الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجملة ما يحتاج إليه في هذا المقام هو أن الزيادة كانت في الإسناد أو المتن، لا تخلو من أن تكون مخالفة لرواية من لم يأت بها أو غير مخالفة:
فإن كانت مخالفة لرواية الأقوى ضبطاً، حكمنا بكونها (شاذة).
وإن كانت غير مخالفة نظرنا اعتبار أمرين لقبولها: أن تكون من ثقة متقن، وأن لا يقوم دليل على خطئه فيها، فإن كانت بهذه كانت المثابة حكمنا بكونها (محفوظة).
وإن لم يكن من أتى بها في إتقانه في المنزلة التي ترجح معها زيادته، للين في حفظه، كحماد بن سلمة في المثال المتقدم، حكمنا بكونها (شاذة)(1).
وما حكمنا بشذوذه فهو (ضعيف).
المسألة الثانية:
المزيد في متصل الأسانيد
.
هذا مبحث يراد به الإسناد الذي يأتي صريحاً بذكر السماع بين ثقتين، فيقول الراوي الثقة المسمى (خالد) مثلاً:(حدثني زيد) ثم يوجد عن خالد هذا قوله: (حدثني بكر عن زيد)، ويبحث في كل من الإسنادين إلى (خالد) فلا يوجد فيهما علة تدل على وهم أو خطأ، وخالد نفسه لا يعاب في حفظه وصدقه، بل هو ثقة، فيقال:(هذا من المزيد في متصل الأسانيد) حملاً على كون (خالد) سمع الحديث أولا بواسطة، ثم لقي (زيداً) فحدثه به، وهذا واقع في الأسانيد غير مستنكر.
فالقول: هو من المزيد في متصل الأسانيد أولى من تخطئة الثقة بغير حجة بينة، إلا أن يوجد أن خالداً لم يدرك زيداً، فيكون بعض الرواة أخطأ فيه، أو وقع في الإسناد سقط من نسخة أو كتاب.
(1) وراجع القول في (زيادات الثقات) فيما تقدَّم في (النقد الخفي) .......
مثاله: ما رواه حجاج بن أبي عثمان الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كسر أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى ".
قال (أي عكرمة): فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة، فقالا: صدق.
فهذا إسناد صحيح متصل، جاء بيان سماع رواته بعضهم من بعض من وجوه عن حجاج الصواف، وهو ثقة.
وروى الحديث معمر بن راشد ومعاوية بن سلام، وهما ثقتان، وسعيد بن يوسف، وهو ضعيف، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري.
فزادوا عن ابن كثير رجلاً بين عكرمة والحجاج.
وهذه رواية صحيحة كذلك، لكنها لا تقدح في اتصال الأولى، لثقة حجاج الصواف وإتقانه عن يحيى بن أبي كثير.
فهذه صورة للمزيد في متصل الأسانيد، بنيت على اعتبار انتفاء المسوغ لتخطئة الثقة، فيكون الجمع: أن عكرمة سمعه بواسطة عن الحجاج، ثم لقي الحجاج فسمعه منه دون واسطة (1).
أما إن جاء الإسناد معنعناً في موضع، وجاء من جهة أخرى صحيحة بزيادة راو في محل العنعنة، فليس من المزيد في متصل الأسانيد، بل الرواية الناقصة ضعيفة للانقطاع، لا للشذوذ، والمزيدة هي المحفوظة.
وذلك مثل: ما رواه أبان بن يزيد العطار وحرب بن شداد،
(1) شرحت الاختلاف في هذا الحديث في كتاب " علل الحديث "، وهناك تخريجه .......
ومحمد بن المثنى، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن:
أنه دخل على عائشة، وهو يخاصم في أرض، فقالت عائشة: يا أبا سلمة، اجتنب الأرض، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من ظلم قيد شبر من الأرض، طوقه يوم القيامة من سبع أرضين "(1).
ولا إشكال في صحته على هذا الظاهر، لكن رواه أصحاب ابن أبي كثير مرة أخرى: علي بن المبارك، وحسين المعلم، وأبان العطار، وحرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة، به (2).
فزادوا واسطة بين يحيى وأبي سلمة، ولم نجد في شيء من الطرق أن يحيى سمعه من أبي سلمة، فدل على أنه تلقاه عنه بالواسطة، وروايته بدونها منقطعة.
أما مجيء الزيادة وهي مرجوحة شاذة، فمثل ما رواه زهير بن معاوية، عن حميد الطويل، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة والحج معاً، فقال:" لبيك بعمرة وحجة ".
قال البخاري: " هذا خطأ، أصحاب حميد يقولون: عن حميد سمع أنساً "(3).
(1) أخرجه أحمد (6/ 64، 259) من طريق أبان بن يزيد العطار، والطحاوي في " شرح المشْكل " (رقم: 6145، 6146) من طريق حرْب بن شداد، ومُحمد بن المثنى، جميعاً، عن يحيى بن أبي كثير، به، واللفظ لأبان.
(2)
أخرجه أحمد (6/ 78) والبخاري (رقم: 2321) من طريق حسين المعلم، والبخاري (رقم: 3023) من طريق علي بن المبارك، وأحمد (6/ 252) ومسلم (رقم: 1612) من طريق حرْبٍ، ومسلم من طريق أبان، وفي رواية حُسين وأبان قال يحيى:" حدثني مُحمد بن إبراهيم، أن أبا سلمة حدثه ".
(3)
العلل الكبير، للترمذي (1/ 375).
قلت: كذلك قال هشيم بن بشير (1)، ويحيى بن سعيد القطان (2)، وسفيان بن عيينة (3)، ذكروا جميعاً عن حميد سمع أنساً.
كما رواه غيرهم ما يزيد على ستة عشر نفساً من أصحاب حميد، عنه، لم يذكروا واسطة بينه وبين أنس، بما يأتي على تأييد رواية من ذكر السماع.
فهذه الصورة أيضاً ليست من المزيد في متصل الأسانيد.
* * *
(1) أخرجه أحمد (19/ 22 رقم: 11958) ومسلم (رقم: 1251) وأبو داود (رقم: 1795) والنسائي (رقم: 2729) وابنُ خزيمة (رقم: 2619) والطبراني في " الصغير "(رقم: 968) والبيهقي في " الكبرى "(5/ 9).
(2)
أخرجه أحمد (20/ 236 رقم: 12870).
(3)
أخرجه الحميدي (رقم: 1215) وأبو يعلى (6/ 325، 391 رقم: 3648، 3737 _ وسقط منه ذكر سفيان في الموضع الأول) .......