الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس:
التعليل بالتدليس
وشرحت معنى التدليس في (الحديث المدلس)(1).
والتعليل به بمعنى الوقوع لا المظنة، أي: ليس التعليل بمجرد العنعنة من الراوي الموصوف بالتدليس، وإنما بكشف وقوع تدليسه في ذلك الحديث، عن طريق جمع أسانيده.
مثل: حديث بقية بن الوليد، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يحب الملحين في الدعاء ".
هكذا رواه كثير بن عبيد الحذاء عن بقية (2).
فهذا يقول فيه المبتدئ: (في إسناده بقية، وهو مدلس وقد عنعن)، ثم
(1) في القسم الثاني من هذا الكتاب.
(2)
أخرجه الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول "(رقم: 1008 _ تنقيح) قال: حدثنا الفضل بن محمد، والطبراني في " الدعاء " (رقم: 20) قال: حدثنا واثلة بن الحسن العٍرقي، والعقيلي في " الضعفاء " (4/ 452) قال: حدثنا أحمد بن محمد النصيبي، والقُضاعي في " مسند الشهاب " (رقم: 1069) من طريق أبي عروبة الحرَّاني، و (1070) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن يونس، جَميعاً قالوا: حدثنا كثير بن عُبيد، به.
يقلب فيرى بعض من رواه عن كثير قال فيه: " حدثنا كثير بن عبيد، حدثنا بقية بن الوليد، حدثنا الأوزاعي "(1)، فيقول:(انزاحت عنه شبهة التدليس، والأوزاعي فمن فوقه إسناد معروف الصحة).
لكن يقول الناقد في هذه الرواية، كما قال البيهقي:" هكذا قال: حدثنا الأوزاعي، وهو خطأ "، يعني لتفرد راو بها عن كثير عن بقية دون الجماعة، مع قيام الدليل على الواسطة بين بقية والأوزاعي فيه.
كما قال أبو حاتم الرازي: " هذا حديث منكر، نرى بقية دلسه عن ضعيف عن الأوزاعي "(2).
وقال العقيلي: " لعله أخذه بقية عن يوسف بن السفر ".
قلت: هو كذلك، إنما حمله بقية عن أبي الفيض يوسف بن السفر كاتب الأوزاعي، عن الأوزاعي، وكان يوسف هذا متهماً بالكذب ووضع الحديث، كذلك رواه عن بقية: عيسى بن المنذر الحمصي، وهو ثقة (3)، وتابعه أحد المتروكين (4) لكن العبرة برواية عيسى هذا.
وكذلك أعله ابن عدي بتدليس بقية.
والتعليل بهذا الطريق لا يتفطن له إلا من رزق بصيرة وقوة معرفة وسعة اطلاع في هذا العلم، والذي يعل به الطلبة غايته ما ذكرت، لا يعدو
(1) كذلك رَواه أحمد بن يحيى بن صفوان الأنطاكي، فيما أخرجه البيهقي في " الشعب " (رقم: 1108).
(2)
علل الحديث (2/ 199).
(3)
أخرجه العُقيلي في " الضعفاء "(4/ 452).
(4)
هو سليمان بن سلمة الخبائري الحِمصي، أخرجه من طريقه: يعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ "(2/ 431) _ ومن طريقه: البيهقي في " الشعب "(رقم: 1109) _ وابن عدي في " الكامل "(8/ 500) وابن عساكر في " تاريخه "(32/ 368). لكن أسقطت رواية ابن عساكر (بقية).
أن يجد أحدهم الراوي الموصوف بالتدليس لم يصرح بالسماع في روايته، فيقول:(إسناد ضعيف، فيه فلان مدلس، ولم يصرح بالتحديث)، وليس هذا من العلل الخفية، إنما العلة الخفية كشف وقوع التدليس في تلك الرواية، والتعليل بمجرد العنعنة من الموصوف بالتدليس تعليل ظاهر، قد يكون مرجوحاً لا أثر له في اتصال الإسناد، كما تلاحظه في بيان (الحديث المدلس).