الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخامس: المتعري خبره عن التدليس.
فكل من اجتمع فيه هذه الخصال الخمس احتججنا بحديثه، وبنينا الكتاب على روايته، وكل من تعرى عن خصلة من هذه الخصال الخمس لم نحتج به " (1).
وعليه وعلى شيخه ابن خزيمة في " صحيحهما " مآخذ فيهما، وقعت غالباً في ضعف بعض الشروط، وتخريجهما لحديث لطائفة ممن اختلف فيه وراجح القول فيه أنه ضعيف.
لذا رأى جماعة من النقاد عدم الاكتفاء لقبول الحديث بكونهما أو أحدهما خرجه، ورأوا أنه لا بد من إعادة الدراسة لأحاديث هذين الكتابين، على أنك تجد من عمد إلى ذلك ظهر له قلة ما يؤخذ عليهما.
والذي أقول به: أن اعتماد من لا خبرة له بهذا العلم على تصحيحهما جائز، حت يتبين الخطأ، إجراء لما غلب على ما فيهما من الصحة، وبناء على ما يجوز لغير المتخصص من التقليد لأهل الاختصاص.
وسبق إلى ذلك عمل أكثر متأخري العلماء، قال أبو عبد الله بن رشيد الفهري وذكر ابن حبان:" وإن كان من أئمة الحديث، فعنده بعض التساهل في القضاء بالصحيح، فما حكم بصحته مما لم يحكم به غيره، إن لم يكن من قبيل الصحيح يكن من قبيل الحسن، وكلاهما يحتج به ويعمل عليه، إلا أن يظهر فيه ما يوجب ضعفه "(2).
3 _ المستدرك على الصحيحين
.
للإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم ابن البيع الحاكم النيسابوري (المتوفى سنة: 405).
(1) الإحسان (1/ 151)، ثم شرح ابنُ حبان ما ذكر من هذه الشروط، وبينتُ شرح صِفة العدْل عنده في القسم الأول من هذا الكتاب.
(2)
السنن الأبين (ص: 145) .......
قصد في هذا الكتاب أن يجمع الأحاديث التي اشتملت على شرط الصحة، ولم يخرجها البخاري ومسلم أو أحدهما.
لكنه تساهل فيه جداً، وكثرت عليه فيه المآخذ.
قال ابن تيمية بعد أن ذكر عن الحاكم تصحيحه لأحاديث موضوعة: " لهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم، وإن كان غالب ما يصححه فهو صحيح، لكن هو في المصححين بمنزلة الثقة الذي يكثر غلطه، وإن كان الصواب أغلب عليه، وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه، بخلاف أبي حاتم بن حبان البستي، فإن تصحيحه فوق تصحيح الحاكم وأجل قدراً، وكذلك تصحيح الترمذي والدارقطني وابن خزيمة وابن منده، وأمثالهم فيمن يصحح الحديث، فإن هؤلاء وإن كان في بعض ما ينقلونه نزاع، فهم أتقن في هذا الباب من الحاكم، ولا يبلغ تصحيح الواحد من هؤلاء مبلغ تصحيح مسلم، ولا يبلغ تصحيح مسلم مبلغ تصحيح البخاري "(1).
وقال ابن القيم: " لا يعبأ الحفاظ أطباء الحديث بتصحيح الحاكم شيئاً، ولا يرفعون به رأساً البتة، بل لا يدل تصحيحه على حسن الحديث، بل يصحح أشياء موضوعة بلا شك عند أهل العلم بالحديث، وإن كان من لا علم له بالحديث لا يعرف ذلك فليس بمعيار على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعبأ أهل الحديث به شيئاً، والحاكم نفسه يصحح أحاديث جماعة وقد أخبر في كتاب (المدخل) له أن لا يحتج بهم، وأطلق الكذب على بعضهم "(2).
وقال: " تصحيح الحاكم لا يستفاد منه حسن الحديث البتة فضلاً عن صحته "(3).
(1) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص: 170 _ 171).
(2)
الفروسية (ص: 63).
(3)
الفروسية (ص: 71).
وقال ابن دحية في كتابه (العلم المشهور): " ويجب على أهل الحديث أن يتحفظوا من قول الحاكم أبي عبد الله، فإنه كثير الغلط ظاهر السقط، وقد غفل عن ذلك كثير ممن جاء بعده وقلده في ذلك "(1).
وقال الزيلعي بعد حديث ذكره في الجهر بالبسملة: " رواه الحاكم، وقال: رجاله ثقات، وتوثيق الحاكم لا يعارض ما يثبت في (الصحيح) خلافه؛ لما عرف من تساهله، حتى قيل: إن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني، بل تصحيحه كتحسين الترمذي، وأحياناً يكون دونه، وأما ابن خزيمة وابن حبان، فتصحيحهما أرجح من تصحيح الحاكم بلا نزاع "(2).
قلت: ومن أجمع الكلمات في وصفه قول الحافظ أبي عبد الله الذهبي: " في المستدرك شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب، بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها كنت قد أفردت منها جزءاً "(3).
وسيأتي ذكر تساهله في الحكم على الحديث بكونه على شرط الشيخين أو أحدهما.
ف " المستدرك " وإن قصد فيه إصابة شرط الصحة على طريقة الشيخين، لكن ليس له نفس منزلة " الصحيحين " أبداً ولا يقاربهما، بل لا يعتمد على حكمه حتى يوافق عليه من عارف بالصناعة، وذلك لضعف تحقيقه فيه.
كما يجدر بالملاحظة أن الحافظ الذهبي اختصر " المستدرك " وتعقب
(1) نقله الزيلعي في " نصب الراية "(1/ 341 _ 342) عن كتاب " العلم المشْهور " لابن دِحية .......
(2)
نصب الراية (1/ 352).
(3)
سير أعلام النبلاء، للذهبي (17/ 175) .......