المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثاني: مخالفة القرآن - تحرير علوم الحديث - جـ ٢

[عبد الله الجديع]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالثالنقد الخفي

- ‌الفصل الأولالمراد بالنقد الخفِيِّ وبيانمنزلته وتعيينُ محلَّه

- ‌المبحث الأول:معنى النقد الخفي

- ‌طريقةُ النُّقَّاد فيما يسمَّى (علّة):

- ‌المبحث الثاني:منزلة هذا العلم والطريق إليه

- ‌المبرّزون من أئمة الحديث في معرفة علله:

- ‌هل انتهى الزمن الذي يمكن فيه تمييز العلل الخفية للأحاديث

- ‌المبحث الثالث:تحديد إطار النقد الخفيِّ

- ‌الصورة الأولى: ما أطلق عليه مسمى (العلة) وليس من هذا الباب

- ‌الصورة الثانية: ما أطلق عليه مسمى (العلة) ولا أثر له على ثبوت الحديث

- ‌الصورة الثالثة: ما أطلق عليه مسمى (العلة)، وهو من العلل الظاهرة

- ‌الصورة الرابعة: ما أطلق عليه مسمى (العلة)، وهو صواب

- ‌الفصل الثانيأسباب التَّعليل من خلالمنهج النُّقَّاد

- ‌المبحث الأول:التعليل بالتَّفرُّد

- ‌مسألتان متممتان لمبحث التفرد:

- ‌المبحث الثاني:التعليل بالزيادة

- ‌الأصل الأول: محل وقوع زيادات الثقات

- ‌أولاً: وصل المرسل

- ‌ثانياً: رفع الموقوف

- ‌ثالثاً: الزيادة خلال الإسناد

- ‌الصورة الأولى: زيادة راوٍ خلال الإسناد في موضع عنعنة

- ‌الصورة الثانية: المزيد في متصل الأسانيد

- ‌الصورة الثالثة: زيادة ذكر التحديث والسماع بدل العنعنة

- ‌رابعاً: الزيادة في متن الحديث

- ‌خامساً: الإدراج

- ‌الأصل الثاني: الحكم في زيادة الثقة

- ‌القسم الأول: زيادة الثقة في الإسناد:

- ‌القسم الثاني: زِيادة الثقة في المتن

- ‌المبحث الثالث:التعليل بالمخالفة

- ‌النوع الأول: الشذوذ

- ‌النوع الثاني: مُخالفة القرآن

- ‌النوع الثالث: مخالفة المعروف من السنن النبوية

- ‌النوع الرابع: مخالفة المحسوس

- ‌النوع الخامس: مخالفة العقل

- ‌خلاصة هذا المبحث:

- ‌المبحث الرابع:التعليل بالاختلاف

- ‌معنى الاختلاف على الراوي:

- ‌القسم الأول: اختلاف غير قادح

- ‌القسم الثاني: اختلاف قادح

- ‌الصورة الثانية: الاضطراب

- ‌المبحث الخامس:التعليل بالغلط

- ‌الصورة الأولى: دخول حديث في حديث

- ‌الصورة الثانية: التصحيف في الأسانيد والمتون

- ‌الصورة الثالثة: القلب:

- ‌المبحث السادس:التعليل بالتدليس

- ‌الفصل الثالثقوانين ضبط عمليةتعليل الأحاديث

- ‌المبحث الأولعلم التخريج

- ‌تفسير علم التخريج:

- ‌التخريج بمعنى جمع الطرق والألفاظ:

- ‌من القواعد الواجب اعتبارها في علم التخريج

- ‌أولاً: ملاحظة ألفاظ الإحالة ودلالاتها

- ‌ثالثاً: الأخذ من نسخة مروية بإسناد واحد

- ‌المبحث الثاني:علامات لكشف العلة من منهج المتقدمين

- ‌أولاً: أن يأتي أحد وجهي الرواية على الجادة، والآخر خارجاً عنها

- ‌رابعاً: أن يأتي الحديث موافقاً للمنقول عن أهل الكتاب

- ‌خامساً: أن يكون الثقة يرجع إلى أصول، ولا يوجد ذلك الحديث في أصوله

- ‌سادساً: أن يثبت عن راوي الحديث ترك عمله به، أو ذهابه إلى خلافه

- ‌المبحث الثالث:مقدمات أساسية لكشف العلة الخفية

- ‌المقدمة الأولى: تمييز مراتب الرواة الثقات

- ‌المقدمة الثانية: حفظ الأسانيد المعروفة الصحة، والأسانيد المعللة

- ‌المقدمة الثالثة: تمييز المراسيل، ومن كان معروفاً بالإرسال

- ‌المقدمة الرابعة: تمييز ما يدخل على أحاديث بعض الثقات، وهماً أو تعمداً

- ‌المقدمة الخامسة: تمييز التدليس، ومعرفة ما يقع من بعض الثقات من تدليس الأسماء

- ‌المقدمة السادسة: تمييز بلدان الرواة، ومعرفة ما يتفردون به من السنن

- ‌المقدمة السابعة: تمييز المتشابه من الأسماء والكنى والألقاب

- ‌المقدمة الثامنة: تمييز المقلين من الرواة والمكثرين

- ‌المقدمة التاسعة: تمييز أصح ما يروى في الباب

- ‌المقدمة العاشرة: تمييز الأبواب التي لا يثبت فيها حديث

- ‌المقدمة الحادية عشرة: تفقد صيغ التحمل والأداء

- ‌المقدمة الثانية عشرة: تمييز الإدراج للألفاظ في سياقات المتون

- ‌القسم الثانيأصناف الحديثمن جهة القبول والرد

- ‌الباب الأولالحديث المقبول

- ‌الفصل الأولالحديث الصحيح

- ‌المبحث الأولتعريف الحديث الصحيح

- ‌المراد بشروط صحة الحديث على سبيل الإجمال:

- ‌الشرط الأول: اتصال السند

- ‌الشرط الثاني: عدالة الرواة

- ‌الشرط الثالث: ضبط الرواة

- ‌الشرط الرابع: السلامة من العلل المؤثرة

- ‌المبحث الثاني:تطبيق لإظهار تحقق شروط الحديث الصحيح

- ‌المبحث الثالث:نقد تعريفات الصحيح

- ‌المبحث الرابع:الحديث الصحيح في اصطلاح الترمذي

- ‌الفصل الثانيالحديث الحسن

- ‌المبحث الأول:تعريف الحديث الحسن

- ‌الترمذي و (الحديث الحسن):

- ‌المبحث الثاني:تاريخ هذا (المصطلح)

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث الثالث:تطبيق لتحقيق شروط حسن الحديث

- ‌تطبيق للحديث الحسن لذاته:

- ‌تطبيق للحديث الحسن لغيره:

- ‌الفصل الثالثمباحث في الصحيح والحسن

- ‌المبحث الأول:الكتب في الحديث الصحيح

- ‌ طريقة الشيخين في تخريج حديث من تكلم فيه من الرواة

- ‌المبحث الثاني:ذكر المصنفات المسماة بـ (الصحاح)غير كتابي الشيخين

- ‌1 _ صحيح ابن خزيمة

- ‌2_ صحيح ابن حبان

- ‌3 _ المستدرك على الصحيحين

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث الثالث:الأحاديث المعلقات في " صحيح البخاري

- ‌إطلاق مصطلح (المعلق):

- ‌سبب تعليق الحديث:

- ‌تنبيهان:

- ‌تتمة في مسائل تتصل بالمعلقات:

- ‌المبحث الرابع:السنن الأربعة والمسندأعظم دواوين السنة بعد الصحيحين

- ‌شرط أبي داود في (سننه):

- ‌شرط الترمذي في " سننه

- ‌شرط النسائي في " سننه

- ‌شرط ابن ماجة في " سننه

- ‌شرط أحمد في " المسند

- ‌المبحث الخامس:المستخرجات على " الصحيحين

- ‌فوائد المستخرجات:

- ‌من أمثلة المستخرجات على " الصحيحين

- ‌تنبيهان:

- ‌المبحث السادس:أين يوجد الحديث الصحيح في غيرالكتب الموسومة بالصحة

- ‌المبحث السابع:تصحيح الحديث على شرط الصحيح

- ‌ شرط البخاري

- ‌شرط مسلم

- ‌الواجب اعتباره لفهم شرط الشيخين فيما انتقياه

- ‌المبحث الثامن:مسائل في الحديث الصحيح والحسن

- ‌المسألة الأولى: الحديث الصحيح والحسن كلاهما حجة

- ‌المسألة الثانية: درجات الصحة تتفاوت في القوة بحسب القرائن

- ‌المسألة الثالثة: هل صحة الإسناد توجب صحة الحديث

- ‌المسألة الرابعة: قولهم في الحديث: (رجاله ثقات) هل يعني الصحة

- ‌المسألة الخامسة: عدد الحديث الصحيح

- ‌المسألة السادسة: قولهم: (أصح شيء في الباب)

- ‌المسألة السابعة: أصح الأسانيد

- ‌المسألة الثامنة: قولهم: (حديث جيد)

- ‌المسألة التاسعة: أين يوجد الحديث الحسن

- ‌المسألة العاشرة: أوصاف للحديث تفيد القبول

- ‌المسألة الحادية عشرة: استدلال العالم بحديث، هل يعني تصحيحه له

- ‌الباب الثانيالحديث المردود

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأولألقاب الحديث الضعيفبسبب عدم الاتصال

- ‌المبحث الأولالحديث المنقطع

- ‌الصورة الثانية: أن يكون بدل السقط إبهام لراو

- ‌سبب إبهام الراوي:

- ‌كيف يثبت الانقطاع

- ‌المبحث الثاني:الحديث المعضل

- ‌طريق معرفة المعضل:

- ‌المبحث الثالث:الحديث المرسل

- ‌نقد تعريفات المرسل:

- ‌مثال المرسل:

- ‌طريق تمييز المرسل:

- ‌المبحث الرابع:مسائل في الانقطاع والإرسال

- ‌المسألة الأولى: تداخلُ استعمال مصطلح (المنقطع) في (المرسل) عند السلف:

- ‌المسألة الثانية: المفاضلة بين المراسيل

- ‌القول في مراسيل سعيد بن المسيب:

- ‌قولهم في مراسيل عروة بن الزبير:

- ‌قولهم في مراسيل الحسن البصري:

- ‌قولهم في مراسيل جماعة آخرين:

- ‌المسألة الثالثة: حكم الحديث المرسل:

- ‌المسألة الرابعة: رواية الصحابي ما لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس:الحديث المدلس

- ‌النوع الأول: تدليس الوصل

- ‌القسم الأول: تدليس الإسناد

- ‌القسم الثاني: تدليس التسوية

- ‌سبب وقوع التدليس في الإسناد:

- ‌النوع الثاني: تدليس الأسماء

- ‌تحرير الفرق بين (التدليس) و (الإرسال الخفي):

- ‌تاريخ التدليس:

- ‌مذاهب أهل العلم في خبر المدلس:

- ‌الترجيح:

- ‌تنبيه:التهمة للثقة بالتدليس دون دليل من قبيل الجرح المبهم

- ‌كيف يعرف التدليس

- ‌طبقات المدلسين:

- ‌فائدة في الرواة الوارد عليهم مظنة التدليس:

- ‌الصيغة التي يندفع بها التدليس عن الموصوف به:

- ‌تتمة في مسائل في التدليس:

- ‌الفصل الثانيألقاب الحديث الضعيفبسبب جرح الراوي

- ‌المبحث الأول:حديث المجهول

- ‌المبحث الثاني:الحديث اللين

- ‌المبحث الثالث:الحديث المقلوب

- ‌الصورة الأولى: قلب في الإسناد

- ‌الصورة الثانية: قلب في المتن

- ‌الصورة الثالثة: التحول من حديث إلى حديث

- ‌المبحث الرابع:الحديث المصحف

- ‌طريق معرفة التصحيف أو التحريف في الرواية:

- ‌المبحث الخامس:الحديث المدرج

- ‌القسم الأول: مدرج الإسناد

- ‌القسم الثاني: مدرج المتن

- ‌طريق معرفة الإدراج:

- ‌المبحث السادس:الحديث الشاذ

- ‌ زيادات الثقات

- ‌ المزيد في متصل الأسانيد

- ‌المبحث السابع:الحديث المعلل

- ‌المبحث الثامن:الحديث المضطرب

- ‌المبحث التاسع:الحديث المنكر

- ‌تفسير مصطلح (المنكر) في كلام المتقدمين:

- ‌المبحث العاشر:الحديث الموضوع

- ‌بداية ظهور الكذب في الحديث:

- ‌أسباب تعمد وضع الحديث:

- ‌السبب الأول: الطعن على الإسلام، والتشكيك فيه

- ‌السبب الثاني: نصرة الأهواء:

- ‌السبب الثالث: الترغيب في الأعمال الصالحة

- ‌السبب الرابع: الرغبة في استمالة السامعين

- ‌مصادر المتون الموضوعة:

- ‌مسائل في الموضوع:

- ‌المسألة الأولى: مصطلح (حديث لا أصل له)

- ‌المسألة الثالثة: الكتب المؤلفة في تمييز الأحاديث الموضوعة

- ‌المسألة الرابعة: مما يساعد على تمييز الموضوع في الحديث: معرفة أبواب مخصوصة

- ‌الفصل الثالثحكم الاعتباربالحديث الضعيف

- ‌المبحث الأول:تفسير الاعتبار

- ‌المبحث الثاني:تمييز ما يصلح للاعتبار

- ‌ صلاحية الراوي

- ‌ صلاحية نفس الحديث

- ‌تنبيه:الاعتبار بالطرق المرجوحة التي دل النظر على أنها خطأ، لا يصح

- ‌المبحث الثالث:تقوية الحديث بتعدد الطرق

- ‌الشرط الأول: أن يكون حديثاً له نفس درجة المجبور به من جهة من يضاف إليه

- ‌الشرط الثاني: أن يكون في أدنى درجاته مما يصلح الاعتبار به

- ‌مناقشة قول الشافعي فيما يتقوى به المرسل:

- ‌الشرط الرابع: أن يوجد فيه معنى المجبور به إن لم يطابقه في لفظه

- ‌الفصل الرابعاستعمالالحديث الضعيف

- ‌المبحث الأول:حكم الاحتجاج بالحديث الضعيف

- ‌المبحث الثاني:الحديث الضعيف في فضائل الأعمال

الفصل: ‌النوع الثاني: مخالفة القرآن

والواجب حصْرها بالمخالفة التي لا وجه لها، وقامت الحُجة على الخطأ فيها، لتعذّر جمعها إلى رواية الأحفظ.

‌النوع الثاني: مُخالفة القرآن

اعلم أنه يُخطئ على هذا العلم من أقام المعارضة بين القرآن والحديث يَزعم صِحته، فالمفارقة بين طريقي نقلهما كافيةٌ للقضاء أن لا يوجد حديث يقوم لمعارضة القرآن.

لذا ما يُمكن تصور وُجوده من ذلك إن كان ظاهرُه الصحة نقلاً، فلا يَخلو من أحد حاليين:

الأول: أن تكون المعارضة بينه وبين القرآن لا تعدو أن تكون غلطاً من مُدعيها، لا غلطاً في نفس الأمر، وهذا يكون تارةً وهْماً، وتارة هوىً.

والثاني: أن تكون مُعارضة حقيقة، وعندئذ لا يَسلم الإسناد من علةٍ خفيَّة.

والمقصود: منع وُقوع التعارض الحقيقي بين آية من كتاب الله، وحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا على معنى وُجود النسخ، وواقع الحال: امتناع أن يأتي حديث يَسلمُ من علةٍ، يُعارض آية من كتاب الله، وإنما توجد أمْثلة من الحديث يحسبها بعْض المشتغلين بالحديث صحيحة، ولم يقفوا على عِللها، ووجدها غيرُهم مما يخالف القرآن.

وعرض الحديث على القرآن طريقٌ من طُرق فحصه، اعتبره أئمة هذا العلم وبنوا عليه التعليل لبعض الحديث الآتي على خلافه.

وقد روي في اتباع هذا المنهج في عرض الحديث على القرآن حديثٌ ضعيف.

فعن عليِّ بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها تكون بعدي

ص: 698

رُواةٌ يرون عني الحديث، فاعرضوا حديثهم على القرآن، فما وافق القرآن فُخُذوا به، وما لم يُوافق القرآن فلا تأخذوا به " (1).

كما روي معناه من وُجود أخرى، ولا يثبت في هذا خبرٌ مرفوعٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم (2).

ولسْنا بحاجة إلى مثله لإقرار صِحة هذا المنهج، فإن القرآن حكمٌ

(1) أخرجه الدارقطني في " سننه "(4/ 208 _ 209) من طريق جُبارة بن المغلس، والهروي في " ذم الكلام " (ص: 170) من طريق أبي كُريب محمد بن العلاء، قالا: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن زِر بن حبيش، عن علي بن أبي طالب، به.

قال الدارقطني: " هذا وهْم، والصواب عن عاصم عن زيد عن علي بن الحسين مُرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

قلت: وعلته من جهة ضَعف حفظ أبي بكر بن عياش، ولذا حكم الدارقطني بوهم هذا الإسناد. كما أخرج ابن حزم في " الإحكام "(2/ 76) من وجه آخر عن علي، وإسناده واهٍ.

(2)

رُوي فيه كذلك من حديث ثوبان وعبد الله بن عمر، فأما حديث ثوبان، فعنْه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا إن رَحى الإسلام دائرة "، قال: فكيف يُصنع يا رسول الله؟ قال: " اعرضوا حديثي على الكتاب، فما وافقه فهو مني، وأنا قلته ". أخرجه الطبراني في " الكبير "(2/ 94 رقم: 1429) وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو منكر الحديث عن أبي الأشعث.

وأما حديث ابنِ عُمر، فأخرجه الطبراني كذلك (12/ 316 رقم: 13224) عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سُئلت اليهود عن موسى، فأكثروا، وزادوا، ونقصوا، حتى كفروا، وسُئلت النصارى عن عيسى، فأكثروا فيه، وزادوا، ونقصوا، حتى كفروا، وإنه سَيفشو عني أحاديث، فما أتاكم من حديثي فاقرأوا كِتاب الله واعْتبروه، فما وافق كتاب الله فأنا قُلته، وما لم يُوافق كتاب الله فلم أقله ". قلت: وفي إسناده أبو حاضرٍ يرويه عن الوَضين بن عطاء، قال أبو حاتم الرازي:" مجهول "(علل الحديث 2/ 133)، وسماه غيرُ واحد من الأئمة (عبد الملك بن عبد ربِّه) وقال الذهبي في " الميزان " (2/ 658):" منكر الحديث، وله عن الوليد بن مسلم خبرٌ موضوع "، وذكره ابنُ حبان في " ثقاته "(7/ 99) فلم يُصب.

كما رُوي فيه بعض المراسيل، لم تقتصر عِللها على الإرْسال، إنما في أسانيدها من العلل سِواه.

ص: 699

على ما سواه، ووجدْنا في صنيع بَعْض أعيان أئمة الصحابة من استعمل هذا المنهج في نقد الروايات.

وذلك مثل: ما صحَّ عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حين حدثت فاطمة بنْت قيسٍ بقصتها في سُكنى المطلقة:

فعن أبي إسحاق السبيعي، عن الشعبي، عن فاطمة بنْت قيس، قالت: طلقني زوجي، فأردت النُّقلة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:" انْتقلي إلى بيت ابن عمك عمْرو بن أم مكتوم، فاعتدَّي فيه ". فحصبه (1) الأسود، وقال ويْلك، لم تُفتي بمثل هذا؟ قال عمر: إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة:{لا تُخرجوهنَّ من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة بينة} [الطلاق: 1](2).

(1) هذا من قوْل أبي إسحاق، والأسود هو ابن يزيد النخعي، حَصبَ عامراً الشعبي حين حدَّث بهذا.

(2)

حديث صحيح.

أخرجه بهذا السياق النسائي في " الكبرى "(رقم: 5743) وأبو عوانة (رقم: 4617) من طريق الأحوص بن جوَّاب، قال: حدثنا عمار بن رُزيق، عن أبي إسحاق، به. وإسناده جيد.

وتابع الأحوص عليه: قبيصَة بن عقبة، عند أبي عوانة (رقم: 4618) والدارقطني (34/ 26) مثله.

ويحيى بن آدم عند الدارقطني أيضاً وأبي نُعيم (رقم: 3504) بنحوه.

كذلك تابعهم: أبو أحمد الزُّبيري، عند مسلم في " صحيحه " (2/ 1118 _ 1119) وأبي داود (رقم: 2291) وأبي عوانة (رقم: 4615، 4616) والطحاوي في (شرح المعاني)(3/ 67) والدارقطني (4/ 25) وأبي نعيم (رقم 3504) والبيهقي في " الكبرى "(7/ 475)، وفي لفظه:" لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة ".

لكنَّ ذكرَ (السنة) أعله الدارقطني، من أجل تفرُّد أبي أحمد الزبيري دون سائر من رواه، غير أني وجدت في سياق رواية يحيى بن آدم عند أبي نعيم في " المستخرج " ما يُوافقها.

وانظر تعليل الدارقطني في: " السُّنن "(4/ 26) و " العلل "(2/ 141).

كما رواه سُليمان بن معاذ الضبي عن أبي إسحاق، بنحو رواية الأحوص، دون ذكر (السنة)، أخرجه أبو نعيم (رقم: 3505)، لكن سُليمان هذا لين الحديث.

وحسِبَ بعْض الناس أن سبب رد عمرَ رواية فاطمة من أجل كونها امرأة، وليس كذلك، فقد قبل عمر وغيره روايات النساء كعائشة وغيرها، ولا معنى للتعليل بكونها امرأة، وإنما حين عرض ما روت على القرآن، قامت عنْده الشبْهة في قبول رواية تأتي في ظاهرها على خلاف عموم دلالة القرآن، لذا قال في رواية أبي أحمد:" لا ندري لعلها حَفظت أو نسيت "، وطلب على قولها شاهدين، وهذا قد فعل عمر نظيره في رواية بعضِ الرجال من الصحابة، كأبي موسى الأشعري في قصة الإستئذان.

ص: 700

وكانت أم المؤمنين عائشة تعرض ما يبلغها من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتاب الله، وكانت ترد من ذلك ما يأتي على خلاف القرآن، في وقائع عدة.

كقصتها في تخطئة عمر وابنه عبد الله عندما حدثا عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه "، فقالت عائشة: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهل عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهل عليه "، وقالت: حسبكم القرآن: {ولا تزرُ وازرةٌ وزر أُخرى} [الإسراء: 15].

وقالت في رواية: إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ (1).

وعن عروة بن الزبير، قال: ذكر عند عائشة أن ابن عمر يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه "، فقالت: وَهل (2)، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن "، وذاك مثل قوله (3): إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب يوم بدر وفيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم ما قال:" إنهم ليسمعون ما أقول "، وقد وهل، إنما قال:" إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق " ثم

(1) متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 1226) ومُسلم (2/ 640 _ 642)، والرواية الأخرى له.

(2)

أي: غلط ونسي.

(3)

تعني ابن عمر.

ص: 701

قرأت: {إنك لا تسمع الموتى} الآية [النمل: 80]، {وما أنت بمسمع من في القبور} [فاطر: 22] (1).

قلت: في هذا الذي استدركته عائشة في الجملة مناقشة وكلام، ولكن المقصود أن من أعيان الصحابة من كان يعرض ما يبلغه من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم على القرآن، ولا يقبل منها ما أتى على خلافه.

وسئل الأوزاعي: أكل ما جاءنا عن النبي صلى الله عليه وسلم نقبله؟ فقال: " نقبل منه ما صدقه كتاب الله عز وجل، فهو منه، وما خالفه فليس منه "، فقيل له: إن الثقات جاءوا به؟ قال: " فإن كان الثقات حملوه عن غير الثقات؟ "(2).

ومن أمثلته في نظر المتقدمين ما سأذكره عن الشافعي في النوع التالي.

وتعليل بعض أهل العلم لحديث أبي هريرة، قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال:" خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الأثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل "(3).

فهذا رده جماعة من محققي الأئمة، وأقوى مستند في رده معارضة القرآن، فإنه إذا استثني اليوم السابع في خلق آدم، فإن الحديث دل على أن الأرض خلقت في ستة أيام، والله عز وجل يقول في كتابه:{قل أئِنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} [فصلت: 9، 10]، أي فعدة مدة خلق الأرض بما فيها أربعة

(1) أخرجه مسلم (رقم: 932).

(2)

أخرجه أبو زرعة الدمشقي في " تاريخه "(1/ 271) وإسناده جيد.

(3)

أخرجه مسلم في " صحيحه "(رقم: 2789).

ص: 702