الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقع مثل ذلك الإدراج في المتون أيضاً، بقصد شرح لفظ غامض أو نحو ذلك.
مثل: ما جاء في أثناء قول عائشة في حديث بدء الوحي: ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه، وهو التعبد، الليالي ذوات العدد. . الحديث (1).
فعبارة: (وهو التعبد) جزم بعض العلماء أنها مدرجة من قول الزهري يشرح بها معنى التَّحنُّث، وفي رواية عن الزهري جاءت العبارة معترضة بصيغة:(قال: والتَّحنُّث: التعبد)(2).
الأصل الثاني: الحكم في زيادة الثقة
.
ما هو محل للتعليل من صور زيادات الثقات: زيادة الوصل في محل الإرسال، أو الراوي في محل العنعنة، أو زيادة الرفع في محل الوقف، أو الزيادة في متن الحديث.
وليس منه: المزيد في متصل الأسانيد، ولا زيادة التحديث في موضع العنعنة، فهذا لا أثر له فيما يأتي من الخلاف.
ونقسم الكلام في حكم زيادة الثقة عند أهل العلم إلى قسمين:
القسم الأول: زيادة الثقة في الإسناد:
الوَصل، أو الرفع، أو راوياً في محل العنعنة.
بين أهل العلم في هذا اختلاف، حصره الخطيب في المذاهب الأربعة التالية:
(1) مُتفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 3، 6581) ومُسلم (رقم: 160).
(2)
نقل ابن حجر القول بكونها مدرجة عن الطيبي (فتح الباري 1/ 23)، والرواية الأخرى عن الزهري عند البخاري (رقم: 4760).
المذهب الأول: عدم قبول الزيادة، والحكم لتاركها، حكاه عن أكثر أهل الحديث.
المذهب الثاني: الترجيح بالعدد، فإن كان التارك أكثر فالقول قوله، وكذلك العكس.
قال الزَّيلعيُّ: " إن جماعة من الحنفية لا يرون الترجيح بكثرة الرواة، وهو قول ضعيف؛ لبعد احتمال الغلط على العدد الأكثر، ولهذا جعلت الشهادة على الزنا أربعة؛ لأنه أكبر الحدود "(1)، وقال:" وإنما يرجح بكثرة الرواة إذا كانت الرواة محتجا بهم من الطرفين "(2).
المذهب الثالث: الترجيح بالحفظ، فإن كان التارك أحفظ فقوله أرجح، وكذلك العكس. وهذه طريقة الدارقطني.
فمع إقراره بمبدأ: (الزيادة من الثقة مقبولة) لكنه لا يرجح به، إنما يرجح الأحفظ.
فقد سئل عن حديث اختلف فيه مطرف بن طريف وسفيان الثوري روياه جميعاً عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، عن ابن عمر، فزاد مطَرِّف: عن عمر.
فأجاب بأن ثلاثة رووه عن مطرف، أتقن ثقتان على روايته عنه بزيادة عمر، ورواه عنه شريك القاضي، فلم يذكر عمر، ثم قال الدارقطني:" مطرف من الأثبات، وقد اتفق عنه رجلان ثقتان، فأسنداه عن عمر، ولولا أن الثوري خالفه فرواه عن زيد العمي فلم يذكر فيه عمر، لكان القول قول من أسند عن عمر، لأنه زاد، وزيادة الثقة مقبولة "(3).
(1) نصب الراية (1/ 359).
(2)
نصب الراية (1/ 360). قلت: ويعني بالطرفين: طرف من زاد، وطرف من ترك.
(3)
العلل الواردة في الأحاديث النبوية، للدارقطني (2/ 75).
وسئل عن حديث رواه إسماعيل بن جعفر عن عمارة بن غزية، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل ما يقال عند الأذان. خالف ابن جعفر فيه: إسماعيل بن عياش، فرواه عن عمارة، عن خبيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، كما خالفهما: يحيى بن أيوب الغافقي، فرواه عن عمارة عن خبيب موقوفاً؟ فقال الدارقطني:" إسماعيل بن جعفر أحفظ من يحيى بن أيوب، وإسماعيل بن عياش، وقد زاد عليهما، وزيادة الثقة مقبولة "(1).
قلت: وهكذا رأيته فعل في مواضع، ثم الترجيح بالأحفظ هو القاعدة العامة التي جرى عليها الدارقطني في تعليله الأحاديث.
المذهب الرابع: قبول الزيادة من العدل الضابط، مطلقاً كان التارك لها واحداً أو أكثر، مثله في الحفظ أو أحفظ منه.
وهذا المذهب قال الخطيب: " هو الصحيح عندنا؛ لأن إرسال الراوي للحديث ليس بجرح لمن وصله ولا تكذيب له، ولعله أيضاً مسند عند الذين رووه مرسلاً، أو عند بعضهم، إلا أنهم أرسلوه لغرض أو نسيان، والناسي لا يقضى له على الذاكر، وكذلك حال راوي الخبر إذا أرسله مرة ووصله أخرى، لا يضعف ذلك أيضاً؛ لأنه قد ينسى فيرسله، ثم يذكر بعده فيسنده، أو يفعل الأمرين معاً عن قصد منه فغرض له فيه "(2).
وقال الخطيب: " اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفاً؛ لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث مرة ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكره مرة أخرى على سبيل الفتوى ولا يرفعه، فحفظ الحديث عنه على الوجهين جميعاً، وقد كان سفيان بن عيينة يفعل هذا كثيراً في حديثه، فيرويه تارة مسنداًً مرفوعاً، ويقفه مرة أخرى قصداً واعتماداً، وإنما
(1) العلل (2/ 183).
(2)
الكفاية (ص: 581).
لم يكن هذا مؤثراً في الحديث ضعفاً،. . . لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى، والأخذ بالمرفوع أولى؛ لأنه أزيد " (1).
ولهذا انتصر ابن حزم، ولم يعد الاختلاف في ذلك مؤثراً في رواية الثقة موصلة (2).
وهذه في التحقيق طريقة كبار النقاد من الأئمة، كما هو الشأن في إطلاق من أطلق:(زيادة الثقة مقبولة)، كأحمد بن حنبل، كما سيأتي، وغيره.
وسئل البخاري عن حديث إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" لا نكاح إلا بولي "؟ فقال: " الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل بن يونس ثقة، وإن كان شعبة والثوري أرسلاه، فإن ذلك لا يضر الحديث "(3).
والبخاري لا يقبل زيادة الثقة مطلقاً، إنما يعتبر في ذلك قوة الحفظ، فإنه أعل أخباراً بالاختلاف فيها وإرسالاً، أو رفعاً ووقفاً، ولا يقبل فيها زيادة الوصل أو الرفع، في أمثلة في " التاريخ " وعلل الترمذي ". وقال مسلم بن الحجاج:" والزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذي لم يعثر عليهم الوهم في حفظهم "(4).
وقال أبو زرعة الرازي في شأن زيادة وصل لعبد الله بن المبارك: " إذا زاد حافظ على حافظ قبل، وابن المبارك حافظ "(5). كما قال كذلك في زيادة الوصل أيضاً: " زيادة الحافظ على الحافظ تقبل "(6).
(1) الكفاية (ص: 587 _ 588).
(2)
الإحكام في أصول الأحكام (2/ 88، 149).
(3)
أخرجه البيهقي في " الكبرى "(7/ 108) والخطيب في " الكفاية "(ص: 582) وإسناده جيد.
(4)
التمييز (ص: 189).
(5)
علل الحديث، لابن أبي حاتم (1/ 318).
(6)
علل الحديث لابن أبي حاتم (2/ 302).
قلت: والعمل بهذا الإطلاق يشبه أن يكون عليه عمل عامة المتأخرين من علماء الحديث، كالحاكم والبيهقي وابن الجوزي، ومن بعدهم.
قال أبو يعلى الخليلي، وهو يذكر نوعاً من أنواع علل الحديث:" أن يروي الثقات حديثا مرسلا، وينفرد به ثقة مسندا، فالمسند صحيح وحجة، ولا تضره علة الإرسال "(1). وقال ابن القطان الفاسي من المتأخرين بعد أن ذكر حديثاً أعل بالإرسال والواصل ثقة: " هو نظر غير صحيح أن تعل رواية ثقة حافظ وصل حديثا رواه غيره مقطوعا، أو أسنده ورواه غبره مرسلا؛ لأجل مخالفة غيره له، والأمر يحتمل أن يكون قد حفظ ما لم يحفظه من خالفه، وإذا كان المروي من الوصل والإرسال عن رجل واحد ثقة، لم يبعد أن يكون الحديث عنده على الوجهين، أو حدث به في حالين، فأرسل مرة، ووصل في أخرى، وأسباب إرساله إيَّاه متعددة:
فقد تكون أنه لم يحفظ في الحال حتى راجع مَكتوباً إن كان عنده، أو تذكَّر، أو لأنه ذكره مُذاكرا ً به، كما يقول أحدنا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لِما هو عنده بسنده، أو لغير ذلك من الوجوه.
وإنما الشأن في أن يكون الذي يُسند ما رواه غيره مَقطوعاً أو مُرسلاً، ثقة. فإنه إن لم يكن ثقة لم يُلتفت إليه ولو لم يُخالفه أحدٌ، فإذا كان ثقة فهو حُجة على من لم يَحفظ.
وهذا هو الحق في هذا الأصْل، وكما اختاره أكثر الأصوليون فكذلك أيضاً اختاره من المحدثين طائفة، وإن كانَ أكثرهم على الرأي الأول، فمَّمن اختار ما اخترناه: أبو بكر البزار، ذهب إلى أنه إذا أرْسل الحديث جَماعة،
(1) الإرشاد (1/ 163).
وحدَّث به ثقةٌ مسندا، كان القول قول الثقة (1)، فيجيءُ على قوله أحرى وأولى بالقبول: ما إذا أرسل ثقةٌ ووصل ثقة، فإنه إذا لم يُبال بإرسال جماعة إذا وصله ثقة، فأحرى أن لا يُباليَ بإرسال واحدٍ إذا أسْنده ثقة " (2).
الراجح:
والراجح المحرر في هذا من بين مذاهبهم، القول: زيادة الثقة للوصْل في موضِع الإرسال، أو الرفع في موضع الوقف، أو الواسِطة في موْضع العنعنة، مقبولة، ما حققت فيها اعْتبارين:
الأول: أن يكون الراوي ثِقة ضابطاً، لا يُذكر بلين في حفظه.
والثاني: أن يَبْرأ من قيام حُجة على خطئه فيما زاد.
قال الترمذي: " وإنما تصحُّ إذا كانت الزيادة ممن يُعتمد على حِفظه "(3)، وقال:" إذا زاد حافظ ممن يُعتمد على حِفظه قُبل ذلك منه "(4).
قلت: فأما الصدوق ومن في حِفظه لين فلا تقبل زيادته، فهؤلاء قد يزيد أحدهم الشيء وهْما، كمن يزيد الوصل في الإسناد المرسل يُجريه على الجادَّة غفلة.
قال أحمد بن حنبل: " كان ابنُ المنكدر رجُلاً صالحاً، وكان يُعرف بجابر، مثل ثابت عن أنس، وكان يُحدث عن يزيد الرَّقاشي، فربَّما حدَّث بالشيء مُرسلاً فجعلوه عن جابر "(5).
(1) وذلك في قول البزار عقب حديث أبي سعيد مرفوعاً: " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة .. " قال: " وهذا الحديث قد رواه غيرُ واحد عن زيد عن عطاء بن يسار مرسلاً، وأسنده عبدُ الرزاق عن معمر والثوري، وإذا حدث بالحديث ثقةٌ فأسنده كان عندي الصواب، وعبد الرزاق ثقةُ " نقله ابنُ القطان في " بيان الوهم "(1/ 310).
(2)
بيان الوَهم والإيهام، لابن قطان (5/ 430).
(3)
كتاب (العلل) آخر " الجامع "(6/ 252 _ 253).
(4)
كتاب (العلل) آخر " الجامع "(6/ 253).
(5)
مسائل الإمام أحمد، رواية أبي داود (ص: 302).
وقال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل: " يونُس بن أبي إسحاق حديثه فيه زيادة على حديث
…
الناس "، قلت: يقولون: إنه سمع في الكتاب فهو أتمُّ، قال: " إسرائيل ابنه سمع من أبي إسحاق وكتب، فلم يكن فيه زيادة مثل ما يزيد يونس " (1).
قلت: ولمثل هذا المعنى تردد شُعبة بن الحجاج في حديث تفرّد برفعه سماك بن حرب دون جماعة من الثقات وقفوه، وذلك أن سِماكاً وإن كان ثقة، لكنه يَهم ويُخطئُ وفي حفظه شيءٌ.
قال أبو داود الطيالسي: سمعت خالد بن طُليق يسأل شعبة، فقال: يا أبا بسْطام، حدثني حديث سِماك بن حرب في اقْتضاء الذهب من الوَرق، حديث ابن عُمر، فقال:" أصلحك الله، هذا حديثٌ ليس يرفعه أحدٌ إلا سماك "، قال: فترهبُ أن أرْوي عنك؟ قال: " لا، ولكن حدثنيه قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر، ولم يرفعه وأخبرنيه أيوب عن نافع عن ابن عمر، ولم يَرفعه، وحدثني داود بنُ أبي هند عن سعيد بن جبير، ولم يَرفعه، ورفعه سِماك، فأنا أفْرقُه "(2).
تنبيهان:
التنبيه الأول: الحديث قد يختلف فيه النقلة رَفعاً ووقْفاً، لكن يوجد في الرواية الموقوفة ما يدل على كون الخبر لا يُقال إلا بتوْقيف، فيكون ذلك دليلاً على ترجيح الرَّفع.
وذلك نحو حديث أبي سعيد الخُدري، قال:" من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة، أضاء الله له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق ".
(1) الجرح والتعديل (4/ 2 / 244)، ورواه كذلك عن أحمد: الفضل بن زياد، أخرجه عنه يعقوب بن سفيان في " المعرفة "(2/ 173 _ 174).
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في " تقدمة الجرح والتعديل "(ص: 158) والعُقيلي في " الضعفاء "(2/ 179)
وإسناده صحيح.