في البياض أحاديث بغير الخط الأول، فنظرت فيها، فإذا الذي بخط الأول أحاديث صحاح، وإذا الزيادات أحاديث موضوعة ليست من حديث أيوب بن سويد، قلت: هذا الخط الأول خط من هو؟ فقال: خط أبي، فقلت: هذه الزيادات، خط من هو؟ قال: خطي، قلت: فهذه الأحاديث من أين جئت بها؟ قال: أخرجتها من كتب أبي، قلت: لا ضير، أخرج إلي كتب أبيك التي أخرجت هذه الأحاديث منها "، قال أبو زرعة:" فاصفار لونه وبقي (1)، وقال: الكتب ببيت المقدس، فقلت: لا ضير، أنا أكتري فيجاء بها إلي. . " قال: " فبقي ولم يكن له جواب، فقلت له: ويحك ! أما تتقي الله؟ ما وجدت لأبيك ما تفقه به سوى هذا؟ أبوك عند الناس مستور وتكذب عليه؟ أما تتقي الله؟ فلم أزل أكلمه بكلام من نحو هذا ولا يقدر لي على جواب "(2).
واعلم أنه ليس كل من ادُّعي عليه أنه يفعل ذلك يكون مما يقدح فيه، فقد تكلم الحافظ ابن النجار، في شيخه (عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد عبد الكريم السمعاني) فقال:" كانت سماعاته التي بخط والده وخطوط المعروفين من المحدثين صحيحة، فأما ما كان بخطه فلا يعتمد عليه، فإنه كان يلحق اسمه في طباق لم يكن اسمه فيها إلحاقاً ظاهراً، ويدعي سماع أشياء لم يوجد سماعه منها، وكان متسامحاً "(3).
فاعتذر عنه ابن حجر، فقال: " هذا الذي قاله ابن النجار فيه لا يقدح بعد ثبوت عدالته وصدقه، أما كونه كان يلحق اسمه في الطباق، فيجوز أنه
(1) أي أفحِم وسكت.
(2)
سؤالات البرذعي (2/ 390 _ 391).
(3)
المستفاد من ذيْل تاريخ بغداد، لابن النجار، انتقاء: الدمياطي (ص: 289).
كان يحقق سماعه، وأما كونه ادعى سماع أشياء لم توجد، فهذا إنما يتم به القدح فيه لو وجد الأصل الذي ادعى أنه سمع فيه، ولم يوجد اسمه فيه، أما فقدان الأصول فلا ذنب للشيوخ فيه " (1).
الحادية عشرة: أن يكون في نفس المروي قرينة تدل على كونه كذباً.
كالأحاديث الطويلة التي يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها، أو تخالف البراهين الصريحة ولا تقبل تأويلاً بحال.
قال الشافعي: " لا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث، وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أنه يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه "(2).
وذكر ابن القيم (3) لتمييز الحديث الموضوع بهذا الطريق علامات، إليكها ملخصة مقربة مع زيادة فائدة يقتضيها المقام:
[1]
اشتمال الحديث على المجازفات في ترتيب الجزاء المبالغ في وصفه على العمل اليسير.
مثل: " من صلى الضحى كذا وكذا ركعة، أعطي ثواب سبعين نبيا "(4).
[2]
مخالفة الواقع المحسوس.
مثل: " الباذنجان شفاء من كل داء "(5).
(1) لِسان الميزان (4/ 7) .......
(2)
الرسالة (الفقرة: 1099).
(3)
في كتابه: " المنار المنيف في الصحيح والضعيف ".
(4)
وانظر: الموضوعات، لابن الجوزي (رقم: 992).
(5)
وانظر: المقاصد الحسنة، للسخاوي (رقم: 279).
قلت: كالذي روى العلاء بن زيدل، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال " العالم لا يخرف ".
سئل أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث فقال: " العلاء ضعيف الحديث، متروك الحديث، قد وجدنا من ينسب إلى العلم: المسعودي، والجريري، وسعيد بن أبي عروبة، وعطاء بن السائب، وغيرهم "(1).
قلت: يعني أنه كبروا فخرفوا.
[3]
مناقضة السنن الإلهية في التشريع والتكليف.
مثل ما يروى في حرمة النار على من اسمه (محمد) أو (أحمد)(2).
[4]
أن يشمل على تحديد تاريخ مستقبل، تقع فيه حوادث، فيقال:" إذا كانت سنة كذا وكذا وقع كيت وكيت "(3).
ومن هذا ما يذكر في عمر الدنيا، وأنها سبعة آلاف سنة (4).
والمبين لكذب هذا النوع من الأخبار: خلو أخبار الوحي المعروفة من ذلك بالاستقراء، مع ظهور كذب تلك الأخبار في الواقع المشاهد.
[5]
أن تقوم الشواهد الصحيحة، والعلم القاطع، للدلالة على بطلانه.
مثل: " إن الأرض على صخرة، والصخرة على قرن ثور، فإذا حرك الثور قرنه تحركت الصخرة، فتحركت الأرض، وهي الزلزلة ".
[6]
أن يشمل على خلاف الصحيح الثابت.
مثل حديث وضع الجزية على يهود خيبر، فهو باطل لأن فيه شهادة
(1) علل الحديث، لابن أبي حاتم (رقم: 2821).
(2)
انظر: الموضوعات، لابن الجوزي (رقم: 326).
(3)
انظر من ذلك ما في " الموضوعات " لابن الجوزي (رقم: 1688 _ 1698).
(4)
انظر الموضوعات، لابن الجوزي (رقم: 1791) .......
سعد بن معاذ، ولم يكن حيا يومئذ، ولم يكن أسلم يومئذ والجزية لم تكن شرعت يومئذ، إلى قرائن أخرى.
[7]
أن يكون سمج اللفظ، أو يكون كلاماً تقبح إضافة مثله إلى نبي.
مثل: " لا تسبوا الديك، فإنه صديقي، ولو يعلم بنو آدم ما في صورته لاشتروا ريشه ولحمه بالذهب "(1).
ومثل: " أربع لا تشيع من أربع: انثى من ذكر، وأرض من مطر، وعين من نظر، وأذن من خبر "(2).
ومن قبيح كذبهم: " عليكم بالوجوه الملاح، والحدق السود، فإن الله يستحيي أن يعذب وجهاً مليحاً بالنار "(3).
[8]
أن يشتمل على ما يوجب اتفاق الأمة في زمن على الضلالة.
كادعاء أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل أمراً ظاهراً بمحضر من جميع الصحابة، ثم اتفقوا على كتمانه، مثل الذي تدعيه الرافضة في شأن الوصي.
[9]
أن يكون كلاماً هو ألصق بكلام الأطباء أو أصحاب المهن أو الحكماء، منه بكلام الأنبياء.
مثل: " كلوا التمر على الريق، فأنه يقتل الدود "(4).
قلت: ومما يشكل على هذا الطريق: أن من الكذابين من كان يحاكي الكلمات النبوية، ويأتي بالعبارات البليغة، والحق من القول، مركباً على الأسانيد التي ظاهرها السلامة، فيحسبه بعض الناس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم
(1) انظر: الموضوعات، لابن الجوزي (رقم: 1347).
(2)
انظر: الموضوعات، لابن الجوزي (رقم: 462 _ 464).
(3)
انظر: الموضوعات، لابن الجوزي (رقم: 333 _ 334).
(4)
انظر: الموضوعات، لابن الجوزي (رقم: 1392) .......