الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن:
مسائل في الحديث الصحيح والحسن
المسألة الأولى: الحديث الصحيح والحسن كلاهما حجة
في الدين.
قال الإمام الشافعي: " وإذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيء فهو اللازم لجميع من عرفه، لا يقويه ولا يوهنه شيء غيره، بل الفرض الذي على الناس اتباعه "(1).
قلت: أما الحديث الصحيح فهذا المعنى ظاهر فيه.
وأما الحديث إذا دل التحقيق والنظر على حسنه، فذلك يلحقه بالصحيح في الاحتجاج، من جهة أن حسنه لم يثبت إلا عندما تحققت فيه شروط القبول وانتفت عنه موانعه، وتلك هي صفة الحديث الصحيح، وان افترقا في نوع بعض تلك الشروط وكيفية تحققها، على ما تقدم بنانه.
وكما أن (الحديث الصحيح) تثبت به الأحكام، فذلك الحسن، لكن يجب أن يعلم أن (الصحيح) يستقل بإثبات حكم لا ضد له أقوى منه، أما (الحسن) فإننا اشترطنا أن لا يتفرد راويه بأصله، وهذا يعني أنه لا يثبت حكما لا يعرف إلا من تلك الجهة، ولكنه يستدل به على الإبانة والتفصيل لحكم أصله في الجملة ثابت من وجه آخر.
(1) الرسالة (ص: 330) .............
والعلة في هذا الفارق: أن راوي الحديث الحسن إنما قصر عن درجة من يحتج به ابتداء حتى ينظر في روايته، من أجل ما نخشى من خطئه ووهمه، وذلك لما أوردته شبهة خطئه في بعض ما روى، أو قصور درجته في الحفظ عن درجة المتقنين لعدم الشهرة بالعلم والاعتناء به.
وإذا كان هذا ظاهراً في الأحكام، فمن الخطأ البين القول بصحة بناه اعتقاد على (حديث حسن) جرى الحكم بحسنه على ظواهر قواعد المتأخرين في تعريفهم للحسن، دون استقصاء قدر الموافقة للمحفوظ المعروف، أو المخالفة، أو التفرد.
وإذا تحققت هذه المسألة لم تجد لأهل الإسلام عقيدة لم يأت فيها إلا حديث حسن، بل إنك لا تجد عقيدة يقصر العلم بها على حديث صحيح فرد، فإن العقائد أبلغ من الأحكام وآكد، والديانة بها أخطر، فمن أجل ذلك لا يصح تصور أن يكون الشيء منها لم يرد فيه إلا خبر واحد فرد، لا يعلم له أصل من وجه آخر.
نعم، قد تجد في تفاريع بعض ما يتصل بالاعتقاد ما لم يرد فيه إلا الحديث الواحد الصحيح أو الحسن، لكن أصله محفوظ معروف، كتفاصيل سؤال القبر والشفاعة وصفة الميزان يوم القيامة، فإنك لا تجدها إلا مؤيدة لأصل معلوم من دين الإسلام: جاء به الكتاب، أو الصحيح المقطوع به من السنة، والجهل بتلك التفاريع أو عدم اعتقاد ثبوتها لا يقدح في دين الإنسان، ولعذر صاحبها بالتأويل مساغ، بخلاف الإيمان بأصولها في الجملة.
وتقدم أن بعض الحفاظ أدرجوا (الحسن) تحت مسمى (الصحيح) تغليباً، كما وقع الشيء منه في " الصحيحين "، وكما هو صنيع ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما ".
والتمييز بينهما في الإطلاق أدق، إذ فيه إبقاء للإشعار بطريق الوصول