الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التخريج بمعنى جمع الطرق والألفاظ:
قال أحمد بن حنبل: " الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضاً "(1).
والتخريج بهذا المعنى هو: أن تعمد إلى حديث فتجمع طرقه: أسانيدها ومتونها، من الكتب الحديثية التي تقوم على الإسناد، لا الكتب الناقلة عنها، ثم التأليف بينها لتحرير مواضع الاتفاق والافتراق في الأسانيد، فتتبين المتابعات والشواهد، وفي المتون، فيتبين ما فيها من التوافق اللفظي والمعنوي، والزيادة والاختلاف.
هذا المعنى للتخريج هو المطلوب تحقيقه لكشف علة الحديث، وليس هو المدلول القريب اليوم لمصطلح (التخريج).
إنما (التخريج) اليوم في طريقة أكثر من يتصدى للاشتغال بالحديث، ممن يفهم وممن لا يفهم، هو: عزو الأحاديث التي تذكر في الكتب غير مروية بالإسناد، إلى محالها من كتب الإسناد، كالحديث يوجد في " المغني " لابن قدامة مثلاً، ربما عزاه إلى مصدر من المصادر، كسنن أبي داود، وربما لم يعز إلى مصدر، فيكون التخريج ببيان محله من " السنن " توثيقاً لنصه، وتيسيراً للوقوف عليه في أصله، وقد يزيد الباحث العزو إلى ما تيسر له الوقوف عليه من الأصول.
وليس من هذا: الكلام على درجة الحديث، فذلك زيادة على التخريج، يحسن أن تسمى (تحقيقاً) مثلاً، وهي عبارة قد شاعت اليوم تدل على هذا المعنى.
فإن وقعت عملية التخريج هذه لكتاب مسند، كمن يعمد إلى أحاديث (مسند أحمد) فيبين محال الحديث في غيره، ويربط بين ذلك الحديث
(1) أخرجه الخطيب في " الجامع "(رقم: 1640) بإسناد حسن.
وسائر طرقه في سائر كتب الحديث، فهذا العمل أشبه بمصطلح (الاستخراج)(1) منه بمجرد (التخريج)، وإن كان معنى (الاستخراج) فيه ناقصاً، فإن العناية فيه إنما هي بالإسناد غالباً دون المتن، ومعلوم أن (الاستخراج) يعتبر في الإسناد والمتن جميعاً (2).
فمن يفهم فإنما ذلك عنده لواحد من غرضين، أو لهما جميعاً:
أولهما: وسيلة يتوصل بها إلى تبيين درجة الحديث، فهذا لا يكون (التخريج) بالنسبة له مقصداً لذاته، ولذلك فقد تتحقق بغيته بأن يوقف على كون الحديث مما (أخرجه) البخاري ومسلم، ولا يزيد.
وثانيهما: توثيق للنص المخرج، من جهة إحالته إلى أصل من الأصول.
ومن لا يفهم، فليس محلاً للحديث هنا.
ولا نجد حرجاً في هذه العملية أن يقال: (أخرجه) أو (خرجه)، فهو واسع، واللغة تحتمله، وإن كان (أخرجه) أكثر وأحسن.
ومن أمثلة كتب التخريج بهذا المعنى:
" تخريج أحاديث الكشاف " و " نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية " كلاهما للحافظ أبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي الحنفي (المتوفى سنة: 762).
و" البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير " للحافظ عمر بن علي المعروف ب" ابن الملقن " الشافعي (المتوفى سنة: 804).
(1) والذي بينت ما يتصل به في مبحث خاصٍ في (القسم الثاني) من هذا الكتاب عند الكلام على (مسائل تتصل بالصحيح والحسن).
(2)
كما بينت معناه في الكلام عن المستخرجات على " الصحيحين " في القسم الثاني من هذا الكتاب.